عملت جمعية الثقافة والفنون على مدار أكثر من أربعين عاماً على بناء شيء من ثقافة وفنون أبناء الوطن تراوحت أدوارها بين المد والجزر وبين العطاء والفقد فاهتمت بالشباب والنشء. وقدمت الدورات والورش والأنشطة لتفاعلية الجماهيرية والمنبرية في أجناس مختلفة من الثقافة والفنون.. فالمسرح أبو الفنون قدمت له شيئا من الرعاية وأصبحت مظلته الرسمية رغم ضعف الإمكانات وضيق الحال وعدم وجود البنية التحتية الأساسية من مسارح ومقرات؛ إلا أن المسرح السعودي من خلالها أو بجهود أبنائه ومحبيه حقق تواجدا محليا ودوليا، وإن لم يكن المأمول ولكنه حضر... ويقاس على ذلك الفنون التشكيلية بأنواعها والخط العربي والتصوير الضوئي والموسيقى والفنون الشعبية.. فقدمت للهواة شيئا من مبتغاهم، وكانت الجمعية بفروعها الستة عشر صانعة لفكر العديد من الشباب، وعملت على بناء ثقافتهم وفنهم بفكر ووعي مبتعدة بهم عن الانحرافات والتطرف والإرهاب، وكما قال أفلاطون (علموا أولادكم الفنون ثم أغلقوا السجون..). ومع الميزانيات العالية التي تصرف في شتى المجالات الحكومية والخاصة كان الأمل كبيراً بأن تتجاوز الجمعية بفروعها الأزمات السابقة، وأن تحقق ما لم يتحقق في الأربعين سنة الماضية من مباني مجهزة وبنية تحتية تليق باسم الوطن ومقدراته, وبأنشطة متجددة ومتنوعة وتواصل مع العالم والقيام بدورها الحقيقي الذي يمثل واجهة للثقافة السعودية المشرق.. وزاد الأمل مع زيارة معالي وزير الثقافة والإعلام قبل أسابيع للجمعية فكانت الآمال أكبر وأكبر لتنفيذ طموحات الشباب والمثقفين والفنانين والفروع وحتى مجلس الإدارة.. طموحات عريضة بحجم الوطن... كنا نأمل في كل شيء، ولكن للأسف ها نحن نفقد كل شيء، فلأول مرة في عمر الجمعية تعلن حالة التقشف وشد الحزام وإعداد خطة تقشفية بذلك, ولا أعلم أي تقشف سيحصل أكثر من الموجود, فلا عدد متعاونين بالفروع يفي بالحد الأدنى من احتياج العمل لخدمة مبدعي المنطقة والقيام بالمهام الإدارية والتقارير وإقامة الأنشطة وما يتبعها من توثيق وبمكافأة ألف ريال.. أم سيكون التقشف في عدد الأنشطة ويضيق الخناق الضيق بالأصل, أم سُتنحت مكتسبات الجمعية التي بنيت على مدار أربعين عاماً.. وهل ستطال الخطة التقشفية إغلاق فروع وحرمان أبناء الوطن من الاستفادة من خدمات فرع الجمعية في الوقت الذي تتزايد فيه طلبات الفنانين والمثقفين بفتح فروع جديدة.. أم ستكتب على بوابات الجمعية وفروعها ذات المباني المستأجرة، عذرا عزيزي الشاب والموهوب والفنان والمثقف (متقشف لا تكلمني)..كم من خيبات الأمل حظي بها المثقف والفنان أمام شح الميزانيات على مدار سنوات بمعونة مقطوعة وثابتة من سنوات وضاق الحال الآن مع الخطة التقشفية فلا خيارات أمامنا، فإما دعم حقيقي يكمل المسيرة ويبني الثقافة والفنون بما يليق أو التقشف والذبول والإغلاق وجعلنا أمة بلا ثقافة ولا فن.