بكل ما أوتيت من «ضعف»، تواصل الجمعية السعودية للثقافة والفنون استعداداتها للاحتفال بمرور 40 عاما على تأسيسها، وسط تجدد الدعوات بدمجها مع الأندية الأدبية، وهي مناسبة تعيد طرح التساؤلات العتيدة، عما قدمته الجمعية بفروعها الستة عشر المنتشرة في عدد من مدن المملكة للثقافة والفن طيلة عمرها المديد؟ ومدى نجاح هذه المؤسسة في أداء رسالتها في خدمة الثقافة والفن في بلادنا؟ وبصيغة أخرى بأي انجازات ستحتفل الجمعية؟ أم أن بقاءها كل هذه السنين على قيد الحياة وهي شبه «ميتة» هو بحد ذاته إنجاز؟ في يوم 19/11/1393ه الموافق 13/12/1973م. صدر القرار رقم 43 من الإدارة العامة لرعاية الشباب بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بمنح الترخيص المبدئي للجمعية باسم (الجمعية العربية السعودية للفنون) ولمدة عام من تاريخه. وفي يوم 12/4/1395ه/ 23/4/1975م، صدر قرار الأمير فيصل بن فهد رقم 33 بمنح الترخيص النهائي للجمعية العربية السعودية للفنون. وقد رأس الأمير بدر بن عبدالمحسن أول مجلس إدارة للجمعية. وكما يتضح من مسماها الأول فقد كانت الجمعية مختصة بالفنون فقط، ثم ألحقت بها (الثقافة)، بعد خمس سنوات من التأسيس، لتصبح (الجمعية السعودية للفنون والثقافة) وتبع ذلك وخلال أقل من عام، قرار بتقديم الثقافة على الفنون في المسمى، وذلك لشمولية الثقافة في المعنى والمدلول معا، وليصبح الاسم كما هو الآن (الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون)، وفي سنوات لاحقة كادت (الفنون) تسقط من المسمى، ومن الاهتمام! فالتباس المسمى تبعه التباس في الهوية. وهذا التبديل والتغيير في المسمى ليس شكليا كما يبدو للوهلة الأولى، فهو فتح المجال للجمعية للانخراط في النشاط الثقافي خارج دائرة الفنون، وبسبب الخلفية الثقافية لمعظم قيادات الجمعية فقد نشطت الجمعية في الحقل الثقافي خصوصا في سنواتها الأولى، وكادت ان تتحول إلى نسخة كربونية من الأندية الأدبية، فدأبت على تنظيم الندوات والمحاضرات والأمسيات الثقافية والأدبية الخالصة، وأصدرت الكتب الأدبية، بل انها توغلت كثيرا في هذا الحقل وكان ذلك في معظم سنواتها على حساب الفنون، ومرت الجمعية بحقبة كادت الفنون تتلاشى من أجندتها وبرامجها، فخلال سنواتها «الثقافية» ولأسباب متعددة أسقطت بعض الفنون من دائرة اهتمامها، فألغت أقسام الموسيقى، وقلصت كثيرا من برامجها الفنية، حتى صارت نصف «جمعية» ونصف «نادي»، وبالنتيجة لم تحصد حتى نصف نجاح !! وجنوحها المبالغ فيه للنشاط الثقافي الأدبي، وان كان من بين أهدافه التغطية على تعثر نشاطها الفني، ادخلها في دائرة الازدواجية مع الأندية الأدبية، خصوصا مع انتشار الأندية الأدبية في نفس المدن التي كانت الجمعية تنشط فيها لوحدها، حتى جاز القول: إننا بتنا نمتلك مؤسستين ثقافيتين الأولى اسمها «النادي» والثانية اسمها «الجمعية»، وهو ما استدعى طرح فكرة دمج الثانية بالأولى، للقضاء على هذه الازدواجية. دمج الجمعية بالأندية الأدبية منذ سنوات نادى بعض المثقفين وأصحاب الرأي بفكرة دمج جمعية الثقافة والفنون والأندية الأدبية في مؤسسة ثقافية واحدة، ورغم أن هذه الفكرة كانت ولا تزال تجد قبولا وتأييدا واسعا في الأوساط الثقافية بالمملكة، إلا أنها لم تكن تحظى بالقبول من قبل غالبية رؤساء الأندية الأدبية (المحافظون) في سنوات ماضية، فوقفوا بصلابة ضد هذه الفكرة، بسبب موقفهم من الفنون، وعلى وجه التحديد موقفهم من الموسيقى والمسرح، وعدم استعداد بعضهم لقيادة مؤسسات تعنى بهذا النشاط، فلم يكن بعضهم يراها إلا (جمعية للطبول) وهكذا أدخلت الفكرة إلى الثلاجة. وهذه الأيام صار يمكن القول إنه بدأ النظر بجدية في فكرة الدمج، بعد التغييرات التي طالت قيادات الأندية الأدبية، وزوال الظروف الأخرى التي كانت سببا في رفض الفكرة. وأعيد طرح الفكرة مجددا، لتجد زخما قويا بعد تصريح صحفي لوزير الثقافة والفنون الدكتور عبدالعزيز خوجه كشف فيه عن وجود