الرياض – فيصل البيشي القرني: سوق الأدباء والثقافة يتعفف عن وجود بضاعة مسرحية مظفر: لا يمكن أن نقيم مسرحا وهناك من يحرمه في خطب المساجد العتيبي: ارتباط المسرح بالميزانية حوّلها إلى مسرحيات حولية أكد عدد من المسرحيين السعوديين أن المسرح السعودي يعد من أكثر الفنون التي تعاني قلة الدعم والاهتمام والاستهداف من “جهات”، وفندوا أسباب نظرة المجتمع تجاهه، متسائلين، لماذا يقل الاهتمام بالمسرح السعودي مقارنة بالفنون الأخرى؟ وهل نعاني قلة المسارح وغياب الدعم المالي من الدولة؟ وأين المسرح من نشاطات الأندية الأدبية، وجمعيات الثقافة والفنون؟ أم أن المشكلة تكمن في الوسط والثقافي والإعلامي الذي لا يعترف بالمسرح ولا يعطيه أي قيمة؟! أليس جل المثقفين لدينا لا يعترفون بوجود مسرح في المملكة في الوقت الذي تمتلئ مدرجات المسارح بالجمهور؟! ألا يعتبر الجمهور السعودي عاشقا للمسرح؟ ومسرحيات العيد والمسرحيات النسائية ومسرحيات الأطفال تدل على ذلك، وتطرقوا إلى العديد من قضايا وهموم المسرح في ثنايا الأسطر التالية.. دعم لوجستي عبدالهادي القرني ويرى المخرج المسرحي عبد الهادي القرني أن المسرح يفتقر للدعم اللوجستي الكافي من المسؤولين عن الثقافة والإعلام، وقال “هناك جهات تبنت المسرح ولكنها غير مدعومة إعلاميا، فالإعلام غائب تماما عن المسرح إلا في ما ندر، وقد تكون هناك أسباب وجيهة لا نعلمها ولكن الأكيد أنه يفتقر إلى الدعم المطلوب”، وأكد القرني وجود العديد من المسارح في المملكة مشيراً إلى أن المسرحيين يطمعون في الأكثر جودة، وأن عدم توفر هذه النوعية بكثرة لا يعنى أنها غير موجودة، موضحاً أن هناك دعما ماليا مقدما من الدولة ولكنهم يطمعون في المزيد. تآمر مقصود ويؤكد القرني وجود تآمر من الوسط الثقافي والإعلامي على المسرح؛ حيث قال “لا أخفي أن الشك يرتفع إلى قبل اليقين قليلا أن هناك تآمرا مقصودا فالنفس أمارة بالسوء، فسوق الأدباء والثقافة في الأندية الأدبية يتعفف من وجود بضاعة مسرحية مزجاة، وإعلامي يصرخ عندما يُعرض عليه خبر عرض مسرحي وترتفع عقيرته “وهل لدينا مسرح؟” ويُبعده ويُقرب إليه خبرا مكررا في كل صحف المعمورة، فالأديب والمثقف يُحب المسرح على استحياء والإعلامي يُبعده بطريقة أكثر حياء، وهذا عقوق لم يحدث من قبل ومن بعد، وأنا متيقن أن الأب ما دام بعيدا عن أبنائه فهم ضائعون تائهون، ومن غير الأب يُعيدهم إلى البيت الكبير؟!”. تفعيل المسرح وتساءل القرني عن سبب إحجام وتتردد الأندية الأدبية في تفعيل المسرح لديها على الرغم من أنها تمتلك مسرحا جيدا؟ وعن اعتراضها على تصنيف المسرح كنوع من الأدب؟ وقال “عندما يُنبذ أبو الفنون فمن يرعى الفنون، لذا أطالب وزارة الثقافة بتوجيه الأندية الأدبية باحتضان الأب حتى لا تُوصم بالعقوق”، وأكد أن جمعية المسرحيين السعوديين لم تقدم أي شيء للمسرح في الداخل، إلا أنها أكدت وجودها بشكل جيد فيما يتعلق بالمشاركات الخارجية. التشدد الديني حليمة مظفر وتؤكد الناقدة والكاتبة حليمة مظفر أن الاهتمام بالمسرح متواضع كبقية الفنون الأخرى، ويعتبر ما هو موجود مجرد بضع محاولات خجولة كالتي نراها في بعض المناسبات الثقافية والوطنية؛ وعزت ذلك إلى علاقة المجتمع “المتوترة” بالفنون ومن ضمنها المسرح نتيجة ممارسة التشدد الديني؛ وأضافت “لا يمكن أن نقيم مسرحا وهناك من يحرمه في خطب المساجد؛ ولهذا يجب أن يكون هناك تصالح مع هذا الفن دينيا؛ ومن جهة أخرى عدم ثقة بعض ضعيفي الوعي بالفنون على أنها وسيلة للارتقاء بالمجتمع وذائقته وفكره؛ بل هناك توجس من كونها قد تكون سببا للتدهور الأخلاقي؛ مع العلم أن المسرح وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي والارتقاء الأخلاقي؛ والمجتمع متعطش لهذا الفن؛ وهو مهتم به؛ والدليل أنه ما أن تقام مسرحية من المسرحيات التي تقيمها أمانة الرياض في مناسبات العيد فإن المسرح يمتلئ بالجمهور”، وعن المسرح النسائي تؤكد أنه ليس موجودا، وما يقدمه بعضهن من مسرح في بعض المناسبات الموسمية كالأعياد فهو مسرح متواضع جدا وسطحي للغاية ومجرد تهريج. دعم رسمي وأشارت مظفر إلى أن المسرح يحتاج إلى دعم رسمي بشكل كبير؛ مبينة أن أهم هذا الدعم أن تتاح الفرصة لإنشاء أكاديمية للفنون أو فتح أقسام بالجامعات السعودية لتدريس المسرح فنا وعرضا ونصا ونقدا؛ بالإضافة إلى محترفين أكاديميين في المسرح بمختلف تخصصاته، ودور مسرحية مجهزة للعروض؛ مؤكدة أن المسرح ليس مجرد تمثيل بل يحتاج إلى تقنيات عالية الجودة وتكنولوجيا متقدمة؛ وتضيف” لو شاهدنا المسرح في أمريكا لعرفنا كم نحتاج لهذا التطور التقني من أجل تقديم مسرح متطور ومشوق يقدم للجمهور متعة ورسالة؛ ولكي ينهض من هذه الغفوة يحتاج أيضا إلى أن يكون ثقافة شارع؛ أي أن يكون فعلا مسرحيا منتظما؛ ولا يقتصر فقط على المهرجانات والمناسبات فيما بقية العام يغيب؛ ولهذا نحتاج إلى صحافة متخصصة يعمل فيها صحافيون لديهم على الأقل الحد الأدنى من الثقافة المسرحية ولديهم الهم المسرحي كي يساهموا في توعية الشارع بأهمية المسرح وجذبهم له ورفع مستوى ذائقته برسالته الفنية”. ثلاثة أسباب وأوضح مدير جمعية الثقافة والفنون بالرياض رجاء العتيبي أن هناك ثلاث أسباب جوهرية لا تعطي الفنون تلك الأهمية ولا تحظى بالاهتمام الكافي، وهي: “عدم وجود تراكم فني على مر السنوات الماضية، وأن الفنون ليست ضمن مقررات التعليم العام، وأن الثقافة المحلية لا تعترف بالفنون”، ويؤكد العتيبي وجود جهود تبذل على شكل جهود شخصية، أنتجت شيئا يمكن أن يدخل في دائرة الفن، وهي جهود تحترم وتقدر وقال “أمر آخر يؤثر على ضعف الاهتمام بالمسرح يتعلق بالعائد المادي، ليس للمسرح ذلك الدخل المغري، ولا يعطي أصحابه تلك الشهرة، لا مال ولا شهرة، لهذا لا يدخل عالمه إلا من يحبه حبا صادقا، وهم الذين يسجلون صفحات ناصعة للمسرح السعودي”. فرق أهلية رجاء العتيبي ويشير المخرج المسرحي العتيبي إلى أن العزف على وتر الدعم المادي والبنية التحتية للمسرح الذي يتحدث عنه المسرحيين لم يعد مجدٍ، وقال “لا يوجد هناك حل في الأفق يبعث على التفاؤل، وهذا يؤكد فكرة إيجاد نظام رسمي يعطي للفرق الأهلية فرصة