الموسيقيان الصديقان اللبنانيان جيلبير يمين وايلي معلوف، جعلا من القانون والبيانو صديقين حميمين، منسجمين مع إيقاع الفلسطيني يوسف حبيش وكافال (الفلوت البلغاري) وساكسوفون كراسين لوتزكانوف وكونترباص إيميك إفسي، على مسرح معهد العالم العربي في باريس الذي غصّ بالجمهور ليل الجمعة - السبت الماضي. اختار يمين الذي تمرّس على عزف القانون منذ العاشرة من عمره، أن يبدأ الحفلة بمقطوعة من كتابته، مداعباً القانون كرسام يوزع ألوانه بلطف وانتقائية على سطح اللوحة. ثم تلتها مقطوعة لمعلوف الذي بدأ العزف على البيانو بشكل فطري وعصامي، قبل أن يشعر بالحاجة إلى تعلّم تقنيات العزف في معاهد متخصصة من بيروت إلى باريس، وعلى يد أشهر عازفي البيانو - جاز مثل ميشال بيتروشياني وبيرنارد موري. بدت المعزوفة الأولى هادئة تميل إلى الطابع الشرقي الذي روض حضور الجاز لصالحه، على عكس المقطوعة الثانية التي بدت صاخبة إلى حد ما جرفت حضور الموسيقى الشرقية لصالح حضور الجاز بصخبه الناعم. هنا يظهر التوزيع الموسيقي الواعي والعارف والتجريب المبني على خصوصية لا تظهر تأثراً يصل حد الاستنساخ عن تجارب ومدارس أخرى. ثماني معزوفات قدمت خلال الحفلة، أربع منها ليمين وأربع لمعلوف، تخلّلها ارتجالات أغنت المشهد الموسيقي الملوّن بين اللبناني والشرقي والغربي والجاز، حيث بدت نعومة آلة القانون وكأنها تلثم أناقة البيانو. لا آلة تنافس أخرى، تكاملية أناطت اللثام عن نضوج موسيقي لا يريد أن يصنف نفسه في حيز ضيق. وقد أظهر تنوع الآلات بين الشرقي والغربي وتنوع جنسيات الفرقة، مدى أهمية وجدية مشروع العازفين القائم على موسيقى الجاز مع الحفاظ على ملامح الطابع الشرقي. يمين القادم من ألمانياً حيث يقيم ويحضر دكتوراه في علم الموسيقى، والذي عرف في بلده منذ عام 2000 كعازف في الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى العربية، أصبح في عام 2003 أستاذاً في آلته في الكونسرفاتوار الوطني في بيروت. وقد تأثّر يمين بالمدرسة التركية في العزف على العود والتي تعتمد مبدأ الأصابع العشرة والذي كانت من رواده (إن لم تكن الأولى) اللبنانية الراحلة إيمان حمصي. وقال ل «الحياة» بعيد الحفلة: «إن الشراكة بين الموسيقى الشرقية والغربية تقوم على الارتجال، لذلك تجد مساحة ترحب بالجاز في الموسيقى الشرقية، وتجد التزاوج بينهما مثمر ومنجب لمولود جميل. إن وجدت الخبرات التي لا تكتفي بالخبرات الأكاديمية». ويكمل يمين متحدثاً عن أهمية الحضور الأكاديمي كموضوعة مفروغ منها، ولكن لا بد من حضور جوهر إبداعي لدى الموسيقي يمكّنه من خلق مساحات ارتجالية تكون خلاقة وقادرة على إعطاء مشروع ناجح.