عندما يصرح معالي وزير التجارة والصناعة بتاريخ 12-1-1432ه في غرفة جدة حسبما نُشر في الصحف المحلية أن الوزارة «متكدرة» من الحالة التي وصلت إليها جمعية حماية المستهلك، فإن ذلك ينذر بأن استبشار المستهلكين بإنشاء هذه الجمعية التي أشرت إليها في المفارقة السابقة لم يكن في محله، وأن نصوص حماية المستهلك المنتشرة في عدة قوانين لن تجد طريقها للتفعيل. قد يرى البعض أن المشكلة التي تعاني منها الجمعية متولدة عن سوء الإدارة، ربما كان ذلك صحيحاً، لكن الأحوط هو أن هذه الجمعية قد وُلدت بلا قانون تعمل في ظله، ووُلدت باختصاصات وأهداف لا ترقى إلى تحسين آليات حصول المستهلك المتضرر على التعويض المجزي بيسر وسهولة، وهي الخدمة التي يتوقعها المستهلك من جمعية أسست لحماية حقوقه. ولتفنيد ذلك أقول، بأن مثل هذه الجمعية تنشأ عادة في دول العالم تحت مظلة قانونية وفقاً لقانون يسمى «قانون حماية المستهلك»، وقد نشأت هذه الجمعية بلا مظلة قانونية. من مميزات هذه المظلة القانونية المسماة «قانون حماية المستهلك» أنها تجرّم بنصوص واضحة العديد من الممارسات المضرة بالمستهلك وتمنح جمعيات حماية المستهلك سلطة تحريك الدعاوى ضد المخالفين لهذا النظام أو أي نظام آخر يحمي المستهلك، حيث تنص هذه القوانين عادة على ما يلي: 1 - تحظر على منتجي السلع ومروجيها بث إعلانات كاذبة ومضللة عن السلعة أو حتى صادقة لكنها تغري المستهلك وتقوده إلى الإسراف والتبذير. 2 - تفرض على البائع التزامات تختلف باختلاف السلعة وظروف البيع. 3 - تشتمل على قواعد آخرة لا يجوز للبائع والمستهلك الاتفاق على خلافها، وذلك حماية للمصلحة العامة. 4 - إلزام البائع بالإفصاح للمستهلك تحت طائلة العقوبة عن كافة المعلومات المتعلقة بالسلعة، خاصة السلع التي قد يسبب استعمالها أضراراً بالمستهلكين. 5 - إلزام البائع ببيان طريقة استخدام السلعة لتلافي هلاكها أو عطبها. 6 - يعطي قانون حماية المستهلك الجمعيات حق تلقي الشكاوى ورفع الدعاوى أمام الجهات القضائية والمدافعة والمرافعة نيابة عن المستهلك الشاكي. 7 - يعطي قانون حماية المستهلك الجمعيات حق المبادرة في رفع دعوى دون شكوى من أحد، نيابة عن مجموع المستهلكين تحقيقاً لمصلحة جماعية. 8 - يعطي قانون حماية المستهلك الجمعيات حق التفاوض مع المنتجين نيابة عن المستهلكين لتحسين بيئة التكامل بين المنتج والمستهلك. وإذا ما ألقينا نظرة على تنظيم جمعية حماية المستهلك، نجد أن اختصاصاتها التي وردت على سبيل الحصر لا تكفي لتحقيق أهدافها، وأن هذه الجمعية لن تعمل كوكيل قانوني عن المستهلكين أفراداً أو جماعات، بل ستعمل كوسيط يتلقى الشكاوى ورفعها إلى الجهات المختصة ومتابعتها، وعلى المستهلك المشتكي المتضرر مادياً وربما جسدياً أن ينتظر ما يسفر عنه الرفع والمتابعة، مما يفقد هذه الجمعية التي تتمتع حسب المادة الثانية من تنظيمها بالشخصية الاعتبارية المستقلة أي قدرة على التمتع بخصائص قوانين حماية المستهلك المتعارف عليها عالمياً التي سبق ذكرها، وبالتالي لن تتمكن من خدمة المستهلكين بالكيفية التي يتوقعونها، مما أفقدها ثقة المستهلك وتعويله عليها. في رأيي فإن هذه الجمعية تحتاج إلى أن تنسيق وتعاون مع مجلس حماية المنافسة فيما يتعلق بالتركز الاقتصادي والاحتكار، وإلى قانون تستظل بظله، وتحتاج إلى تعديل في نظامها يعطيها الصلاحيات التي تتمتع بها مثيلاتها في دول العالم إن كنا نريد لها أن تحمي المستهلك ويحسب لها المنتج والبائع ألف حساب، وأن تقوم بحراسة مصالح المستهلك من خلال مقاضاة مخالفي النصوص القانونية المنتشرة في الأنظمة التي أشرت إليها في المفارقتين السابقتين. وبدون ذلك ستبقى تلك النصوص حبيسة الأدراج وسوف تستقطب معها شكاوى المستهلكين.