سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المضاربون في أسواق النفط استغلوا الأزمات المالية.. وشركات متخصصة أوقدت نار التوقعات اقتصاديون: التقنية الحديثة ساهمت في استخراج النفط ونضوبه غير علمي ولا واقعي
اتفق خبراء اقتصاديون على أن المضاربين في أسواق النفط يستغلون بشكل واضح بعض الأزمات المالية، واضطراب أسواق العملة، وأن لهم دورٌ كبير في رفع أسعار النفط، مؤكدين أنهم لم يعملوا لوحدهم في دفع الأسعار إلى الأعلى، بل كانت هناك تقارير وبيانات صادرة عن شركات استثمارية متخصصة تتوقع وصول أسعار النفط إلى مستويات 200 دولار. واستبعدوا أن النفط شارف على النضوب، معللين ذلك بأن هناك كميات كبيرة من الاحتياطات العالمية في كل من السعودية وفنزويلا والعراق ومنطقة الخليج العربي، وأن التقنية الحديثة ساهمت في استخراج النفط واكتشاف احتياطات ومكامن جديدة للنفط تتطور دائماً، كل ذلك يجعل مسألة النضوب غير علمية وغير واقعية. وأوضحوا ل "الرياض" أن ارتفاع أسعار النفط والبنزين العالمية تعود إلى ارتفاع نمو الطلب العالمي بشكل عام، وبشكل خاص في الصين والهند؛ وكذلك ضعف الطاقة الإنتاجية للمصافي الأمريكية. وقال الدكتور زين العابدين بري عضو مجلس الشورى، إن الزيادة المتواصلة في الطلب، تعود إلى أن النفط كأي سلعة، ويخضع لقوانين العرض والطلب وعند زيادة الطلب بالمقارنة مع العرض لابد وأن يرتفع السعر، مشيراً إلى أن هناك عوامل أخري كثيرة تساعد على ارتفاع السعر، منها المضاربات التي تعتمد على التوقعات، كما أن شح العرض لأي سبب من الأسباب يؤدي حتما إلى انخفاض العرض عن مستوى الطلب، وترتفع الأسعار ولكن هذا لم يحدث في سوق البترول. وأضاف": إن الاقتصادات العالمية شهدت نموا متواصلا منذ 2006 إلى 2008 وكان الاقتصاد الصيني يشهد، ولايزال، نموا استثنائيا، ما زاد الطلب على الطاقة بصورة عامة، والنفط بصورة خاصة، وقد هدأت حدة الزيادة على الطلب مع ظهور الأزمة المالية العالمية، وما صاحبها من تباطؤ في الاقتصادات العالمية. ولكن وعلى أي حال فأنا أتوقع عودة الزيادة في الطلب على النفط ولكن بصورة تدريجية وأقل حدة هذه المرة، خصوصا ان عودة الانتعاش إلى الاقتصادات العالمية لاتزال في بداياتها، وأيضا ظهور وسائل الطاقة البديلة وتطورها مثل السيارات التي تسير بالطاقة الكهربائية والسيارات الهجينة وخلافه". وعن دور المضاربين في رفع أسعار النفط؟، قال زين العابدين بري: "لهم دور مهم في زيادة الطلب على البترول ومن ثم زيادة الأسعار. وقد غذت الزيادة في الطلب الذي صاحب النشاط والانتعاش العالمي التوقعات حول الزيادة المستمرة في الطلب على البترول ما فاقم من حدة الزيادة في أسعار البترول إلى مستويات غير مسبوقة". واستبعد عضو مجلس الشورى أن النفط شارف على النضوب، معللاً ذلك بأن هناك كميات كبيرة من الاحتياطات العالمية في كل من السعودية وفنزويلا والعراق ومنطقة الخليج العربي، مبيناً أن هناك اكتشافات كبيرة وحديثة تزيد من تلك الاحتياطات، مطالباً الدول في الوقت ذاته بأن لا تركن إلى صناعة البترول من دون الأخذ في الحسبان مرحلة