نبه الرئيس اللبناني ميشال سليمان امس، إلى أن «أيّ سلاح خارج منظومة الدولة ووحدة قرارها، يتحوّل جزءاً من أدوات الصراع على السلطة أو الهيمنة، أو قوّة احتياط لتسعير النزاعات والحروب الأهليّة، وذلك أيضاً شأنُ أي مهمة تنبري فئة أو قيادة لتنكبها من دون الإرادة الوطنية الجامعة»، مشدداً على وجوب «مقاربة مسألة السلاح من منطلق نهج الحوار ومنطق الدولة، بعيداً من منطق الاتهام والتشكيك ومن سياسات العزل أو الهيمنة والإلغاء». وكان سليمان رعى احتفال رفع 12 تمثالاً نصفياً لرؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا منذ الاستقلال ولغاية اليوم وذلك في قصر بعبدا، واستعاد أمام حضور سياسي «رجالاً صاروا جزءاً من تاريخنا، مع رحيل كبيرٍ هندس مصيرَ بلده على قياس حلمه، فحوّل مجرى التاريخ في أفريقيا والعالم، إنَّه نلسون مانديلا المناضل والرمز لما سّماه «أمة قوس قزحٍ بسلامٍ مع نفسها والعالم»». وقال سليمان: «لقاؤنا اليوم، ليس زيارة للتاريخ الساكن في حجارة هذا الصرح، بل لقاء على تجديد فكرة وقضيّة اسمها لبنان الديموقراطي المتعدّد، السيّد، الحرّ والمستقلّ، مستنطقين تجارب الرؤساء السابقين، ومستخلصين العبر من العهود والأزمات التي توالت. أولى العبر أنّ مشكلة الهويّة التي رافقت سنوات التأسيس وأدَت إلى نزاعات وصراعات استدرجت تدخّلات خارجيّة، لم تكن سوى نتيجة التعثّر، لا بل الإخفاق في إنجاز بناء الوطنيّة اللبنانيّة وتحديد موقع لبنان في المحاور الإقليميّة والدوليّة. من تحصّن داخل الكيانيّة اللبنانيّة الصافية وتمسّك بفرض اللبننة على الشريك الآخر، استنهض عروبة حادّة عابرة للحدود، فتشابكت مطالب الشراكة الطائفيّة والسياسيّة بمقتضيات السيادة الوطنيّة وعناصرها، فانقلبت الانتفاضات والأزمات الداخليّة إلى أزمات إقليميّة ودوليّة، كما في الأعوام 1949 و1958 و1969، وكلّ ما تلا سنة 1975». وصفة الحروب وحذر من أن «صحوة الهويّات الدينيّة والمذهبيّة المهيمنة راهناً على حساب الهوية اللبنانيّة والعروبة والدولة الوطنيّة في آن، وصفة جاهزة لحروب أهليّة دائمة». وقال: «إنّ الوهم بتخطّي الوطنيّات والكيانات وإلغاء الحدود في سبيل جهاد أُممي، أو نصرة طائفيّة، أو تورّط في نزاع خارجيّ، حماية لقضيّة أو لسلاح، لا يُسقط الدولة فحسب بل يحطّم إمكان تكوين الهويّة الوطنيّة الجامعة، ويؤدّي إلى زوال الدولة والوطن معاً. إنَّ استقرار لبنان قاعدته عقد وطني واجتماعي حرّ يؤمّن الشراكة السياسيّة والمصالح المشتركة، ويفتح الأزمات لتطوير اتفاق الطائف، لا بل تحصينه ضمن آليّاته، نحو دولة مدنيّة حديثة». وقال سليمان إن «تنازع الهويّة، والصراع على السلطة، والموقع الإقليمي، يقودنا إلى العبرة الثانية التي أكّدتها تجارب العهود السابقة، وعنوانها حياد لبنان الإيجابي عن المحاور، وبكلام أدقّ تحييده عن الصراعات، والتي ترجمت في انحياز لبنان إلى العرب إذا اتفقوا، والحياد بينهم إذا اختلفوا، وجسّدها ميثاق عام 1943، الذي أكّد ضرورة إبعاد لبنان عن منطق الأحلاف، وكلّما حاد اللبنانيون عن الحياد والتحييد وانجرفوا في لعبة المحاور، تعرّض الوفاق والميثاق للاغتيال، وانفجرت البراكين الكامنة، كما في الأعوام 1957 و1958، 1969 و1975، 1982 و1983، والسلسلة الطويلة من المحطّات الصعبة، منذ العام 2004 وحتى اليوم. لذلك، لا يجوز تحت ذريعة أي قضية داخلية تشريع الأبواب لتدخلات أطراف خارجية، أو تأسيس مشاريع خارجية». وشدد على ضرورة «اعتماد سياسة خارجيّة تعكس الثوابت الوفاقيّة الداخليّة، متجنّبين في ذلك، الاهتزازات الناتجة من التغيير في موازين القوى، والنفاذ دائماً من الفجوة، بين الأحكام الدستورية والتوازنات الظرفيّة المتبدّلة، والسعي تالياً لتغيير المعادلة داخل النظام». وتوقف عند «الدور الطليعي الذي قام به رؤساء الجمهورية، في مواجهة العدوانية الإسرائيلية، المتمثلة بالاحتلالات، والاعتداءات والخروق المستمرة، وشبكات التجسس وعمليات الاغتيال، وآخرها العمل الانتقامي الحاقد، الذي حصل صباح الأربعاء الماضي (اغتيال المسؤول في «حزب الله» حسان اللقيس). وقال: «هذه العبرة مستوحاة من مناسبة