بدا إعلان الناطق العسكري الصيني في الثالث والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) إعلاناً بيروقراطياً: على كل طائرة تحلق في «منطقة تعريف الدفاع الجوي» المحددة أخيراً في بحر الصين الشرقي ان تبلغ السلطات الصينية مسبقاً وأن تتبع تعليمات المراقبين الجويين الصينيين. جاء الرد الاميركي سريعاً. ارسل باراك أوباما في 26 تشرين الثاني قاذفتي «بي –52» للتحليق في المنطقة الجديدة من دون ابلاغ الصين. شكّلت المواجهة هذه أكبر تصعيد مقلق بين البلدين منذ 1996 عندما امر الرئيس الصيني آنذاك، جيانغ زيمين بإنشاء عدد من مناطق حظر الملاحة في مضيق تايوان لإجراء تجارب صاروخية، ما حمل اميركا على ارسال حاملتي طائرات الى هناك. وتقيم بلدان كثيرة مناطق تطلب فيها من الطائرات التعريف بهويتها، لكنها تسعى الى جعلها لا تتجاوز المناطق المشابهة لدى البلدان الأخرى. منطقة تعريف الدفاع الجوي الصيني الجديدة تتداخل مع منطقة الدفاع الجوي الياباني. وتشمل ايضاً بعضاً من الجزر الصخرية التي تديرها اليابان وتطلق عليها اسم جزر سنكاكو (تطالب الصين بها وتسمّيها دييايو)، اضافة الى شعاب تتبع كوريا الجنوبية تعرف باسم آيودو. جلي ان الخطوة مصممة لتعزز مطالب الصين. وفي 28 تشرين الثاني، ارسلت اليابان وكوريا الجنوبية طائرات الى المنطقة. ترافق تنامي القوة العسكرية الثقة الزائدة بالنفس على المستوى الاقليمي. لا بأس في ذلك ما دام سلوك القوة الصاعدة يظل ضمن الأعراف الدولية. ولكن في الحالة هذه لم تلتزم الصين بتلك الأعراف؛ والولايات المتحدة التي ضمنت حرية الملاحة في بحور شرق آسيا وفضائها طوال ستين عاماً محقة في توضيح ذلك. القلق الذي تثيره خطوة الصين يرتبط جزئياً بالتفكير الذي نبعت منه. قد يكون الامر أشبه بحركة قوية من مراهق لا يعرف مدى قوته، فقد قللت الصين من خطر الأثر الذي تتركه أعمالها. والادعاء ان القاذفتين الاميركيتين تجنبتا منطقة الدفاع الجوي الجديدة متهور تهوراً محرجاً. بيد أن المراهقين الذين لا يقدرون عواقب اعمالهم غالباً ما يواجهون المشكلات: قدمت الصين «ذريعة حرب» بينها وبين جيرانها وأميركا ستبقى لأجيال مقبلة. وسيكون أمراً مثيراً لقلق أكبر اذا ظهر انه استفزاز متعمد. و «الحلم الصيني» للرئيس الجديد سي جيبنغ، مزيج من الاصلاح الاقتصادي والقومية المتشددة. وجاء اعلان منطقة الدفاع الجوي الجديدة بعد فترة وجيزة على اجتماع موسع للحزب (الشيوعي الصيني) الذي اعلن سي أثناءه سلسلة من الإصلاحات الداخلية الجذرية. المنطقة الجديدة ستجذب المعسكر القومي الذي يحوز سلطة هائلة خصوصاً في القوات المسلحة. كما ستساعد سي في مواجهة أي اقاويل بأنه ليبرالي ذو ميول غربية. إذا كانت هذه لعبة سي، فهي خطيرة. ولم يشهد شرق آسيا وجود صين ويابان قويتين في آن. هيمنت الصين على المنطقة منذ بدايات التاريخ حتى اواسط القرن التاسع عشر عندما حمل وصول الغرب اليابان على تطوير نفسها فيما حاولت الصين مقاومة نفوذ الاجانب وهي ترغب في اعادة تأسيس هيمنتها على المنطقة. تعزز الرغبة هذه مرارة ذكرى الاحتلال الياباني الهمجي اثناء الحرب العالمية الثانية. وتقف وراء امكانية الصدام بين قوة راسخة وأخرى صاعدة المقارنات التي يكثر اللجوء اليها بين شرق آسيا اليوم وأوروبا اوائل القرن العشرين حيث تؤدي جزر سنكاكو دور ساراييفو. لكن التوتر ليس على هذا المستوى. فدستور اليابان يمنعها من شن أي عدوان عسكري كما سارت الصين شوطاً بعيداً لضمان ان يكون صعودها سلمياً، خلافاً لليابان في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. بيد ان الجيران يشعرون بالتوتر خصوصاً أن انشاء منطقة الدفاع الجوي الجديدة يشبه طموحات بكين في بحر جنوبالصين. وتُظهر الخرائط الصينية ما يعرف ب «خط الفواصل التسع» المحيط بكل بحر جنوبالصين. ويقول بعض المراقبين ان حكومة الصين تتوسل منطقة الدفاع الجوي الجديدة لإنشاء «خط بتسع فواصل» يشمل بحر الصين الشرقي كذلك. ويخشون من ان تكون خطوة الصين المقبلة اعلان منطقة دفاع جوي تغطي بحر جنوبالصين لضمان سيطرتها على البحر والفضاء في تلك المنطقة. وسواء كان للصين مثل هذا الطموح او لم يكن، فمنطقة الدفاع الجوي تشير اشارة واضحة الى ان بكين لا تقبل الوضع القائم في المنطقة وتريد تغييره. ويمتلك كل القادة الصينيين الآن حجة لمطاردة الطائرات اليابانية. وباتت السفن الصينية تتجاهل الطلبات اليابانية بعدم دخول المياه المحيطة بالجزر المتنازع عليها. ما الذي يمكن فعله؟ يصل نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الاسبوع المقبل الى الصين. ويعرف بايدن وسي بعضهما جيداً. فقبل ان يصبح سي رئيساً، امضى خمسة ايام في اميركا بناء على دعوة من بايدن الذي سيذهب ايضاً الى كوريا الجنوبيةواليابان. لم يؤخذ «التحول» الاميركي نحو آسيا على محمل الجد: ويُنظر الى اوباما كرئيس مشتت بفعل مشكلاته الداخلية. وفي وسع بايدن ان يوضح التزام اميركا حرية الملاحة في المنطقة. وتحتاج اليابان وكوريا الجنوبية اللتان تتصارعان حول مسائل هامشية الى ان يقال لهما ان يتجاوزا خلافاتهما. وبالنسبة الى الصين، عليها ان تتصرف كقوة عالمية مسؤولة وليس كمفتعل مشاكل يرغب في التضحية بستين عاماً من السلام في شمال شرقي آسيا في سبيل تسجيل بضع نقاط بسيطرته على عدد من الصخور القاحلة. * افتتاحية، «ذي ايكونوميست» البريطانية، 30/11/2013، إعداد حسام عيتاني