ما بعد البترول؛ لأنها قادمة لا ريب فيها. من جهته، أوضح الدكتور عبدالعزيز داغستاني رئيس دار الدراسات الاقتصادية في الرياض، أن النفط مثله مثل أي سلعة أخرى يخضع لآلية السوق، أي للعرض والطلب، مؤكداً أن ما يميز النفط عن السلع الأخرى أنه سلعة إستراتيجية يرتبط الطلب عليها بشكل كبير على حالة النمو الاقتصادي في العالم، لافتاً إلى أنه مرتبط بدوره بالحالة الإنتاجية في الدول الصناعية بشكل خاص، إلى جانب عوامل أخرى. وزاد: "أما جانب العرض فهو غير مرن لعدة اعتبارات، منها الاحتكام إلى ضوابط سقف الإنتاج لمنظمة الأوبك، ومنها ما يتعلق بالاستثمار في قطاع النفط، الذي يحتاج إلى رساميل عالية جداً، وإلى وقت غير قصير، وهذه هي العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط". وأبان داغستاني أن هناك عوامل كثيرة أدت إلى ارتفاع مستويات الطلب على النفط في السنوات الأخيرة، لعلها تتعلق بشكل مباشر بالحالة الاقتصادية التي تسود العالم وأدت إلى زيادة الطلب، وتلك عوامل تراكمية تتعلق بالنمو الاقتصادي. وأكد رئيس دار الدراسات الاقتصادية في الرياض، أن للمضاربين دورا كبيرا في رفع أسعار النفط، وهم يستغلون بشكل واضح بعض الأزمات المالية، واضطراب أسواق العملة، ويستثمرون الاضطرابات السياسية والنزاعات الحربية، خاصة في بعض الدول المنتجة. وهي في النهاية سوق بورصة وتعاملات آنية وآجلة، ومن الطبيعي أن تنشط المضاربات. وتابع: "مقولة أن النفط أشرف على النضوب غير واقعية، الاحتياطات النفطية المؤكدة عالية جداً، والتقنية الحديثة في استخراج النفط واكتشاف احتياطات ومكامن جديدة للنفط تتطور دائماً، كل ذلك يجعل مسألة النضوب غير علمية وغير واقعية. والاقتصاديون يقولون لا تفكر في الأجل الطويل.. في الأجل الطويل كلنا ميتون". وأشار داغستاني إلى أن تكاليف إنتاج النفط حالياً تعد منخفضة جداً مقارنة بالأسعار والعائد الكلي من الإنتاج، موضحاً أن الدول المنتجة حالياً تتجه إلى زيادة قدرتها الإنتاجية، وأن ذلك يتطلب عمليات استثمارية ورأسمالية عالية تضاف إلى هيكل التكاليف، مستبعداً أن يعزل الارتفاع العام في الأسعار عن تكاليف إنتاج النفط، وهي جزء من هذا التوجه العالمي الذي طال كل القطاعات الإنتاجية. وفي السياق ذاته، أكد الدكتور فهد بن جمعة عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية، أن ارتفاع أسعار النفط والبنزين العالمية لعدة أسباب من أهمها: ارتفاع نمو الطلب العالمي بشكل عام وبشكل خاص في الصين والهند؛ ضعف الطاقة الإنتاجية للمصافي الأمريكية؛ المضاربة على أسعار النفط مع احتمالية خطر نقص في الإمدادات مستقبلياً: ضعف الدولار. وأضاف: "كما خفضت الأوبك إنتاجها في أول سبتمبر 2001، رغم ارتفاع إنتاج غير الأوبك، وذلك قبل تفجيرات سبتمبر 11 ثم خفضت إنتاجها مره ثانية في يناير 2002 من اجل دعم الأسعار، وكان هناك تعاون من غير الأوبك في منتصف العام أدى إلى تقليص المخزون الأمريكي إلى أدنى مستوى له في 20 عاما، وفي نهاية العام أصبح الفائض في الإمدادات لا يشكل أي مشكلة". وبيّن عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية، أن