انتهى مهرجان البستان اللبناني للموسيقى الكلاسيكية مساء أول من أمس بأمسية متنوعة أحيتها الأوركسترا السمفونية اللبنانية وشاركت فيها عازفة التشيللو الروسية فينا كوتوفا، وهي إحدى أشهر عازفات التشيللو في العالم اليوم، بدأت مسيرتها الموسيقية مذ كانت في السابعة من العمر حين قُبلت في الكونسرفاتوار الوطني في موسكو لدراسة التشيللو على رغم صغر سنها وحجم الآلة وصعوبتها الشاقة. قاد الأوركسترا المايسترو الجيورجي جيانلوكا مارسيانو الذي قام بمهمة الإدارة الفنية لمجمل نشاطات المهرجان واضطرّ للحلول بسرعة محل بيتر فيرانيك مدير مسرح ميخالوفسكي في سان بطربسرغ وأحد أهم قادة الأوركسترا في روسيا بعد اصابته بوعكة صحية فور وصوله الى بيروت، فاستحق جيانلوكا إكبار الجمهور واحترامه، ناهيك عن مديح كالته له السيدة ميرنا بستاني في مقدمة الأمسية الأخيرة. شهد «بستان» السنة عدداً لا يستهان به من المفاجآت السارّة، ولاحظنا تتطوّر الإقبال على وقع بنجاح السهرات، ذلك ان أفضل وسائل الجذب الإعلامي لا تزال الكلمة المتناقلة بين الناس. صحيح ان الجمهور المحلّي يتأثر بالظروف الراهنة، ومعظمها محبط، مثير للمخاوف والحذر، لكن الجمهور، بصورة عامة، يبحث عن جودة تكاد تكون مفقودة في خضم النتاج المتهافت على الإثارة الخفيفة والفن الهابط، فمتى ظهر في الأفق ضوء مختلف، واعد، ومميّز، لا بدّ من أن يتحرّك الفضول لدى الجمهور، وذلك ما شهدناه هذه السنة في البستان. في البداية لمعت لون مادسن عازفة الكلارينيت ذات الأداء الساحر والحضور الشفّاف، تبعتها مارتينا فيلياك عازفة البيانو الكرواتية التي أتعبت أكفّ الجمهور تصفيقاً وأدهشتهم بمقطوعة مكتوبة خصيصاً ليد واحدة فبدا كأنها تعزف بأكثر من يدين! وفي بداية آذار (مارس) الجاري أهدى المهرجان جمهوره المختار للغرفة البلورية شاباً بارعاً في العزف على القانون يدعى جيلبير يمّين يدرس الموسيقى في المانيا منذ ست سنوات ويؤدي معزوفات شرقية، عربية، وأوروبية في ثقة وإبداع كبيرين. عازف البيانو الروسي دنيس كوشوكين، رابح المرتبة الأولى في مسابقة ملكة بلجيكا السنة الفائتة، توّج مشاركة قافلة من الموسيقيين الشباب الواعدين مثل ادوارد كونز على البيانو، وإيليا راسكوفسكي اضافة الى ثلاثي الجاز برنارد شولر وستيفان إيميغ، وإنيغو سنست. ثم فوجئنا مساء الرابع من آذار (مارس) بمغنية سوبرانو لبنانية الأصل تدعى سمر سلامة تشارك في السمفونية العاشرة لماهلر بقيادة يوها ريكولز. أما عازف التشيللو الفرنسي غوتييه كابوسون فأدى أمسيتين واحدة مع أوركسترا مدينة تبليسي وأخرى مع جيانلوكا مارسيانو على البيانو في وست هول الجامعة الأميركية، وفي الأمسيتين حبس أنفاس الجمهور وأشعل الصالة تصفيقاً. من النروج والنمسا وبريطانيا وغيرها، أتوا الى «البستان» اللبناني بأفضل ما لديهم من ثمار. وفي احدى قفزاته النوعية الكبيرة قدّم البستان ليلة السابع عشر من الشهر الجاري رابع أوبرا كتبها موتسارت وعنوانها «ميثريدانس الكبير». وهي أقلّ أوبرات موتسارت شهرة وأصعبها مسرحياً. كتبها وهو في الرابعة عشرة من عمره وتدور أحداثها في مدينة يونانية على شاطئ البحر الأسود. وأفصحت السيدة ميرنا البستاني في السهرة الأخيرة عن تشكيل جمعية فاغنيرية في لبنان، على غرار جمعيات مماثلة تحشد للألماني الكبير فاغنر، وكان الخبر مقدمة لاختتام الفقرة النهائية من البرنامج بمقطوعات أوبرالية (من دون صوت) لفاغنر.