أصبح الإعلام بروافده المتعددة في وقتنا هذا مصدراً ليس لاستقاء الخبر فحسب، بل تطاول إلى أن أصبح أحد اللاعبين الأساسيين في التأثير على العلاقات والنظم الاجتماعية. وبالطبع هذا التأثير له الكثير من الجوانب الإيجابية والسلبية والتي تتفاوت على حسب طريقة الاستخدام ومستوى التلقي. تضخ الآلة الإعلامية المرئية على سبيل المثال الكثير من الأفلام والمسلسلات التي تعرض علينا ليل نهار وبغض النظر عن الأهداف المبتغاه سواء كانت فكرية أو اقتصادية أو غيرها، وبغض النظر أيضاً عن النظرة والنقد الفني فهذا متروك لأهله، إلا أننا نستقبل منها الكثير من المفاهيم والسلوكيات التي لا تتماشى قيمياً مع مجتمعاتنا. فباستثناء القليل من الأعمال، تقوم الدراما الخليجية بتصوير العائلة الخليجية وكأنها منظومة من التشتت والتباعد والتناحر وهذا فيه الكثير من المبالغة والتجنّي، ولا يعكس واقع الحال بشكل فعلي. فهي تسلط الضوء على قضايا جزئية ولم تتشكل كظواهر وتقوم بتضخيمها جلباً للانتباه والمشاهدة ولا تساهم في الحلول وتتناسى خصوصية المجتمع ومحافظته مما يساهم في تبلور وجهات نظر خاطئة تجاه المجتمع وبخاصة لدى المراهقين بجنسيهما. أمر آخر، وهو القالب الحزين والتشاؤمي الذي تصاغ به هذه القصص والسيناريوهات الدرامية، فقلماً تشاهد مشهداً من هذه المسلسلات يخلو من البكاء والعويل، وهذا باعث بلا شك لتكون وتراكم المشاعر السلبية لدى المشاهد. الدراما في مجتمعاتنا تحظى بمتابعة ونسبة مشاهدة عالية ومع ذلك تفتقد لأي إيحاء تربوي أو معالجة لأي مشكلٍ مجتمعي، هي غالباً ما تخاطب العواطف وتستدر الدموع وتتجاهل العقول والأفكار، لذلك نادراً ما نخرج منها بفائدة فكرية أو سلوك إيجابي. الحوارات الممتعة في هذه المسلسلات تكاد تنعدم والعبارات الثرية شحيحة ولا تتعدى حدود المشهد. وإذا انتقلنا من الأحزان والمآسي في الدراما الخليجية إلى الأجواء الفرائحية والرومنسية في الدراما التركية، فالخسائر تتضاعف وكأننا استجرنا من الرمضاء بالنار. فهي في نظري أكثر دكّاً وتخريباً لاحتوائها على مشاهد غير لائقة وطرق غير سويّة في تكوين وبناء العلاقات بين الجنسين وما يعتريها من الخيانات الزوجية والأفكار التي لا تتلاءم مع المنهجية الأسرية لدينا. بالإضافة إلى أنها تخلق نوعاً من الشعور في عدم الرضا في الواقع المعاش لمقارنته بشكل مستمر وخاطئ مع هذه الصور والرموز المثالية المنسّقةفي هذه المسلسلات. الدراما يجب أن تكون مرآة ولسان حال للمجتمع وإلا فقدت من متعتها الشيء الكثير. لا أدّعي أبداً بأن المنظومة الأخلاقية في مجتمعنا بهذه الهشاشة لكي تتأثر بكل شيء، هي قوية ومتينة، لكن في نفس الوقت ليست مثالية، ومع استمرارية عرض هذه المشاهد والمسلسلات الهزيلة فكرياً وأخلاقياً، قد تهتز وترتبك هذه المنظومة بشكل قوي وقد تكون النتائج حينئذٍ غير محبّبة بل ربما تكون مكلفة وبشكل كبير.