السياسة المالية التي تتبعها أي حكومة قد تتحول إلى سياسة توسعية من خلال زيادة إنفاقها وكذلك من خلال سياستها النقدية، وذلك بتخفيض سعر الفائدة لتشجيع التمويل والاستثمار والحركة ألاقتصاديه، مشيراً إلى أن تخفيض سعر الفائدة إلى مستوى متدن يدفع بالتضخم إلى درجة لا تحتمل، ويكون تأثيرها سلبيا على أداء الاقتصاد، مضيفاً أن تدني أسعار النفط يعد محفزاً لاقتصاديات الدول المستهلكة وهي اكبر دول في العالم، ما يعود بالأثر الايجابي على الاقتصاد العالمي. وقال ابن جمعة أن أسعار الفائدة المنخفضة تدعم أسعار النفط وتحفز الطلب عليه في ظل الظروف ألاقتصادية العادية، مبيناً أن في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي ينتج منها ركود أو كساد سوف يستغرق اثر تخفيض أسعار الفائدة وقتاً طويلاً، حتى يعود الاقتصاد العالمي إلى وضعه الطبيعي، ثم تبدأ الأسعار ترتفع مرة أخرى تدريجيا مع ارتفاع النمو في الطلب العالمي وهكذا. وذكر أن المضاربة على النفط تحدث عندما تتسع الفجوة بين أسعار النفط الفورية وأسعاره المستقبلية في الأشهر المقبلة، مشيراً إلى أن المضاربين يقومون بتخزين النفط من اجل بيعه بعد شهر أو أكثر متوقعين أن الإمدادات سوف تقل في المستقبل، موضحاً أنهم يبيعون ذلك النفط عند سعر مضاف إليه تكلفه المخزون، والنقل والمخاطرة، مؤكداً في الوقت نفسه أن ذلك لا يعني أنه سوف يتحقق، فقد يحصل العكس ويخسر هؤلاء المضاربون. وتابع: "إن نضوب النفط يتعلق بنظرية ذروة النفط التي تدعي إن النفط سوف يصل إلى قمة ذروته بين 2010 و2050م، بينما بعضهم يعتقد أن النفط قد وصل إلى ذروته في الوقت الحالي، لكن ماذا يقصد بالذروة؟ هو المستوى الذي يبدأ عنده الإنتاج العالمي في التناقص، حيث لا تكون هناك زيادة في الاحتياطيات بل تناقص، لذا اختلف الاقتصاديون والجيولوجيون على وصول النفط إلى الذروة، حيث إن بعضهم كانوا متشائمين، بينما الآخرون متفائلون، ولكن قضية الذروة هي حقيقة وقد حدثت في الولاياتالأمريكية في 1970م عندما تحول الإنتاج من الثبات إلى التناقص من 9.64 مليون برميل يومياً إلى 5.06 مليون برميل يوميا في 2007 أي بانخفاض قدره 47%". وأبان عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية، أن إنتاج العالم من النفط في مسار أفقي منذ 2005م. مع إن التقويم الحالي يشير إلى انه مازال يوجد 1.3 تريليون برميل من النفط، لكن الطلب العالمي المتوقع سوف ينمو 37% حتى نهاية 2030م أي أن الطلب العالمي سوف يبلغ 118 مليون برميل يوميا من 86 مليون برميل يوميا في 2007م, بسبب زيادة الطلب من قطاع المواصلات. ويرى الدكتور ابن جمعة أن الطلب العالمي على النفط سوف يتصاعد وسوف ترتفع الأسعار بشكل كبير، إلى درجة أن تصبح المصادر الأخرى مجدية، بينما الإنتاج سوف يتناقص، وقد تناقص فعلا في بعض الدول داخل وخارج الأوبك مع أن تقويمات الاحتياطات النفطية المثبتة قد لا تكون دقيقه، حينئذ سوف تكون بدائل الطاقة الأخرى متاحة وذات فعالية مع التقدم التكنولوجي، مما سيطول من عمر النفط، ولكن جدواه الاقتصادية سوف