في أحد الجوامع الكبيرة بحي المروج في منطقة تبوك والذي تقام فيه صلاة الجنازة، وقفت أكثر من 12 متسولة مع أطفالهن أمام أبواب الجامع يستجدين العطف لحالهم في مشهد تختلط فيه مشاعر العطف من بعض المواطنين والاستياء من البعض الآخر، ويغيب فيه دور الجهة المسؤولة، ما أعطى تلك المتسولات الإحساس بالأمان، وجعل كثيرين يطالبون بتدخل «مكافحة التسول». وأوضح ل«الحياة» عدد من المصلين أن المتسولات يزاحمن الرجال عند الأبواب بحجج مختلفة، فإحداهن ترفع تقريراً طبياً تريد علاج ابنتها، وأخرى تريد سداد إيجار المنزل، مشيرين إلى أنهم لا يعلمون أين الحقيقة، وأن من يريد التصدق عليهن عليه أن يذهب إلى الجمعيات الخيرية المعروفة. وقالوا: «كثيراً ما نشاهد المتسولات أمام المساجد والمتاجر وحتى عند الإشارات المرورية بين السيارات وعند الصيدليات والمارة»، مطالبين «مكافحة التسول» في منطقة تبوك بتكثيف حملاتها للقبض على المتسولات لتكون طوال العام ولا تقتصر على شهر معين. إلى ذلك، كشفت دراسة علمية حديثة عن أن ظاهرة التسول في السعودية تشهد زيادة مستمرة وارتفاعاً مطرداً خلال الأعوام الأخيرة، مرجعة الأسباب الرئيسة في بروز هذه الظاهرة إلى تزايد المتسللين عبر الحدود والتخلف بعد أداء الحج والعمرة، محذرة في الوقت نفسه من آثاره السلبية على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وحول جنسيات المتسولين أوضحت الدراسة، التي دعمتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بنحو 350 ألف ريال، أن معظم المتسولين من الجنسية اليمنية تليها الجنسية المصرية، ثم الجنسيات الأخرى، لافتة إلى أن غالبيتهم من الأميين ذوي الدخول المنخفضة. وبيّنت الدراسة أن أعمار معظم المتسولين المقبوض عليهم تراوح بين 16 و25 عاماً، تليهم الفئة العمرية 46 عاماً فأكثر، غالبيتهم من الذكور والأميين وذوي الدخول المنخفضة، فضلاً عن أن شريحة كبيرة منهم من المتزوجين والعاطلين من العمل، والذين يعولون أعداداً كبيرة من الأفراد. وأشارت إلى أن المتسولين يتبعون عدداً من الطرق المختلفة للتسول منها استغلال الأطفال في هذه العملية، والخداع والتمثيل، وادعاء العاهات والتخلف العقلي، وعرض الصكوك والوثائق. كما حددت الدراسة عدداً من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والأمنية للتسول، ومن ذلك انتشار النصب والاحتيال والسرقات، وتزوير المستندات، وانحراف صغار السن، وتشجيع بعض الأسر أفرادها على التسول، وانتشار ترويج المخدرات، مع ارتفاع معدلات الجرائم الأخلاقية، إضافة إلى انتشار ظاهرة استئجار المنازل المهجورة في الأحياء القديمة والتي لا يعرف عمداء الأحياء أصحابها لارتكاب الجرائم الأخلاقية، وكثرة الزواج غير الشرعي أو العرفي من دون أوراق رسمية وبالتالي إنجاب أطفال غير شرعيين، ومن الآثار الاقتصادية تهريب الأموال إلى الخارج، وتعطيل حركة الإنتاج، وتسهيل غسيل الأموال. كما أوصى الفريق بوضع جزاءات رادعة تحد من ظاهرة التسول مثل الغرامات المالية والسجن، مع إجراء المزيد من الدراسات العلمية حول الأسر السعودية التي لا يكفيها الضمان الاجتماعي، الأمر الذي اضطر هذه الفئة إلى التسول. ومن التوصيات أيضاً أهمية تنبيه أئمة المساجد لمنع هذه الظاهرة وبيان خطورتها على المجتمع، وضرورة تطبيق نظام البصمة على غير السعوديين المرحلين إلى بلدانهم بسبب التسول وعدم إدخالهم المملكة مدة خمسة أعوام، وكذلك تنظيم عملية جمع الزكاة والصدقات وأن تكون من خلال الجهات الخيرية. من جهته، أكد المتحدث الرسمي بفرع وزارة الشؤون الاجتماعية في تبوك أحمد أبوشامة ل«الحياة» أن لديهم خطة عمل مشتركة مسبقاً مع الجهات الأمنية بهدف السيطرة على ظاهرة التسول، والعمل جارٍ على مدار الوقت، مفيداً بأن مكتب الرعاية الاجتماعية يقوم في شكل مستمر بالتنسيق مع تلك الجهات لمحاربة هذه الظاهرة.