قال الله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (58) سورة النساء. من منطلق هذا التوجيه الكريم من رب العالمين ندرك أهمية الأمانة كبشر قبلناها وتحملنا ثقلها في الوقت الذي نأت بحملها السماوات والأرض والجبال. قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) سورة الأحزاب. من هنا ندرك عظم الأمانة وثقلها ولكنها ليست مستحيلة، بل تتوج بها عباد الله الصالحين حتى وصفهم الله فقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) سورة المعارج، ولنستشعر هذا التناغم اللفظي والمعنوي بين الإيمان والأمانة، ففي الحديث: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) رواه أحمد بإسناد حسن. والأمانة في تعريفها العام؛ أداء الحقوق والمحافظة عليها وهي خلق جليل من أخلاق الإسلام. فيجب علينا أن نؤديها كما أمر في نص القرآن والسنَّة. والأمانة ليس لها حدود ولا ترتبط بعمل دون عمل أو مهنة دون أخرى ولا بوقت دون وقت، وليس بشخص دون آخر. ولا استثني منها غني أو فقير. ومن شواهدها أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قبل بعثته وُصفَ بالصادق الأمين. وجعل الرسول الأمين الأمانة دليلاً على إيمان المرء وحُسن خُلقه، فقال - عليه الصلاة والسلام -: (لا إيمان لمن لا أمانة له). أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والأمانة ليست أمراً مستغرباً على النفوس، فهي تعرفها من دينها، بل هي فطرة فُطر الإنسان على معرفتها، فقد يوافقه مرة وأخرى يخالفه.. فعن حذيفة قال: حدّثنا رسول الله حديثين رأيت أحدهما أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال (أي أصلها) والله سبحانه وتعالى يحب المؤدي لأمانته التي أوكل بها في نفسه وأهله وعمله ووقته. إنها محبة الله لا شيء أغلى منها.. لا يستحقها إلا الأمين. قال عليه الصلاة والسلام: (من سره أن يحبه الله ورسوله فليصدق في حديثه إذا حدّث، وليؤد أمانته إذا أُتمن). رواه البيهقي وحسّنه الألباني. والأمانة ليست أمراً نفلاً أو مستحبا فقط، بل إن أداءها على وجهها أمر واجب. قال الله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (58) سورة النساء. من هنا نرى الوجوب والأمر في أدائها.. ولندرك أن الأمانة مقياس للعمل الجاد. قال تعالى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) سورة القصص، وللأمانة أنواع كثيرة، منها على سبيل المثل وليس الحصر.. الأمانة في العبادة من أداء الفروض التي وكلت إليه والمحافظة عليها وكذلك الكلام.. من حفظ السر وخلافه.. الأمانة في العمل في العمل بكل جوانبه وهو محور حديثنا هذا. فكل من كان موظفاً في وظيفة حكومية أو مؤسسة أو شركة أو أي قطاع يكسب من خلالها أجرا (راتباً) مقابل جزء من وقته يقضيه في هذه الجهة.. يجب أن يجعل الأمانة نصب عينيه ويكون أميناً على ما أوكل به من عمل وأن يراعي الله في أدائه ولا يجعل للشيطان طريقاً إلى جوارحه فيمد يده في اختلاس أو رشوة أو بيع ذمته أو إهدار أموال الدولة والقطاع الذي يعمل فيه.. والتلاعب في المناقصات وبيع المهام من الباطن إلى من يراعي الذمة والإتقان في العمل، فكل منا مسؤول عن إدارته وورشته ومكان عمله ومكتبه، فلا يدع للشيطان مداخل تجعله ينتقص من ساعات عمله ليقضي فيها مصالحه الخاصة ويترك حقوق الناس وتأخيرها عن وقتها ولا يجعل غداً أو بعد غد لمن هو في حاجة لإنجاز عمله ديدنا في أقواله وأفعاله. كما لا يجعل نفسه في مصاف الخائنين للأمانة. قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) سورة النساء، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) سورة الأنفال. عسى الله أن يجعلنا ممن يؤدي الأمانة ونبتعد عن الخيانة لكي نبني صراحاً نظيفاً ونؤدي ما أوكل إلينا بكل إخلاص وتعفف وقناعة ونجعل نصب أعيننا الخوف من الله. أبها