فوز الإمارات باستضافة معرض «إكسبو» العالمي عام 2020 على ثلاث دول، وهي روسيا وتركيا والبرازيل، وهي دول تنتمي إلى مجموعة العشرين وتحتل مراتب متقدمة على مستوى العالم استناداً إلى أحجام اقتصاداتها، وتُعتبر من الاقتصادات العالمية الناشئة التي يُتوقع ان تساهم في شكل كبير في حفز النمو الاقتصادي العالمي، يعكس اعترافاً دولياً بالمكانة التي تحتلها الإمارات عموماً ودبي خصوصاً على الخريطة العالمية للتجارة والاستثمار والأعمال بعدما أصبحت في قلب اقتصاد المنطقة ومركزاً تجارياً يربط الشرق والغرب والشمال والجنوب، ومعبراً للسلع والبضائع ورؤوس الأموال، وحلقة وصل بين الأسواق العالمية والأسواق الإقليمية الواقعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويعبّر هذا الفوز عن اعتراف دولي بما تملكه الإماراتودبي من مقومات وإمكانات واستيفائها الشروط التي تؤهلها لإنجاح ثالث أهم حدث في العالم بعد بطولة كأس العالم في كرة القدم والألعاب الأولمبية، علماً أن «إكسبو» يُقام منذ منتصف القرن التاسع عشر ويُعتبر نقطة تواصل وتلاقٍ بين الثقافات والشعوب والحضارات ويمتد لستة أشهر، وليس لشهر كما هي الحال بالنسبة إلى الأحداث العالمية الأخرى. وخلال معارض «إكسبو» كُشفت نسبة مهمة من الإنجازات البشرية من ابتكارات واختراعات وتوافرت لدول العالم فرصة عرض منتجاتها التجارية والصناعية والثقافية والفكرية. وساهم هذا المعرض في تقدم العديد من الاقتصادات ومنها، مثلاً، اقتصادا بريطانيا وفرنسا. ومدينة دبي التي تحولت خلال فترة زمنية قياسية من ميناء هادئ على ساحل الخليج إلى مركز إقليمي للسياحة والتجارة والخدمات المالية وأصبحت مدينة عالمية الطابع ونموذجاً لتعايش الثقافات وصاحبة مقومات مهمة للتطور والابتكار، تملك خبرة طويلة في تنظيم المعارض والمؤتمرات إذ تُقدَّر حصتها من القطاع ب 50 في المئة من سوق الشرق الأوسط. وتملك دبي أعلى برج وأطول شبكة مترو من دون سائق، وتبني مطاراً جديداً يُفترض ان يحتل المرتبة الأولى في العالم بعدما تصل قدرته الاستيعابية إلى 160 مليون مسافر سنوياً، وتستقطب حوالى 10 ملايين سائح سنوياً، وتربطها علاقات سياسية وتجارية مهمة مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة والدول العربية والآسيوية والأفريقية. واستطاعت دبي الفوز باستضافة «إكسبو» بعد مرور أربع سنوات فقط على تعرضها لانتكاسة اقتصادية ومالية نتيجة انهيار قطاعها العقاري إثر تداعيات الأزمة المالية العالمية وبعد سنوات من الطفرة في هذا القطاع، وواجهت الشركات المرتبطة بحكومة دبي صعوبات في تسديد ديونها الضخمة، واهتزت الأسواق العالمية في تشرين الأول (أكتوبر) 2009 عندما أعلنت «مجموعة دبي العالمية» التابعة لحكومة دبي تجميد استحقاقات ديون تبلغ قيمتها نحو 26 بليون دولار، قبل ان تنجح دبي في إعادة هيكلة الديون بعد اتفاقات مع الدائنين. وعززت التوقعات بنجاح دبي في استضافة المعرض الطلب على منتجات القطاع العقاري في الإمارة وساهمت في ارتفاعها بنسبة كبيرة، إضافة إلى تدفق أعداد كبيرة من المستثمرين بعد ثورات «الربيع العربي» بحثاً عن الأمان والاستقرار والحياة الكريمة بعيداً من المشاكل السياسية والأمنية إذ تُعتبر الإمارات مجتمعاً متعدد الثقافات تعيش كل فئاته بإلفة وتسامح، كما تتميز ببنية تحتية عالية المستوى مشيدة وفق أحدث المواصفات في العالم، وبخدمات لوجستية عالية الكفاءة، وبتجهيزات متطورة في الاتصالات والمواصلات، وبأطر تشريعية وتنظيمية متطورة. وتعتمد الإمارات سياسة الأبواب والأجواء والبحار المفتوحة وتحتل موقعاً إستراتيجياً متميزاً يمكن الوصول إليه عبر رحلات جوية مدتها أربع ساعات من ثلث دول العالم وثماني ساعات من الثلثين الباقيين. وشركة «طيران الإمارات» التي صنفت بأنها الشركة الأسرع نمواً في العالم، بادرت أخيراً إلى شراء 150 طائرة من «بوينغ» و «إرباص» بكلفة 99 بليون دولار خلال «معرض دبي للطيران» أخيراً. وسعت الإمارات على مدى عقود وسنوات إلى وضع اسمها على قائمة الاقتصادات الأكثر تطوراً في مجالات المال والأعمال والتجارة، وأصبحت أضخم سوق لإعادة التصدير في العالم، وتشغل أكثر من تسعة موانئ بحرية، ووضعت جدولاً زمنياً مدته ثلاث سنوات لتصبح عاصمة للاقتصاد الإسلامي. ويمنح الفوز باستضافة «إكسبو» مزيداً من الصدقية، والشعار الذي رفعته لهذا المعرض (تواصل العقول وصنع المستقبل) عزز تركيز ملفها على محاور من أهمها التواصل الإلكتروني والتنمية المستدامة والابتكار والإبداع وهي أمور مهمة في عالمنا الذي يشهد ثورة رقمية. ويُقدَّر ان يستضيف هذا المعرض أكثر من 25 مليون شخص خلال ستة أشهر ليشاهدوا بعضاً من أفضل ما توصل إليه العقل البشري بمختلف أعراقه وثقافاته. ان الإمارات تسعى من دون شك من خلال المعرض إلى ان توجه إلى العالم رسالة مفادها ان الشرق الأوسط ليس فقط منطقة حروب ونزاعات وتوترات. * مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»