عندما أطلق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مشروعه «الاتحاد من اجل المتوسط» كانت الآمال كبيرة بأنه سيصر على البدء بإطلاق مشاريع ملموسة بعيدة من السياسة كي تبقى عملية. وكان البند الأول من مشاريع الاتحاد من اجل المتوسط تنظيف البحر المتوسط. وهو هدف مهم وأساسي ونية نبيلة ينبغي الاعتراف بأن الجميع في دول المتوسط أحياها. إلا اننا اليوم وبعد حوالي 10 شهور من إطلاق مشروع ساركوزي نرى ان تنظيف المتوسط لم يبدأ في أي دولة من جنوب المتوسط خصوصاً عندما ننظر الى هذا البحر في دول مثل لبنان. فكم سمعنا تكرار انتقادات الإعلام والأوساط البيئية العالمية واللبنانية بضرورة إنشاء معامل لتحويل النفايات، إلا انه يبدو ان مثل هذا المشروع غير مدرج على أولويات أي مرشح انتخابي أو أي حزب، وسيستمر اللبنانيون بجعل بحرهم موقعاً للنفايات وهو كذلك منذ عقود لأنه لم يقم أحد بوضع قوانين بيئية صارمة والعمل على إنشاء معامل استيعاب وتحويل النفايات التي هي ضرورة لهذا البلد الغني بشواطئه وبحره. فعندما ينظر الإنسان الى صيادي أسماك بيروت يخرجون في عين المريسة يومياً الأسماك المتنوعة كي تكون طعام اللبنانيين والأجانب الذين يزورون البلد، من الأفضل ألاّ يفكر المرء من أي موقع بحري في المتوسط، لأن البحر في لبنان ملوث بالنفايات سنة بعد سنة. فالمطلوب يقظة دولية ولبنانية لإنقاذ هذا البحر المتوسط الملوث وإدراك ان الموارد البحرية أساسية للشعوب. فلبنان وبحره ليسا وحدهما ملوثين. فهناك دول غنية مثل الجزائر وليبيا لها شواطئ جميلة ولكنها تحتاج الى تنظيف ضروري. وهي لديها الإمكانات المالية للعناية بمثل هذه المشكلة، لكنها تحتاج ايضاً الى توعية شعوبها بأن تلوث الشواطئ والبحر كارثة لمواردها. ففي لبنان هناك منظمة غير حكومية تعمل لإدخال برامج تربوية في المدارس منذ المرحلة الابتدائية من اجل نظافة البحر والشواطئ وهذا أمر اساسي. فينبغي على الحكومات اللبنانية ان تشجع هذه البرامج، فتلك مسؤولية الشعوب عن نظافة بحرها. فعندما ينظر اللبناني الى شواطئ بيروت وبحرها المليء بنفايات بلاستيكية وقناني مياه من كل الأنواع، إضافة احياناً إلى وجود حيوانات نافقة ملقاة في البحر. فهذه الأمور يجب ان تكافح بقوة وأن تصبح أولوية في بلدان المتوسط. صحيح ان هناك بعض المنظمات البيئية الجدية التي بدأت تعمل في لبنان مثل منظمة «الخضر» اللبنانية التي يرأسها شخص جدي جداً وهو يريد العمل على مكافحة تشويه البيئة في لبنان ومن الضروري ان يحصل على تشجيع كبير لأن لبنان يحتاج قبل كل شيء الى برامج بيئية ضرورية توعوية لمخاطر ما يحدث يومياً على صعيد البحر والغابات والأبنية وتلوث الهواء. والمطلوب ان تدخل كل دول المتوسط برامج تعليمية منذ الصفوف الابتدائية لأن هذا موضوع ينبغي أخذه بجدية وطرحه كأولوية في كل حكومة تأتي بعد الانتخابات التشريعية. ومن يقول إن هذه الأمور ليست أولوية وليست ضرورية، يطعن بمستقبل بلده وأولاده. فلا شك في ان إطلاق ساركوزي مشروع المتوسط حمل آمالاً كبيرة بالنسبة الى هذه القضية، ولكن لم نر بعد سوى مؤتمرات وندوات تحدث فيها كبار المسؤولين في العالم وفي فرنسا. وعُقد قبل فترة مؤتمر في «اليونيسكو» حول تنظيف المتوسط، في إطار مشروع الاتحاد من اجل المتوسط. لكن الندوات والمؤتمرات لا تكفي والمطلوب الإسراع في الخطوات العملية والملموسة، مثل تشجيع لبنان على طلب تمويل دولي لإنشاء معامل لتحويل النفايات. وقال احد الديبلوماسيين الأوروبيين في لبنان ان البنك الأوروبي للإنماء مع فرنسا يمولان مشاريع تنظيف المياه في لبنان، وهي مشاريع لا احد يتكلم عنها ولكنها ستجعل لبنان في غضون عشر سنوات متميزاً بأحدث تقنيات تنظيف المياه في العالم. ولا شك في ان مثل هذه المشاريع محبذة وتنبغي الإشادة بها، ولكن مشاريع المعامل لتحويل النفايات ملحة ومطلوبة ايضاً من اجل مياه البحر المتوسط.