خطة لدى الوزارة لدعم الأندية الأدبية بعد دمجها بجمعية الثقافة والفنون. وتحدثت وزارة الثقافة والإعلام عن خطتها لتنفيذ فكرة دمج نشاطات جمعية الثقافة والفنون والأندية الأدبية وجمعيات تخصصية والمكتبات تحت مظلة مسمى جديد هو (المراكز الثقافية)، وذلك عبر ثلاث مراحل. لكن وكيل وزارة الثقافة والإعلام ناصر الحجيلان تحدث عن بعض ملامح الخطة وقال: «إن المركز الثقافي الذي يجري الحديث عنه سيكون بمثابة مكان يجمع مختلف الأنشطة، وليس كيانا مستقلا بذاته، النادي سيكون بطاقمه وجمعية الثقافة بطاقمها. وهذا ما دفع بعض المهتمين للتساؤل حول خطة الوزارة واعتبارها «غير واضحة المعالم». وإذا ما مضت الوزارة بجدية في تطبيق خطتها، وتجاوزت الخلافات القائمة حتى الآن حول جدواها، فربما يكون الاحتفال بمرور أربعين عاما على جمعية الثقافة والفنون هو بمثابة تشييع هذه المؤسسة إلى مثواها الأخير. الجمعية بين النجاح والفشل ومثلما يختلف الأدباء والمثقفون والفنانون حول جدوى فكرة دمج جمعية الثقافة والفنون بالأندية الأدبية، فإنهم يختلفون حول نجاح أو فشل جمعية الثقافة والفنون في تحقيق الأهداف المرسومة لها وهي: 1. الارتقاء بمستوى الثقافة والفنون بالمملكة. 2. رعاية الأدباء والفنانين السعوديين والعمل على رفع مستواهم الثقافي، والفني، والاجتماعي، وتأمين مستقبلهم، وتوجيههم لما يخدم مجتمعهم. 3. تبني المواهب الشابة وإتاحة الفرص أمامها لإبراز تفوقها ونبوغها في ظل الإشراف والتوجيه لتصبح حصيلتها داخل إطار ملتزم بالقيم والأصالة. 4. تمثيل المملكة في كل ما من شأنه الارتقاء بالثقافة والفنون على المستويين العربي والعالمي، لمتابعة حركتيهما والتنسيق معهما. ففريق يرى أنها فشلت فشلا ذريعا في خدمة الفنون في المملكة وكان أداؤها ضعيفا للغاية، خصوصا في مجال اكتشاف المواهب الفنية وصقلها وتقديم الدعم الحقيقي لها لتطوير مستواها، سواء كان ذلك في المسرح أو الموسيقى أو الفن التشكيلي، وان تحسن أداؤها قليلا في السنوات الأخيرة، ويكفي هنا أن نشير بأننا قد لا نجد فنانا موسيقيا أو مسرحيا أو تشكيليا يدين للجمعية بالفضل في اكتشافه أو تقديمه للساحة، وهذا وحده يكفي للحكم على الجمعية بالفشل في لعب الدور الذي أسست من اجله. وبالنظر لمعظم برامجها نجد أنها تنفذها على طريقة أداء الواجب ورفع العتب. بل ونجد أن جهات حكومية ومؤسسات اجتماعية غير مختصة، كانت تتفوق على الجمعية في تنظيم الفعاليات والبرامج الثقافية والفنية. فيما يرى فريق آخر أن أداء الجمعية كان مرضيا بالنظر إلى تواضع إمكاناتها المالية، والظروف الاجتماعية التي تحيط بها، فالجمعية عانت طويلا من شح مواردها الفنية، ولطالما اشتكى مديرو فروع الجمعية من عدم وجود ميزانيات تكفي لتنفيذ برامج حقيقية، وما يخصص لها بالكاد يكفي لتنفيذ بعض البرامج بمستوى الأنشطة المدرسية. كما أن موقف المجتمع من بعض الفنون خصوصا في مرحلة ما سمي ب«الصحوة» قيد تحركها لدعم هذه الفنون، بل إنه اضطرها إلى إلغاء أقسام الموسيقى من فروعها، قبل أن تعيد افتتاحها في السنوات الأخيرة، كما أن هذا الموقف الاجتماعي حد كثيرا من نشاطها المسرحي، فضلا عن إعاقتها تماما عن أي نشاط لدعم السينما. وهذا ما يجعل كثيرون يلتمسون العذر للجمعية. والانقسام حول فشل أو نجاح جمعية الثقافة والفنون سيبقى قائما، لكن الأوساط الثقافية تتساءل الآن: هل سيكون احتفال الجمعية بمرور أربعين «ربيعا أو خريفا» على تأسيسها سيكون في الواقع مأتما لتشييعها لمثواها الأخير؟ العارفون ببواطن الأمور يقولون: أجل .. الطريق بين الجمعية والأندية الأدبية أصبح قصيرا جدا .. ودمج الأولى بالثانية مسألة وقت ليس إلا !! فماذا يا ترى سيحدث عندما تختفي الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون؟ لا شيء .. أجل لا شيء!! كل ما هنالك هو أنها ستنتقل إلى الضفة الأخرى التي لم تسلم هي ايضا من الانتقاد. الضفة التي تدعى «الأندية الأدبية»!!