استرجاع التجارب الرئاسيّة. إنّها ازدواجيّة السيادة وإمرة السلاح على أرض واحدة، وفي ظلّ دولة واحدة. فمنذ إباحة الحدود وانتقاص منطق السيادة، بعد اتفاق القاهرة العام 1969، دخلت وتداخلت عناصر الاحتلال ودعوات التصدي له، وتناسلت الحروب، وتراجعت هيبة وفاعليّة القوى الأمنيّة الشرعيّة، الأمر الذي لم ينتقص على الإطلاق، من مقدار الاعتزاز والافتخار بما تمّ إنجازه من تحرير على يد المقاومة، في ربيع العام 2000». تداول السلطة وشدد سليمان على «أهميّة التمسّك بمبدأ التداول الدوري والسلمي للسلطة، وهذا ما يسمح بإجراء مثل هذا الاحتفال، وهو ما ميّزنا طوال عقود عن غيرنا من الدول، في هذا الشرق المضطرب. إلا أن حرصنا على توسيع قاعدة الحكم، بتجديد الطبقة السياسية بالانتخاب وفقاً لقانون حديث يساهم بصحة التمثيل، لا يوازيه إلا حرصنا على تطبيق الدستور والقوانين المرعية، كضمان لعدم الوقوع في إغراءات التمديد أو فخ الفراغ، في المؤسسات على مستوياتها كافة، وخصوصاً في موقع رئاسة الدولة، رمز الوطن الواحد، والسقف الضابط للسياسة الخارجية، وللمؤسسات الأمنية والقضائية والعسكرية والإدارية، والمساحة العازلة بقوة الدستور، بين مختلف الفئات والجماعات المتخاصمة والمتباعدة». وقال: «لذلك، ومع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي، أدعو القيادات المسؤولة والنواب إلى تحمّل مسؤوليّاتهم وعدم التنكّر للواجب والوكالة الممنوحة لهم من الشعب، بتأمين النصاب للجلسة الانتخابيّة، وتجنّب الوقوع في خطأ، بل في خطر الفراغ الرئاسي. ذلك أنّ تجربتي 1988 و2007 أثبتتا أنّ الفراغ يفتح الباب لتسلّل الفوضى الأمنيّة والسياسيّة والدستوريّة». ورأى أن «التطوير والتأقلم مع مستلزمات الحداثة من داخل المؤسسات أجدى وأرقى وأصحّ، من التغيير من خارج الشرعيّة الدستوريّة، ومن خارج الحوار والتوافق الذي بني عليه الكيان اللبناني. وهذا التوافق يجب ألا يكون سبيلاً إلى المحاصصة، واقتسام عائدات الدولة وخيرات الوطن. فضلاً عن أن شخصنة الاستحقاقات وتطييف المؤسسات يؤدّيان إلى فقدان شرعيّتها الوطنيّة الجامعة وإلى اجتياح قوى الأمر الواقع أطر الدولة وحدودها». ولفت سليمان إلى «أنّ الحديث عن التوافق والتوافقيّة، يدفعنا إلى استحضار الحديث السائد حيال مواصفات الرئيس العتيد، الذي يريده الشعب قوياً بقوة الإرادة الوطنية الجامعة وبقوة الدستور، وبقوة حكمته وشجاعته وتجرده. وأظهرت التجربة التاريخيّة، أن الوطن المحكوم بالموازين الدقيقة، لا يحتمل الخيارات القصوى، على مستوى الرجال والعقائد والمؤسسات، ويتطلّب الاعتدال والشجاعة والحكمة على كل مستويات الحكم والمسؤوليّة. وبقطع النظر عن الجدل القائم، إن أيّ رئيس مؤتمن على الدستور وعلى واجب المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، يحتاج بالإضافة إلى إعلاء النبرة والصوت وسقف المطالب، إلى توفير مستلزمات النجاح لرؤيته السياسيّة، خصوصاً من خلال ضمان الأداة التنفيذيّة اللازمة، وتوضيح الصلاحيات المنوطة برئيس الجمهورية، بالتماهي مع سلطة تنفيذيّة متجانسة وفاعلة، وسلطة تشريعيّة مراقبة وضابطة للإيقاعات». وأوضح أن «من هذه المبادئ، يستمد رئيس لبنان قوته، وليس من طائفته أو حزبه، وليس من الشارع أو تحالفات الخارج، أو عبر تركيز همّه وجهوده على قطف نجاح سياسة شعبوية لمصلحته الشخصية». وشدد على وجوب «أن ندرك جميعاً أنّنا على أعتاب تحوّلات واستحقاقات تاريخيّة، في الشهور المقبلة، تمهّد لصناعة المستقبل. وما يفتح نافذة الأمل هو الرهان على رغبة المواطنين في تحييد أنفسهم ولبنان عن منزلقات الفتنة والحروب، وعلى بشائر التسويات والحلول السياسيّة التي تطلّ على المنطقة، وعلى كون محيطنا العربي في مخاض يمكن، وإن طال الأمد، أن يحوّله إلى ما يشبه لبنان التعددي والديموقراطي والمنفتح والضامن للتنوّع الغني من ضمن الوحدة». وكلف سليمان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تمثيله في حضور مأتم الرئيس الراحل نيلسون مانديلا، وأبرق إلى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي معزياً بضحايا الهجوم على وزارة الدفاع.