ردد امس، سياسيون ورجال دين لبنانيون دعوات الى الاتعاظ من الحرب الأهلية التي احيا لبنان ذكرى اندلاعها من خلال نشاطات تركزت على بعض ما كان يعرف بخطوط التماس، في محلة المتحف وعند تقاطع مار مخايل الفاصل بين الشياح وعين الرمانة. واستحوذت الذكرى على حيز كبير من مواقف الزعماء اللبنانيين. وأعرب رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن أمله في أن تكون محطة 13 نيسان «في ضمير اللبنانيين وعقولهم ذكرى وعبرة»، لافتاً في تصريح أمس، إلى أن «الذكرى للتبصر في ما حصل من انقسام واقتتال بين اللبنانيين، وما رافق ذلك من خراب ودمار لا يزال بعضه ماثلاً الى اليوم. وأما العبرة، فهي في أن يعي اللبنانيون ألا سبيل لقيام الدولة التي يَصْبُون اليها إلا بالحوار والتفاهم والتلاقي تحت سقف الدستور وميثاق العيش المشترك واحترام القوانين والاعتراف المتبادل، من أجل قيام الدولة القوية القادرة التي تحمي الوطن والمواطنين وتؤمن الاستقلال والكرامة الوطنية». واعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في بيان أن «هذا اليوم يعود على اللبنانيين بذكريات موجعة، تردّهم الى واحدة من أصعب التجارب ومراحل الانقسام في حياتهم الوطنية، مرحلة ساد فيها الاقتتال والتهجير والخطف على الهوية، وأقحمت لبنان في صراعات طائفية ومذهبية وإقليمية أسست لضرب مقومات الدولة وإضعاف مؤسساتها، ونشرت الفوضى في كل أرجاء الوطن». وأضاف: «تكشف الذكرى عن حقائق الظلم الذي وقع على اللبنانيين طوال اكثر من ثلاثين عاماً، وأدى في ما أدى إليه الى قيام الدويلات الطائفية والحزبية المسلحة، وتقطيع الدولة الى إمارات تتوزعها الميليشيات ومواقعُ النفوذ الداخلي والإقليمي». ورأى أن «العبرة الحقيقية من هذه الذكرى، تتلخص في أن تبقى من الماضي، وألاّ تتحول إلى قاعدة تتكرر في مسار العلاقات التاريخية بين فئات المجتمع اللبناني، وذلك لن يكون بغير الالتزام بالدولة إطاراً جامعاً لكل اللبنانيين، مسؤولاً عن إدارة الشأن العام وحماية السيادة الوطنية وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية». وشدد على ان «أي شراكة للدولة، من أي جهة أو حزب أو طائفة، في مسؤولياتها الدستورية والقانونية والإدارية والأمنية والوطنية، تشكِّل اقتطاعاً فئوياً من دورها، يضع الجهة او الحزب او الطائفة في موقع الوصاية السياسية على كل اللبنانيين، وهذا في ذاته، يجعل من ذكرى 13 نيسان نافذةً تطل بالخطر على لبنان في كل زمان ومكان». ورأى الحريري أن «الانتقال من ذهنية 13 نيسان الى ذهنية السلام الوطني الحقيقي، بات يتطلب رؤية حقيقية تحدد مكانة الدولة في حياة اللبنانيين، ووقف مسلسل الطغيان الطائفي والمذهبي على مقتضيات العيش الوطني المشترك والكف عن جعل السلاح وسيلة للتخاطب وتنظيم قواعد الحوار بين اللبنانيين». وقال: «نقف في هذا اليوم خاشعين أمام ذكرى اللبنانيين الذين سقطوا في ساحات الحروب الداخلية، ونبتهل الى الله عز وجل أن يحمي لبنان، ويردَّ عن شعبه الظلم، ويفتح أمامه سبل الاستقرار والتقدم». ورأى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي في تصريح أن ذكرى الحرب «يجب ان تكون درساً وحافزاً لنا جميعاً لنستلهم العبر مما اصاب وطننا وشعبنا، ونسعى لتجاوز الخلافات التي تعصف بنا حالياً، ونعمل بروح المسؤولية الوطنية على تحصين وطننا ومعالجة قضايانا الخلافية بالحوار والتفاهم». وأكد ان «الغالبية الساحقة من اللبنانيين ترفض العودة الى منطق الحرب والانقسام الداخلي، وقد انطلقت فعلاً في مسار الانصهار الوطني الفعلي، لكن إنهاء الحرب لا يكون فقط بوقف إطلاق النار أو بالتناسي، بل باستخلاص العبر من دروس الماضي»، آملاً أن «تكون الأطراف السياسية المتصارعة استخلصت العبر مما حصل في الماضي القريب ومن كل الحقبات الأليمة في تاريخ لبنان