شعار اللقاء الذي أقامته عمادة شؤون الطلاب بجامعة أم القرى، وهو شعار عظيم يستحق أن نتعاون على رفعه، وتحقيق معناه في بلاد جمع الله شملها بعد تمزُّق وألَّف بين قبائلها بعد تفرُّق. إنه الأمن، الجوهرة التي لا تقدر بثمن، لأن كل ثمن في الدنيا لا يمكن أن يقابل قيمتها العظيمة. أمننا أمانتنا، وهي أمانة عظيمة نحمل مسؤوليتها جميعاً، ولا يُعفى أحد من القيام بدور واضح في حفظها ورعايتها. يتحقق الأمن بالعدل والإنصاف، والقيام بالواجب، ورعاية الحقوق وحفظها، وأن يحرص الناس على مصالح بعضهم، ويتخلصوا من الأنانية القاتلة، وأن يكون باب قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» باباً مفتوحاً على مصراعيه يلج منه الكبير والصغير والذكر والأنثى والراعي والرعية. إن الأمن مرتبط بروح الإحساس للناس، ومتعلِّق بالإيمان العميق بأهمية تحقيقه في المجتمعات البشرية من جميع جوانبه، النفسية، والعقدية، والفكرية، والوطنية - أي أن يكون الوطن آمناً. وفي الحديث النبوي السابق ما يؤكد أهمية أن يسود حب الخير للناس حياة كل فرد في المجتمع، ولذلك نفى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يكون الإنسان المسلم قد بلغ درجة حقيقة الإيمان إذا لم يكن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره لأخيه ما يكره لنفسه من الشر. الأمن مطلوب للناس جميعاً وهو «منتج» إسلامي بامتياز، فجميع الأنبياء والمرسلين جاءوا لتحقيق الأمن في حياة الناس، بنشر دين الإسلام الحق بينهم، وبإزاحة ظلام الكفر والإلحاد والضلال عنهم، وبحماية عقولهم من الجهل، وقلوبهم من الحقد والضغينة، وأخلاقهم من الانحراف، وأعراضهم من الانتهاك، ودمائهم من الإهدار بغير حق. هنا يظهر لنا أن «الأمن» كيان متكامل روحاً وعقلاً ووجداناً واقتصاداً واستقراراً اجتماعياً، وعدلاً في الولاية والقضاء، وإنصافاً حتى في العقوبة، وكلُّ من حاول المساس بجانبٍ من جوانب هذا الأمن المتكامل يُعَدُ جانياً على نفسه وعلى المجتمع، وربما كان مجرماً يستحق العقاب بحسب إخلاله بالأمن، فالقاتل يزعزع الأمن، والظالم يحطم الشعور بالأمن في نفوس الناس، والمُلحدُ في فكره وثقافته يُخِلُّ بالأمن الروحي والنفسي، وهكذا دواليك. وقد منَّ الله سبحانه وتعالى على عباده بنعمة الأمن، ونهاهم عن الإخلال بها، وأمرهم بالتمسك بما شرع لعباده لتحقيق الأمن للناس جميعاً، يقول سبحانه وتعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}، وما من نبي إلا ودعا لقومه بالأمن، وفتح لهم أبوابه مشرعةً، وسعى معهم إلى تحقيقه وحمايته. إنَّ الإيمان بالله إيماناً صادقاً، والالتزام بما شرع على وعي وبصيرة، والبعد عن الغلو والتنطع، والبدع والخرافات، من أهم وسائل تحقيق الأمن في حياة الناس، وما عرفت البشرية إنساناً صادق الإيمان يمكن أن يكون له يَدٌ في أي عملٍ أو قول يُخل بالأمن، لأن الإيمان الصادق يربط صاحبه بالله عز وجل ربطاً قوياً يتحقق به الخوف منه، ومراقبته في السرِّ والعلن. «أمننا أمانة» شعار جدير بأن يُرفع ويقدر، ويُدعى إليه جميع أفراد المجتمع المسلم، خاصة في هذه المرحلة المضطربة من حياة الناس على وجه الكرة الأرضية، وهو شعار مهم لنا في «المملكة العربية السعودية» في هذا الوقت الذي تجري فيه عند كثير من الناس المقايسات بين بلادنا وبعض البلاد العربية التي حدثت فيها الثورات الجارفة عاصفة بمظاهر الظلم، والاستبداد، والطغيان الذي تجاوز الحدود، وهي مقايسات غير متوازنة، تحتاج إلى بصيرة ورُشد. والمسؤولية هنا مشتركة بين ولاة الأمر والرَّعيَّة، فكلٌ منهما مطلوب بالتفاعل الإيجابي مع دعوات الإصلاح، وتصويب الأخطاء، دون إفراط في تضخيم الأشياء، أو تفريط في الشعور بأهمية الوضع وخطورته. إن خيمة الأمن مضروبة على أرض الواقع، مشدودة الأطناب، ثابتة الأوتاد، قوية الأعمدة، وإذا كانت هنالك ثقوب ناتجة عن الخطأ والتقصير، فإن الوعي والحكمة يوجبان علينا جميعاً أن تتضافر جهودنا لسدِّ تلك الثقوب ورتقها حتى لا تتسع فيستغلها من يتربصون بنا الدوائر من الحاقدين والحاسدين، وما أكثرهم. إشارة إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا