على طاولتي بمجلس الشورى وصلني مؤخرا كتاب بعنوان «إدارة التوحش»، واستغربت أن يرسله لي أحد ولست معنية بالتوحش بل بالتحضر والتطور والارتقاء، ثم وجدت أنه يحمل لي توضيح خفايا ممارسات التطرف ضمن ما تحمله محتويات الكتاب المذكور من التعليمات المحرضة للمتابعين، ومن المعلومات لمن يحاول فهم وتوضيح الطريق الصحيح لبناء الوطن المستقر الأمن والمواطن المستقر المشاعر. العلم بالخفايا والمستجدات أهم ما نحتاج إليه لتصحيح مسار التعليم. ومناهج التعليم المعلنة والخفية هي ما يحدد مستقبل النشء،كما تحدد أمن واستقرار الوطن مستقبلا.. أو عدمه، لا سمح الله. في الجدل المتواصل حول ما يحتاج إليه أفراد المجتمع من التعليم عموما تختلف الآراء: هل الأفضل أن نركز فقط على احتياجات الفرد للفعالية المادية؟ أم للتميز؟ أم على احتياجات المخلوق لضمان رضى الله عنه في الآخرة؟ أم نركز على ما ينفعهم في توفير احتياجاتهم واحتياجاتنا كمجتمع يعيش في الدنيا في زمن بمواصفات معينة؟ وفي كل الحالات لا نختلف على أهمية التعليم وضرورة التعلم. وفي كل حال يتخير المنافحون منهجا ومحتوى يخدم منطلقهم في ماهية التعليم وأهدافه. حتى الحيوان يعلم صغاره المهارات المطلوبة للبقاء في الغابات والبراري ضمن مجموعات بني فصيلته وغيرها من فصائل المخلوقات. العالم الكبير مأهول بكل الفصائل التي خلقها الله.. ومليء بأنواع الحيوان والبشر والنبات. الحيوانات تعايشت على الفطرة بين آكل ومأكول على مدى عصور طويلة .. وانقرضت أنواع منها حين اختل ميزان التوازن الطبيعي ولم تستطع التأقلم مع المتغيرات. بمعنى أن الحيوانات التي لم تنقرض هي التي امتلكت قدرة التعلم من التجربة ووجدت حلولا للتعايش مع التغيرات التي استجدت وفرض عليها متطلبات التفاعل معها. والبشر ضعاف أمام القوى الطبيعية ومخالب الحيوانات.. ولكن البشر امتلكوا أقوى وسائل مواجهة التحديات: العقل المتطور القابل لاختراع الحلول وابتكار الأدوات؛ اخترعوا الأسلحة، ودجنوا الحيوانات، وتعلموا الزراعة، ومفهوم المواسم, والتخطيط للعمل فرديا وجماعيا، وفضيلة الصبر والتعاون والاستقرار. ما لم يستطع الإنسان تدجينه هي غرائزه الحيوانية رغم ارتقاء قدراته العقلية وتطلعاته الروحية. الحيوان لا يأكل أبناء فصيلته ولا يشك فيهم، ولا يتقاتل معهم -إلا لغرضين التكاثر، والقيادة-، ولا يترأسهم بغير رضاهم، بل عبر تطبيق النخبوية الطبيعية التي تؤهله للوصول إلى موقع قيادة الفرد للمجموع برضا الأخير. والبشر اخترعوا فكرة القيادة الفئوية لحماية مصلحة فئة مختارة وتغطية ضعف أفرادها. والبشر لهم عقول تفكر بما تراه أعينهم خارج نطاق الحصول على وجبة سريعة راهنة تسكن الجوع والغريزة. عقول البشر قادرة على إمعان التفكير والاستنتاج المنطقي، والشك والتوجس بدون وجود مؤثر مادي مباشر؛ وتحاول التوصل إلى توضيح الأمور خاصة تلك التي تستجد خارج التجربة المعتادة. في غياب العلم والإيمان يلجأ البشر للغيبيات والخرافات والتهويل والإرهاب. وفي التاريخ البشري انقرضت كل فئة لم تعلم أفرادها التعايش مع المتغيرات عبر تطوير ممارساتهم المتوارثة، واختراع طرق جديدة ناجعة لمواجهة التحديات. وفي علم الجريمة، يقول المختصون: فتش عن المستفيد والمنحرف! وأقول في تاريخ تهديم الأوطان دقق في مكونات التعليم! عند تأمل ما جاءت به تعليمات «إدارة التوحش»، ورياح «الربيع العربي» أينما ثارت في المنطقة حاملة معها الفوضى والصراعات الطائفية والعقدية والإرهاب، يتذكر عقلاؤنا أنها نتائج لا يتمناها المواطن الطبيعي الذى يرغب في فرص تحسين الحال وأمان الاستقرار وبناء أسرة والعيش في سعادة. المواطن الطبيعي السوي المشاعر والتفكير لا يحلم بإحراق نفسه أو بتفجيرها لاغتيال الغير. وبلا شك توازن المنهج التعليمي يثبّت قدرة التصرف بانفعال عقلاني.