تناقل المتداولون في المواقع خبر أن يُحكم تعزيرياً على المتحرِّش ب «طفلة المصعد» بالسجن أقله سبعة أعوام، الأمر الذي أثار جدلاً لا بأس به، ما بين مؤيد ومستنكر، ومندد ومطالب بعقوبة أشد، وهو ما يعود بنا إلى ضرورة سن قانون عام وموحد لمكافحة التحرّش بأحواله، والذي حين عزم مجلس الشورى على مناقشة مثل هذا القانون المهم بالفعل، جاءه الاعتراض من امرأة، ما يُعد مستغرباً بحق، وإنما لكل شيء سابقة. فماذا كانت الحجة؟ ترى الدكتورة نورة السعد -في رسالة احتجاجها إلى رئيس مجلس الشورى وأعضائه- أن القانون الذي يكبح المتحرشين جنسياً بعقوبات تصل أقصاها إلى السجن ثلاثة أعوام وتغريم المتحرِّش 100 ألف ريال إنما يشجع على الاختلاط، كما أن مشروع الدراسة لا يفرّق بين ما إذا كان المتحرِّش رجلاً أو امرأة. وقد يأتي تحرّش المرأة بالرجل في مرحلة لاحقة انتقاماً منه، أو لأي سبب آخر، وذلك بعد أن يتفشى الاختلاط ويستتب نتيجة القانون المزمع. وهذا طبعاً من وجهة نظر السعد، والتي تتساءل عن نفع هذه القوانين في مكافحة التحرّش الجنسي، وقد سبقتنا إليها دول الغرب والشرق في اليابان، ومع ذلك لم تحمِ نساءها حتى تحمي المرأة السعودية! وبامتثالنا لهذا المنطق، فمن الممكن أيضاً إعادة النظر في قوانين مكافحة الجريمة ومدى الجدوى منها، فها هي دول الغرب أقرتها ولم تختفِ جرائمها، وها نحن نطبق الشرع وحدود الحرابة ولم يرتدع الناس، فهل وقف الأمر على قانون مكافحة التحرش برأي السعد؟ ولن نجد أحكم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقوله: «ليس العاقل من عرف الخير من الشر، وإنما من عرف خير الشرين». فإذا كان غياب قانون يعاقب على ارتكاب التحرش شراً في نظرنا، وسن القانون شراً في نظر السعد ومَن على رأيها، فأيهما خير الشرين؟ أن تترك الجريمة بلا رادع أم أن تُحاصَر بالقانون؟ لو فكر المرء بحقوق الآخرين كأنها حقوقه، ساعتها قد يشعر معهم وبحقوقهم. وأيما امرأة تقف حائلاً دون الإقرار بقانون يكافح التحرش فكأنها مع التحرش، مهما كانت شروحاتها ومبرراتها، لاستهجان اعتراضها، كونها امرأة في المقام الأول. أما أن التحرش يشجع على الاختلاط فمردود عليها، لإنكارها واقع الحال وطبيعة الزمن. فمن منا لا تخرج إلى الأسواق أو المستشفيات؟ من منا لم تمشِ في الشارع لأي غرض في الدنيا، ولو كان لمجرد الوصول إلى سيارتها؟ نعم، إلى هذه التفاصيل -وقد يكمن فيها عدم الأمان- يتدخل القانون ويجرِّم بصرف النظر عن ظروف الواقعة وملابساتها، فالمبدأ واحد، ألا يتحرش بها، وبالتزامن ألا تتحرش به بلا تمييز أو تفريق بين الجنسين. اعتقاد السعد ومن يتبنى وجهتها -كما في خطابها- أن من شأن القانون أن يطبِّع عمل المرأة في المكان المختلط. فأين السعد اليوم من المصارف والشركات والمتاجر والمشافي وحتى المحاكم؟ فالمرأة السعودية حجزت موقعها في سوق العمل وانتهى الأمر، ولم يبقَ غير فرض القوانين المنظِّمة لوجودها وحركتها، بأمان وحقوق محفوظة في ظل تطورات ومعطيات اختلفت عما سبقها، إلا أنْ تكون السعد معترضة على أماكن عمل المرأة من أساسها، وهذه نقرة أخرى وكان يلزمها خطاب آخر، ويفضل أن يتضمن شرحاً وافياً للبدائل المطروحة. ثم ما الذي يرمي إليه التفكير الذي لا يرى داعياً لملاحقة التحرش؟ وكأننا نقول للمجتمع كن مجرماً وللبيئة كوني متوحشة، كي تخافكما النساء ويُحبسن خلف الأسوار! حسناً، ومن يضمن أن التحرش لن يلحقها في عقر دارها مع انتفاء العقوبة؟ ثم، ماذا عن طفلة المصعد المُتحرَّش بها؟ فأين الطفلة من الاختلاط والتبرج والفتنة التي صرخت السعد من استتبابها بإقرار القانون؟ ألم يلتفت الممانعون في احتجاجهم القاصر إلى أن قانون مكافحة التحرش ليس محدداً بالمرأة والرجل، ولكنه يشمل الأطفال الذين لا يملكون الدفاع عن أنفسهم وصد الاعتداء عنهم؟ وليتصور هؤلاء أن طفلة المصعد ابنتهم أو قريبتهم، فإن فعلوا وبقوا على موقفهم المعارض، فتلك إذاً قصة أخرى ويطول شرحها. [email protected]