تكون اقل بكثير على انه سلعة ناضبة. أما فضل البوعينين الخبير الاقتصادي، يعتقد أن السبب الرئيس لارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة هو زيادة الطلب في الوقت الذي بقي فيه الإنتاج العالمي عند مستوياته الاعتيادية، مبيناً أن زيادة الطلب على النفط لم تقابله زيادة مماثلة للإنتاج العالمي ما أدى إلى استمرار ارتفاع الأسعار بوتيرة تصاعدية، إي أننا نتحدث عن تأثير قوى السوق في تحديد سعر برميل النفط المرتفع. وأضاف: "زيادة الطلب المتنامي قضى على الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تحتفظ بها دول أوبك وعلى رأسها السعودية، ما دفع السعودية إلى استثمار مليارات الدولارات في تطوير حقولها وزيادة حجم الإنتاج مع الاحتفاظ بطاقة فائضة لمواجهة المتغيرات المستقبلية. إلا أننا لا يمكن أن نعزو ارتفاع الأسعار في العام 2008 إلى قوى السوق من دون الحديث عن المؤثرات الأخرى التي يأتي في مقدمها المضاربة في أسواق النفط، والتي تنفيها الدول المستهلكة الرئيسة، وتؤكدها الدول المنتجة، وعلى رأسها السعودية التي أكدت على لسان وزيرها المهندس على النعيمي مسؤولية المضاربين في إيصال أسعار برميل النفط إلى ما يقرب من 143 دولارا، وهو ما اعتقده شخصيا، فقوى السوق لم تتغير كثيرا في المرحلة الواقعة بين ارتفاع أسعار النفط من مستوى 95، و143 وانهيارها إلى مستوى 50 دولار إبان الأزمة الاقتصادية العالمية؛ إذا نحن أمام متغيرات طارئة لا علاقة لها بقوى السوق بقدر علاقتها بالمضاربة، وتدخل المصارف والشركات الاستثمارية في أسواق النفط بصورة لافتة ومنظمة، حتى باتت تتحكم في الأسعار من دون أن تتمكن الدول المنتجة، ومن ضمنها دول أوبك من الحد من سيطرتها على الأسواق العالمية". ويعتقد البوعينين أن المضاربين وجدوا في أسواق النفط فرصة كبيرة لتحقيق الربح السريع، خاصة بعد تحولهم من الأسواق المالية الأخرى، مركزين على أسواق النفط. وأضاف: "لم يعمل المضاربون لوحدهم في دفع الأسعار إلى الأعلى بل كانت هناك تقارير وبيانات صادرة عن شركات استثمارية متخصصة تتوقع وصول أسعار النفط إلى مستويات 200 دولار، وبذلك ساعدت تلك التقارير على إشاعة جو من التفاؤل بين المضاربين، أو ربما أعطتهم الدعم الأمثل لصناعة أسعار النفط، وتحقيق مكاسب ضخمة تفوق مكاسب المنتجين أنفسهم. وخلص الخبير الاقتصادي إلى القول: "إن النفط مادة ناضبة لا اختلاف على ذلك، إلا أن إشراف النفط على النضوب في الوقت الحالي ربما كان سابقا لأوانه، خاصة أن هناك احتياطات نفطية غير مسجلة، أو غير مكتشفة، في الوقت الذي لا يمكن أن نأخذ الأرقام المعلنة عن الاحتياطات العالمية بوجه الدقة المتناهية، لذا من الصعوبة بمكان تحديد وقت نضوب النفط أو مرحلة النضوب. إلا أن ذلك يجب ألا يثني الدول المنتجة، وخاصة السعودية عن إيجاد مصادر أخرى للدخل غير الإيرادات النفطية، واستثمار الإيرادات الحالية لتشييد قطاعات إنتاجية عالمية، يمكن أن تساعد على تنويع مصادر الدخل في الوقت الحالي، والتفكير الجديد في الاعتماد على القطاعات الإنتاجية في تمويل ميزانية الدولة مستقبلا".