بلا أية مقدمات، واجه صالح الناشري، وهو رب أسرة يقطن مدينة جدة، خيار «الخروج المر» من شقته التي أمضى فيها 10 سنوات وشهدت مولد جميع أبنائه.. فجأة، طرق مالك المبنى بابه طالباً إخلاء شقته في أسرع وقت ممكن، رغم التزامه طوال الفترة الماضية باستحقاقات الإيجار «مهما كانت الظروف»، على حد تعبيره. الناشري، ليس إلا مثالاً واحداً عن آلاف الحالات المشابهة، إذ تنظر المحاكم ما يتجاوز، بحسب الدكتور نايف الشريف، أستاذ القانون بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ال60 ألف قضية بين الملاك والمستأجرين: «تستأثر مدينة جدة وحدها بأكثر من 20 ألف قضية منها». ولا تنتهي مشكلة الناشري وأمثاله عند حدود الإخلاء، إذ يلمح إلى قضية أكثر تعقيداً، تتمثل فيما يصفه ب «شبه الاتفاق بين ملاك العقارات على عدم التأجير للسعوديين»، معتبراً أن الأمر يشكل: «ظاهرة غريبة»، على حد وصفه. الضحية.. من؟ ويبدو أن مازن البدران عانى من المشكلة ذاتها، إذ يقول إنه اضطر إلى البحث عن واسطة للحصول على شقة في موقع حيوي: «ثمة عمائر يملكها مقيمون بأسماء سعوديين. وهؤلاء يرفضون إسكان السعوديين بحجة أننا مماطلون وأصحاب سوابق في عدم الالتزام بالدفع وقت الموعد». غير أن محمد الحربي، وهو سعودي يمثل الطرف الآخر من النزاع (مالك عمارة)، لا يخفي استغرابه من تقمص المستأجرين لدور الضحية، لافتاً إلى أن على الجهات المعنية: «الإسراع في تطبيق قوانين صارمة تحمي الملاك من المستأجرين، وتضمن وصول الإيجار في موعده». ويلفت الحربي إلى أن من شأن تطبيق نظام كهذا المساهمة في خفض قيمة الإيجارات: «كثير ممن أحجموا عن الاستثمار في هذه التجارة بسبب عدم وجود أنظمة واضحة تضمن حقوقهم، سيقبلون عليها مرة أخرى. وإذا ما حدث ذلك فستكون هناك وفرة في المعروض». في جعبة الحربي الكثير من الاقتراحات المثيرة للاهتمام، إذ يطالب وزارة التجارة باستصدار تصاريح لتأجير الشقق: «ليس معقولاً أن يظل الحال على ما هو عليه. كل من يرغب الآن يؤجر كيفما اتفق. ولا شيء يمنعه من إخراج المستأجر في أي وقت تحت أية ذريعة، بينما من المفترض أن تصبح العين المهيأة للإيجار منشأة تجارية بعقود محترمة تضمن حق الطرفين وتحدد نسب الزيادة من عدمها، كما وتحسم مسألة الظلم التي تقع أحياناً على المستأجر جراء إرغامه على الإخلاء المفاجئ». المالك أولاً مسألة العقود، تقود إلى رأي مزهر الغامدي (مسؤول مكتب عقاري)، الذي يرى أن 90% من بنود عقد الإيجار هي: «في صالح المالك»، غير أنه يستدرك بأن أغلب ما يعانيه هؤلاء الملاك، والمحصلون أيضاً، عدم إيفاء المستأجرين بالمستحقات في وقتها: «الأمر الذي يحدو بالملاك إلى العزوف عن تأجير السعوديين، والبحث عن مقيمين يعملون في شركات تدفع بدل السكن». ويعزو الغامدي كثرة القضايا المرفوعة بين الملاك والمستأجرين إلى ثقة المستأجر السعودي، وعدم خشيته، في الغالب، من العقوبة: «لا سيما وأنه لا تتوفر عقوبات صارمة على المماطلين، الأمر الذي يلجئ بعض الملاك إلى التنازل عن حقوقهم في مقابل الإخلاء». حلول معلقة ويشاطره الرأي الدكتور نايف الشريف، الذي يذهب حد وصف المعاناة التي يواجهها مالكو العقارات بأنها: «لا مثيل لها في العالم سوى لدينا». ويرى الشريف أن الإشكالية ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى عدم وجود نظام يحفظ حقوق الطرفين: «لم تصدر وزارتا العدل والتجارة نظامًا يحفظ للجميع حقوقهم كاملة، رغم أن المقام السامي أصدر منذ ما يزيد عن 4 سنوات توجيهًا لوزارات العدل، والتجارة والداخلية يقضي بمعالجة كثرة القضايا الحقوقية الناتجة عن خلافات التأجير والإخلاء، وحفظ جميع الحقوق»، معتبراً أن العقد الموحد الموثق من المحكمة: «هو الحل الذي يحفظ جميع الحقوق للملاك والمستأجرين، ويمنع رفع الإيجار العشوائي، ويعوض مالك للعقار نتيجة مماطلة المستأجر عن دفع الإيجار في موعده».