يرى بعضهم، وقد يكون مصيباً، أن مقالة ديمتري ميدفيديف الموسومة «روسيا الى الأمام»، هي في مثابة مهزلة. ويؤدي رئيس الدولة الروسية دور «الشرطي الطيب» في مسرحية اسمها «الديموقراطية الروسية». وفي المسرحية هذه، ينقسم المواطنون بين مؤيدي بوتين ومؤيدي ميدفيديف. والمقالة لا ترقى الى «فكر سياسي جديد»، على خلاف زعم صاحبها. فهي ترى أن استقلالية القضاء تعني معرفة القضاء «معرفة تلقائية» بالقرارات التي تخدم مصلحة الدولة. وتتناسى أن القرارات هذه يجب ان تخضع لسلطة القانون، عوض سلطة الحكومة الروسية التي تهيمن عليها البيروقراطية الفاسدة. ويبعث على القلق في المقالة تسويغها إمكان مباشرة عملية التحديث من غير تقويض السلطة الأوتوقراطية الاستبدادية. ولكن إدارة المدى (الجغرافي والسكاني والاجتماعي والاقتصادي) الروسي الواسع وغير المتجانس غير ممكنة من غير انتهاج سياسات إصلاح حديثة. وثمة جانب إيجابي في مقالة ميدفيديف هو إقرارها بأن التحديث ينبغي ألا يسوغ وقوع عدد ضخم من الضحايا الإنسانية، على ما حصل في عهد بطرس الأكبر وستالين. وأغلب الظن أن يقاوم المسؤولون الإداريون الفاسدون، ورجال الأعمال المرتبطون بهم، عملية التحديث. ف «اقتصاد الأنابيب (النفطية)» السائد في روسيا يخدم مصالحهم. والنخبة الروسية هذه لن تؤيد التحديث. ولا يسع قائداً واحداً أو زعيماً أن يباشر، منفرداً، مهمات التحديث، مهما علا شأنه، وعَظُم نفوذه. وقد تمد له يد العون شريحة ضيقة من حلفائه في المعسكر البيروقراطي. ولكن عملية التحديث لا تستقيم من غير تأييد عريض، ودعم طبقة مبادرة ونافذة لا ترى التحديث حملة وهمية تتولاها السلطة العليا فحسب، بل مسألة حيوية ومصيرية. وقد يكون المهنيون المجددون، ومنهم أصحاب ومديرو الشركات الخاصة الصغيرة والمتوسطة التي انتهجت التجديد فعلاً، والعلماء والمهندسون المولودون بين 1960 – 1970 ولم يفقدوا الأمل الى الآن في العمل في روسيا، وأولئك الذين يعملون في الغرب ويودون العودة الى وطنهم اذا صدقت وعود ميدفيديف - وقد يكون هؤلاء قاعدة سيرورة التحديث المناسبة. وقد ينضم اليهم اختصاصيون شباب من الذين يترددون بين الهجرة وتصديق ميدفيديف والبقاء في روسيا. ودعاة التحديث في روسيا هم الذين يطمحون الى بناء الاقتصاد الروسي، وليسوا اولئك «الطفيليين» من أنصار تقاسم الأنفاق، وحصر توزيع عائدات الدولة في شريحة ضيقة. وأسهمت النخب وآلة السلطة في الأعوام الأخيرة، في تهميش دعاة التحديث، وإعلاء شأن الطفيليين. وإذا أراد ميدفيديف نجاح عملية التحديث فحريّ به مساندة أنصارها، والقادرين على تحقيقها، على إقصاء ممثلي «البيروقراطية الفاسدة» المتمسكين بمراكزهم، وأصحاب الرأسمال الطفيلي. ولا يؤيد أنصار التحديث «عمودية السلطة». وهم في حاجة ماسة الى التخفف من قيود السلطة العمودية، وإلى مؤسسات الدولة الديموقراطية والمجتمع المدني الفاعل. وتوفير ظروف التحديث وشروطه هو رهن إصلاح النظام السياسي بروسيا. * صاحب شركة «يوكوس» السابق والمعتقل، عن «فيدوموستي» الروسية، 21/10/2009، إعداد علي ماجد