وباتت على قناعة بوجوب الإنطلاق معاً نحن اللبنانيين لتحصين البنيان الوطني وحماية وطننا من التجاذبات الإقليمية والدولية». وناشد القيادات السياسية «الاقدام بشجاعة على خطوات تقرب المسافات بين اللبنانيين والتنازل في سبيل مصلحة الوطن»، كما حض الشباب على «رفض استخدامهم وقوداً في أي معارك عبثية لا تؤدي الا الى المزيد من اليأس والهجرة». ونظمت جمعية «فرح العطاء»، بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية المرئية وممثلين عن الطوائف اللبنانية، تجمعاً للمناسبة على درج المتحف الوطني، تخلله تلاوة رجال دين مسلمين ومسيحيين نداء من اجل السلام، واضاء المتجمعون في المكان الشموع احياء للذكرى، في وقت جابت بوسطة عين الرمانة التي اعيد ترميمها، احياء بيروت مذكرة بتاريخ لا يرغب اللبنانيون بتكرار احداثه. وعند تقاطع مار مخايل في ضاحية بيروت الجنوبية نظم اتحاد الشباب الديموقراطي لقاء ودياً بين اطفال كتبت على قمصانهم «طائفة 1» و«طائفة 2» حطموا خلاله جداراً من الفلين دلالة الى رفض الحرب التي قسمت الشعب. ونفذت ثانوية شحيم الرسمية، بالتعاون مع «حركة السلام الدائم» ووزارة المهجرين، مسيرةً بعنوان «تذكر، سامح، غير»، جابت أحياء البلدة والشارع الرئيسي. ورفع الطلاب خلال المسيرة الأعلام اللبنانية وشعارات تتحدث عن ان السلام هو الحل للخروج من الأزمة، ولا للحرب ونعم للسلام. ثم أقام الطلاب حواجز محبة وزعوا خلالها الزهور على المارة. «14 آذار»: خطر الحرب قائم بوجود السلاح وفي سياق الذكرى، استعادت الامانة العامة لقوى 14 آذار ذكرى اندلاع الحرب اللبنانية في 13 نيسان (ابريل) في اجتماعها الاسبوعي الذي عقدته في طرابلس أمس، واصفة في بيان لها المدينة بأنها «مدينة العيش المشترك التي حاول فرقاء محليون وإقليميون بشتى الطرق فصلها عن الوطن، لكنها أكدت في 14 آذار/مارس 2005 أنها الرائدة في انتمائها الوطني». وقالت ان الاجتماع في «ذكرى الحرب الأهلية لنؤكد أن إرادة المصالحة أصبحت في ضمير اللبنانيين بعد العهد الذي التزموا به في 14 آذار بأن يبقوا معاً موحدين، مسلمين ومسيحيين». وأكدت الامانة العامة أن «13 نيسان ليست مجرد ذكرى مؤلمة في عقول اللبنانيين، بل هي عبرة نحتتها الآلام والمآسي عندما أمعن السلاح غير الشرعي قتلاً وتدميراً في جسد وطننا بشراً وحجراً»، مضيفة أن «ذاكرة من عايش تلك السنوات المشؤومة لا تزال تضج بصور وأصوات طوابير المتجمعين حول الأفران والأوصال المقطعة وعويل النساء ويتم الأطفال وقصص المخطوفين والطرق التي يحكمها القناصون... بالمحصلة خسرنا خمس سكان لبنان بين شهيد وجريح ومعوق وخسرنا قرابة عقدين من عمر وطننا ووقعنا تحت الاحتلال والوصاية». وأضافت: «قد تكون لهذه الحرب أسباب متعددة، داخلية وخارجية أو اجتماعية واقتصادية، ولكن الحقيقة الصارخة هي أنه لم تكن لهذه الحرب أن تقع لولا انتشار السلاح غير الشرعي بين الأزقة والبيوت، ولولا وجود الميليشيات المتعددة التي لبست لبوس المقاومة في مراحل شتى». وذكرت بأنه «في 14 آذار 2005 تلا اللبنانيون جميعهم فعل الندامة عندما اعتذروا من وطنهم عن الأذى الذي لحق به، إذ اكتشفوا أن الوحدة المسيحية - الإسلامية هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقلال وبناء وطن آمن ومستقر يتساوى مواطنوه في الحقوق والواجبات في ظلال الدولة الواحدة التي لا يستقوي عليها السلاح غير الشرعي»، ومحذرة من أنه «بعد 36 سنة من ذكرى اندلاع الحرب نرى أن خطرها لا يزال قائماً ما دام السلاح غير الشرعي موجوداً». وخاطبت اللبنانيين بالقول: «إن إصراركم على المواجهة السلمية والديموقراطية لهذا المشروع هو حق لكم وواجب عليكم لأنه ضمانة لكي يعيش أبناؤكم في وطن آمن ومستقر ومزدهر، فلا ترهبكم أبداً حملات التخوين والتهويل والحق معكم والمستقبل لكم».