يؤلمني، ويؤلم غيري هذا السقوط المريع في مصداقية الإعلام الأمريكي، إذ إنّ هذا الإعلام يعتبر نبراساً يمثل زعيمة العالم الحر، وهو إعلام مهني، إلاّ عندما يتعلق الأمر بقضية تكون إسرائيل طرفاً فيها، فمن يتابع تغطيته لحرب غزة، يلاحظ الانحياز التام للجانب الإسرائيلي، فلا تلفت نظره صور الأطفال القتلى، ولا النساء الثكالى، بل هو يركز التغطية على ضحايا صواريخ غزة، وعلى المآتم التي يقيمها ذووهم، ولولا أنّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مؤثرة في تغطية الأحداث، لاستمر هذا الإعلام في تغطيته على ذات الوتيرة، ولكن يبدو أنّ سحب تويتر البساط من تحته، جعله يحاول التوازن مؤخراً، وإن كان توازناً منقوصاً، إذ لا زال التركيز منصباً على حكاية أنّ إسرائيل تتصدى للإرهاب، وأنّ لها الحق في ذلك، كما أكد ذلك الرئيس أوباما مراراً!. عندما تكون إسرائيل طرفاً في أي نزاع، يتساوى في ذلك الإعلامي المتطرف، كمذيعي قناة فوكس نيوز، مع كبار المذيعين المعتدلين، مثل اندرسون كوبر، وجون كنج، وبرايان ويليامز، فالجميع يتعاطف مع إسرائيل، والغريب أنه تزامن ضرب غزة مع إسقاط الطائرة الماليزية فضح الحكاية بشكل غير مسبوق، إذ لم تكتف وسائل الإعلام الأمريكية بالتركيز على تغطية حادث الطائرة، وتجاهل ما يجري في غزة، بل إنّ مذيعاً مرموقاً، مثل كوبر كان يتحدث بكل مشاعره عن ضحايا حادث الطائرة، ثم عندما ينتقل الحديث إلى ضحايا غزة، تختفي تلك المشاعر تلقائياً، وهو أمر غريب، ويخيل إلي أنّ البرمجة التي يخضع لها المواطن الغربي منذ طفولته على «أنّ إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنها محاطة بوحوش بشرية من العرب تريد أن تقضي عليها»، لا تزال تعمل بكفاءة، حتى أبرز الإعلاميين. الفنانة الأمريكية ريهانا تفطر قلبها، وهي تشاهد أطفال غزة، فكتبت في حسابها على تويتر : «الحرية لفلسطين»، ولم تكد تغريدتها تصل إلى متابعيها حتى قامت عليها الدنيا، ولم تقعد، فما كان منها إلاّ أن حذفت التغريدة، وكتبت : « أتمنى أن يكون هناك حل عادل وسلام، بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، ولم تكن ريهانا، أو ريحانة وحدها، فقد سبقها عدة مشاهير، أعلنوا تعاطفهم مع غزة، ثم اضطروا لحذف تغريداتهم، فايباك تمارس إرهابا، ويتساوى عندها اوباما، مع عضو الكونجرس، مع الإعلامي، مع الفنان، وحتى مع المواطن الأمريكي العادي، فالتعاطف مع فلسطين خط أحمر، ولعلنا نستحضر هنا المفكر، نعوم تشومسكي، وغيره من أعداء ايباك، ولكن كل هذا واجهته وسائل التواصل الاجتماعي بكفاءة عالية، فكيف ستواجه ايباك هذه المعضلة؟!. هذا ما سننتظره في المستقبل.