العمل والإنتاج، فهي ( كما يقول) الأقدر على تحريك رأس مال يشكل لها دعما مستمرا، بدلا من الدعم الحكومي الذي يرتبط بالميزانية، ما جعل المسرحيات تصبح (مسرحيات حولية) ترتبط بالميزانية، وفي حال قلتها أو نفادها لا يكون هناك مسرح، كما يؤكد أن الأندية الأدبية ليست معنية بإنتاج مسرحيات، أما جمعيات الثقافة والفنون فهي تعمل على هذا الجانب بشكل مشجع، وكذلك وكالة الوزارة للشؤون الثقافية تدعم المسرح عبر برامج سنوية خدمت كثيرا، وأن هناك مسرحيين صادقين ونشطين يعملون في تلك القطاعات قدموا أجمل المسرحيات التي يمكن أن يراها المتابع في السعودية، وما زلوا يعملون، والجامعات وأمانة منطقة الرياض ووزارة التربية والتعليم، وأن عجلة الإنتاج ما زالت مستمرة، ويؤثر على ذلك الدعم الإعلاني لها، مما جعلها تعرض على نطاق ضيق، ويشاهدها شريحة قليلة، فأي عمل فني أو حتى تجاري يحتاج إلى إعلان ضخم حتى يعرف به الناس. مسرح نخبوي وعن نظرة المثقفين للمسرح يقول العتيبي “المثقفون يريدون ما يسمى بالمسرح النخبوي الذي يعتمد على العلامات والفكر والفلسفة ولغة الجسد، أما الجماهير فتريد المسرح الترفيهي، لهذا ليس ثمة ما يمنع من وجود المسرح بجميع أذواقه، وليس من حق أحد التثريب على الآخر، من حق كل الثقافات الاجتماعية أن تعبر عن مسرحها بالطريقة التي تريد، ولأن الجماهير أكثر، ولأن العاملين بالمسرح ممن ينتمون للجماهير، رأينا المسرح الجماهيري أكثر عددا وشهرة ومكانة، أما المسرح النخبوي فظل يعمل في نطاق ضيق عند فئة صغيرة”. كيان مستقل وطالب المسرحي ياسر مدخلي بتأسيس كيان مستقل للمسرح وقال “فكرة جمعيات الثقافة والفنون التي تحمل أكثر من أربع أو خمس لجان تتقاسم شظف الإعانة السنوية لم تعد مجدية، بالإضافة إلى تكوين مجلس استشاري للجمعية مكون من المثقفين ورجال الأعمال لدعم هذه الفروع بالمال والمشروعات التي تحقق تكافؤ الفرص، أو إلغاء فروع الجمعية وتعزيز دور الجمعيات المتخصصة، ويشير مدخلي إلى أن فكرة المراكز الثقافية المزمع تنفيذها ستكون شبيهة بالثقافة والفنون، كما يعتبر مقولة أن المسرح مستهدف تعتبر هذه المقولة اليوم حجة واهية وتعليق التأخر على شماعة الصراعات الفكرية والعقدية وربما السياسية، لأن المسرح لا يوقفه إلا المسرحيون ولا يفعِّله أحد غيرهم، ويضيف “المسرحي القوي خير من المسرحي الضعيف، فمعظم المسرحيين لا يحملون رؤية ولا فكرا، وليس لهم أهداف ذات نفع عام بل إن البعض ممن يملؤون الكراسي ويشاركون في صناعة القرار المسرحي متفرغون للشكوى من قلة الدعم وعدم تجاوب الفنانين والجهات الحكومية والقطاع الخاص، أسطوانة مكررة فنحن بحاجة لمشروع مسرحي ولفعاليات مسرحية لملء التقارير السنوية واستهلاك الميزانية “. الفعاليات الجامدة ويؤكد مدخلي أن الأندية الأدبية لم تعنى بالفنون البصرية بشكل يعزز مكانها ودورها الثقافي، واقتصرت على السرد والفعاليات الجامدة والأقرب إلى الأكاديمية، وأن جمعيات الثقافة والفنون تقدِّم المسرح منذ تأسيسها للمشاركات وليس للجمهور المحلي، كما أن الجمعية بفروعها