اعادة التموضع التركية في المنطقة وتطلعها شرقاً نحو دور أفعل في قضايا المنطقة، اتضح في زيارة رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان الى واشنطن والتي أنهاها أمس، من خلال تقارب أميركي - تركي حول دور محتمل لأنقرة في الوساطة مع ايران حول ملفها النووي، في مقابل تباعد في الموقف حول اسرائيل ومهاجمة أردوغان الدولة العبرية في خطابين له في العاصمة الأميركية، الى جانب عدم وجود حماسة أميركية لوساطة مماثلة لتركيا في عملية السلام. وفي قمة الساعتين ونصف ساعة في البيت الأبيض، حضر الملفان النووي الايراني والاستراتيجية الأميركية الجديدة في حرب أفغانستان بقوة على جدول الأعمال، والذي تطرق أيضاً الى استقرار العراق وعلاقة تركيا بأرمينيا وأذربيجان. وأشاد الرئيس الاميركي باراك أوباما في المؤتمر الصحافي المشترك، بمكانة تركيا «ذات التاريخ العلماني الديموقراطي والأكثرية المسلمة»، معتبراً أن هذا يخولها «أداء دور محوري في ترسيخ روح التفاهم والسلام والاستقرار في المنطقة»، كما لمّح الى وساطة تركية محتملة في الملف الايراني، قائلاً أمام ضيفه العائد لتوّه من زيارة الى طهران، إن أنقرة «في امكانها اداء دور مهم في دفع طهران نحو حل سلمي لملفها النووي»، وهو ما لقي تجاوب أردوغان الذي تعهد «قيام تركيا بكل ما في وسعها للتوصل الى حل سلمي». وقال أوباما: «ذكرت لرئيس الوزراء أهمية تسوية الأزمة المتعلقة بقدرات طهران النووية، في شكل يسمح لإيران بالحصول على طاقة نووية سلمية، مع توفير ضمانات بتقيدها بالقوانين والمواثيق الدولية. وأعتقد أن في مقدور تركيا أن تكون لاعباً مهماً في محاولة دفع إيران نحو هذا الاتجاه». وكان واضحاً من اللهجة التركية، حرص أنقرة على عدم مهاجمة ايران. وأشار أردوغان في خطاب أمام معهد «سيتة» الى «الحدود الطويلة المشتركة بين البلدين»، مذكراً ب «عدم قيام ايران بأي سوء» لتركيا. وأبدى اردوغان تحفظاً كبيراً حول تشديد العقوبات على طهران، اذ أكد ان ثمة «نقاط ضعف» فيها، معتبراً أنها لم تنجح بالكامل في محاصرة ايران وعزلها اقتصادياً. وفيما أكد أردوغان استعداد بلده لاستكمال الوساطة على المسار السوري - الاسرائيلي «وفي شكل غير منحاز»، كان لافتاً عدم تطرق الجانب الأميركي الى هذه المسألة واكتفاء أوباما بالقول إن أنقرة يمكن أن تكون شريكاً في إحلال السلام. وجاءت مهاجمة أردوغان مرتين في خطابيه أمام معهد «سيتة»، وفي جامعة «جون هوبكنز»، اسرائيل والجرائم التي ارتكبتها في حرب غزة، لتعكس عمق الفجوة بين تل أبيب وأنقرة، في ظل تعبير أعضاء في الكونغرس عن استيائهم من هذه اللهجة. وحاول الجانب الأميركي التركيز على نقاط التلاقي مع تركيا، خصوصاً في ظل حاجة واشنطنلأنقرة بصفتها ممراً استراتيجياً الى أفغانستان. وأشاد أوباما بالمساهمة التي قدمتها تركيا في حرب أفغانستان، مؤكداً أن ما قدمته ساعد في إحلال الاستقرار في ذلك البلد. وقال: «أعربت لرئيس الوزراء أردوغان وللشعب التركي عن شكري وامتناني للمساهمة الكبيرة التي قدموها من أجل إحلال الاستقرار في أفغانستان»، والتي تُقدر ب1750 جندياً لحفظ السلام ومساهمات في إعادة الإعمار والجهود المدنية. وقال اردوغان إن تركيا أرسلت قوات اضافية الى هناك خلال الشهور الماضية، مضيفاً: «اتخذنا أيضاً خطوات عدة هناك على صعيد عمليات تدريب القوات الأفغانية، اضافة الى نشاطات أخرى متعلقة بعمليات إعادة الإعمار. وأُتيحت لنا فرصة مواصلة مناقشة هذه الأمور خلال المحادثات التي اجريناها هنا في واشنطن». وناقش اردوغان وأوباما ايضاً، مسألة «حزب العمال الكردستاني». وقال الرئيس الاميركي إن واشنطن تعتبر الحزب «منظمة ارهابية»، مشيراً الى ان «التدابير التي اتخذها رئيس الوزراء حيال المجموعة الكردية مفيدة، اذ تتعذر مكافحة الارهاب بالأعمال العسكرية فقط». وهنأ اوباما اردوغان الذي عمد «بشجاعة الى تطبيع العلاقات التركية - الارمنية» و «شجعه على الاستمرار في هذا الطريق».