يستأنف الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة سعد الحريري مشاوراته اليوم مع الأطراف السياسيين الأساسيين بغية تجاوز العقبات التي ما زالت تؤخِّر ولادتها وسط أجواء تؤكد ان الفرصة متاحة، ليس لتسجيل اختراق من شأنه ان يحقق تقدماً ملموساً على طريق الإسراع في عملية التأليف فحسب، وإنما في تحقيق تقدم نحو إنجاز التركيبة الحكومية قبل نهاية الأسبوع الحالي. وقالت مصادر سياسية مواكبة للاتصالات الجارية في شأن تأليف الحكومة إن الحريري يعطي الأولوية في مشاوراته مع القوى السياسية للتفاهم على الأسماء المطروحة للاشتراك في الحكومة وهذا ما بدأ يركز عليه في لقاءاته في اليومين الأخيرين باعتبار أن لا مشكلة حول الصيغة المطروحة، أي الإطار العام للحكومة أو برنامجها الوزاري. وكشفت المصادر نفسها ل «الحياة» ان الحريري، وخلافاً للمشاورات التي أجراها مع الكتل النيابية عندما كلف للمرة الأولى تأليف الحكومة وقبل اعتذاره، بدأ يتداول في لقاءاته الأسماء والحقائب بالتفصيل وهذا ما بحثه في اجتماعه الأخير مع المعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل. وأكدت ان الحريري كان في السابق، وبناء لرغبة بعض القوى الرئيسة في المعارضة، يركز على صيغة الحكومة الجديدة والعناوين الأساسية لبيانها الوزاري بذريعة انه لن تكون هناك مشكلة في شأن أسماء الوزراء والحقائب وأن التفاهم على الصيغة سيسرع في ولادة الحكومة. لكن تبيّن له - كما تقول المصادر الموالية عينها - ان التفاهم على الصيغة السياسية للحكومة العتيدة وبرنامجها الوزاري لم يحل المشكلة ولا يمنع بروز عقدة تتعلق بأسماء الوزراء وتوزيع الحقائب. وهذا ما يدفعه الآن الى التركيز على الأسماء، مؤكداً للذين التقوه اخيراً، ان لا مجال ابداً للاختلاف على الصيغة والبرنامج السياسي للحكومة. ومع ان الحريري يستعد لجولة جديدة من المشاورات مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعدما قررت كتلة «التنمية والتحرير» إطلاق يده في تسمية الوزراء ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وقيادة «حزب الله» ممثلة بخليل والأطراف الأساسيين في قوى 14 آذار، فإن المصادر المواكبة لفتت الى انه سيطلب منهم لائحة بأسماء مرشحيهم لدخول الحكومة إضافة الى انه ينتظر في الساعات المقبلة جواباً من «حزب الله» على مطالبته بتسمية وزيريه في الحكومة. وسألت المصادر اذا كانت لدى بعض القوى في الأقلية في البرلمان خشية من التسريع في عملية تأليف الحكومة لاعتبارات تتجاوز الاعتبارات المحلية الى أسباب إقليمية وخارجية طالما ان لا اختلاف على البرنامج السياسي ولا على ضرورة قيام حكومة وفاق وطني. وإذ لم تقلِّل المصادر من الارتدادات الإيجابية للقمة المرتقبة قريباً بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد في دمشق وتأثيرها في تبريد الأجواء الداخلية في لبنان وتهدئة النفوس تكريساً للهدنة الإعلامية القائمة بين الأطراف اللبنانيين، فإنها في المقابل تسعى الى استكشاف موقف طهران من القمة السعودية -السورية ومدى استعدادها للتكيف مع مفاعيلها الإيجابية على الساحة اللبنانية، خصوصاً ان اللقاء الذي عقد اخيراً في جدة بين القيادتين السعودية والسورية على هامش افتتاح جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم التقنية تمحور حول توفير الشروط الداعمة للإسراع في تشكيل حكومة وفاق وطني في لبنان. واستغربت المصادر ما أُشيع اخيراً عن ان لقاء خادم الحرمين الشريفين والأسد لم يتطرق بالتفصيل الى الأزمة في لبنان وقالت ان عدم دخولهما في تفاصيل الوضع في لبنان لا يبرر القول ان الأزمة اللبنانية كانت غائبة عن جدول أعمال محادثاتهما في جدة، مشيرة في الوقت نفسه، الى ان الحل متروك للبنانيين، لكن هناك اكثر من ضرورة لتوفير الأجواء التي تضغط عليهم باتجاه التفاهم. وأكّدت هذه المصادر ان تطورات الوضع في لبنان هي الآن مدار تشاور بين طهرانودمشق مع استعداد الأخيرة لاستقبال العاهل السعودي. وبالنسبة الى احتمال توزير الراسبين في الانتخابات النيابية في حكومة الوفاق الوطني قالت المصادر ان الشرط الأساسي لتمكين الرئيس المكلف من تأليف الحكومة يكمن في استعداد جميع الأطراف لتقديم تنازلات متبادلة يمكن ان توفر المخارج للتغلب على العراقيل التي ما زالت تؤخر تأليف الحكومة. ولفتت الى ان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان كان اول من طرح استبعاد توزير الراسبين وقالت انه أبلغ موقفه هذا الى الرئيس بري عندما استقبله في بعبدا على رأس وفد يمثل اعضاء هيئة مكتب المجلس فور انتخابه رئيساً للبرلمان لولاية جديدة وأنه كرر موقفه خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها مع الكتل النيابية تمهيداً لتكليف الحريري تشكيل الحكومة قبل ان يعتذر الأخير ويعاد تكليفه بهذه المهمة للمرة الثانية. واعتبرت ان عدول سليمان عن موقفه من شأنه ان يشكل مخرجاً لحل عقدة توزير وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، لكن من دون التسليم ل «التيار الوطني الحر» بشروط رئيسه عون وأبرزها إسناد وزارة الاتصالات إليه. مشيرة الى ان إقرار جميع الأطراف بتقديم التنازلات لمصلحة تشكيل حكومة وفاق وطني يستدعي من عون صرف النظر عن مطالبته بوزارة الاتصالات في مقابل تراجع قوى 14 آذار عن رفض توزير باسيل. وأوضحت المصادر ان مسألة توزير الراسبين تناقش حالياً في الاتصالات الجارية بين قيادات 14 آذار التي لم تتوصل بعد الى بلورة موقف موحد نظراً الى وجود وجهتي نظر، الأولى لا تمانع بتوزير باسيل في مقابل توزير أحد الراسبين أو أكثر من المنتمين الى الأكثرية، بينما الثانية لا تحبذ توزير الراسبين انطلاقاً من موقفها المبدئي الرامي الى احترام إرادة الناخبين وبالتالي الانسجام مع قناعاتهم وعدم التفريط فيها، وأن يأتي الرد على توزير الراسبين بتوزير نائب البترون بطرس حرب على ان تُسند إليه حقيبة وزارية في مقابل تعيين باسيل وزير دولة.