تسهم بشكل يؤكد على أنها أدت دورها في تشكيل جمهور مسرحي لها على الأقل، وهذا يعود لكون هذه الفروع تعانى الشللية التي تتوارثها وكل شلة تأتي تلعن أختها، و يشير إلى أن المسرح لن يتقدَّم بهذه الكيانات؛ لأنها لا تمتلك نظاما إجرائيا واضحا ولا تزال مشغولة في صراعات ومشكلات الفنانين والمثقفين الشخصية والفكرية.. جمعية المسرحيين ويشير رئيس جمعية المسرحيين السعوديين أحمد الهذيل إلى أن الجمعية تعتبر جهة إشرافية وليست إنتاجية، وتنحصر مهمتها في تنظيم الحراك المسرحي والمشتغلين بالمسرح وتنظيم دورات تدريبية وورش عمل لأعضائها ودعم الفرق المسرحية المسجلة تحت مظلتها، وكل ما يمكن أن يساهم بالارتقاء في ثقافة المسرح والمسرحيين. ويضيف “هذا كله يتوقف على ما يتوفر لها من دعم مالي يحقق لها ولأعضائها ما يتطلعون إليه، وقد قدمت جمعية المسرحيين السعوديين عددا من النشاطات التي مكنتها أوضاعها المالية سابقا من تنفيذها، ولكنها أخيرا أصبحت عاجزة في ظل غياب دعم وزارة الثقافة والإعلام المنشئة لهذه الجمعية ماليا، من التعثر والإحباط الذي انعكس على جميع أعضائها وقتل آمالهم وتطلعاتهم وأحلامهم”. بنية تحتية ويؤكد الهذيل أن المسرح قطاع استهلاكي مقارنة ببقية الفنون الأخرى، مبيناً أنه يتطلب دور عرض مسرحي بمواصفات وتقنيات خاصة، ويحتاج إلى دعم مالي يعين المشتغلين به من تحقيق العروض المسرحية الناجحة، وقال “الجهة المعنية بالثقافة في الدولة لم تعر المسرح حتى هذه اللحظة الاهتمام والعناية اللازمة، وعلى مدار الأربعة عقود الماضية وحتى الآن لم يحظَ المسرح بالبنية التحتية التي تقوّم صلبه وتوقفه على قدميه كما يتمناه الجميع، ويضيف “لا يوجد مسارح بالأصل تحت مظلة الجهة المسؤولة عن الثقافة، إلا من خلال مركزين ثقافيين في كل من الرياضوجدة يوجد بهما دور عرض مسرحي تستخدم لأغراض مختلفة ومن قبل قطاعات ومؤسسات متعددة، وأما البقية فهي تابعة للجامعات أو للمؤسسات التعليمية الأهلية أو بعض القطاعات الحكومية صممت أساسا كقاعات محاضرات، وفي حالة استعارتها من تلك القطاعات يتم تأهيلها تقنيا للعروض المسرحية من قبل الجهات المنتجة للأعمال المسرحية، ومن المفترض أن تقوم وزارة الثقافة والإعلام ببناء دور عرض مسرحي في كل منطقة ومحافظة ينشط بها المسرح”. «أبو الفنون».. ثمانون عاماً في المملكة *  أول نص مسرحي سعودي مكتوب ظهر عام 1932م، وقام بتأليفه حسين عبد الله سراج *  كما كتب سراج عام 1943م نصا مسرحيا حمل عنوان (جميل بثينة) ثم عام 1952م (غرام ولادة). *  أول نص مسرحي نثري تمت كتابته على يد الدكتور عصام خوفير حاملا عنوان (الدوامة) ثم كتب محاولة أخرى بعنوان (السعد وعد) ولم يتم تنفيذها بسبب عدم توفر العنصر النسائي آنذاك. *  في عام 1960م بدأت المحاولات المسرحية الجادة على يد أحمد السباعي حيث قام بتأسيس فرقة مسرحية في مكةالمكرمة ومدرسة للتمثيل أسماها (دار قريش للتمثيل الإسلامي) وبدأت الاستعدادات للقيام بأول عرض مسرحي. *  ظل المسرح السعودي يقدم الكثير من العروض المسرحية على مسارح المدارس.