كبح حديث وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس، عن «فجوات مهمة» لم تُسَدّ، تكهنات باحتمال إبرام إيران والدول الست المعنية بملفها النووي، اتفاقاً خلال جولة المحادثات في جنيف، يمهد لتسوية النزاع المتأجج منذ أكثر من عقد. وربما يأمل كيري بأن يهدّئ تصريحه غضباً أثارته إشارات إلى تقدّم سريع في المفاوضات، لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي أبلغ الوزير الأميركي خلال اجتماع «متوتر» في مطار بن غوريون قرب تل أبيب، أن الدولة العبرية «ترفض كلياً» اتفاقاً اعتبره «سيئاً جداً» و «صفقة القرن بالنسبة إلى إيران». وحضّ كيري على «عدم التسرع بالتوقيع، بل أن ينتظر ويراجع موقفه، ويحصل على اتفاق جيد»، مشدداً على أن «إسرائيل ليست مُلزَمة بهذا الاتفاق، وستفعل ما عليها فعله، للدفاع عن نفسها وأمن شعبها». وعلّق ناطق باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما على انتقادات نتانياهو، مذكراً بأن «لا اتفاق» بعد في جنيف، ومعتبراً أن «أي انتقاد للاتفاق سابق لأوانه». وكان أوباما سعى إلى طمأنة إسرائيل، إذ أشار إلى أن محادثات جنيف «ليست مخصصة لتخفيف العقوبات» على طهران، وزاد: «عملنا ليس أن نثق بالإيرانيين، بل أن نضع آليات تمكّننا من التحقّق ممّا يفعلونه ولا يفعلونه، في ما يتعلّق ببرنامجهم النووي». وأشار إلى إمكان إبرام «اتفاق على مراحل» يتضمن في الأولى «تخفيفاً متواضعاً جداً» للعقوبات، مع «إبقاء هيكلها قائماً». وكرر أنه «لن يسحب أي خيار عن الطاولة، بما في ذلك الخيار العسكري، لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي». ونقلت وكالة «رويترز» عن ديبلوماسي غربي، أن غضب إسرائيل من الاتفاق المحتمل سيسهّل مهمة الرئيس حسن روحاني في تسويقه في بلاده، خصوصاً لدى المتوجسين من أي تقارب مع الولاياتالمتحدة. وكان ديبلوماسيون من وفدي إيران والدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، أشاعوا في جنيف أجواء تفاؤل بإمكان إبرام اتفاق وشيك، ما حدا بكيري ونظرائه في فرنسا لوران فابيوس وبريطانيا وليام هيغ وألمانيا غيدو فيسترفيله وروسيا سيرغي لافروف للتوجّه إلى العاصمة السويسرية. وأعلنت الخارجية الأميركية أن كيري سيعقد لقاءً ثلاثياً مع نظيريه الإيراني محمد جواد ظريف والأوروبية كاثرين آشتون، ل «المساعدة في تقليص الخلافات في المفاوضات». ويتضمن الاتفاق المقترح بين إيران والدول الست، تخفيفاً تدريجياً للعقوبات المفروضة على طهران، بما في ذلك الإفراج عن أصول مالية إيرانية مجمدة في الغرب مقدارها 50 بليون دولار، في مقابل وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. ونقلت وكالة «مهر» عن عضو في الوفد الإيراني إن طهران أبلغت الدول الست وجوب درس تخفيف العقوبات المصرفية والنفطية، في المرحلة الأولى من أي اتفاق. وخفّف كيري أجواء التفاؤل، إذ نبّه لدى وصوله إلى جنيف إلى وجود «فجوات مهمة يجب سدّها». وأضاف أن «لا اتفاق بعد» بين الجانبين، مستدركاً: «نأمل بتقليص الخلافات». وكان الوزير الأميركي قال لشبكة تلفزة إسرائيلية إن واشنطن لن تبرم «صفقة سيئة تتركنا أو أياً من أصدقائنا، عرضة لبرنامج تسلح نووي». وزاد: «نطلب من (الإيرانيين) تجميداً كاملاً (في التخصيب) لما هم عليه الآن». أما وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فلفت إلى «أسئلة أساسية لم تُسوَّ بعد»، مستدركاً: «لكننا نعمل في جنيف لإنجاز ذلك إذا أمكن». ونسبت وكالة «فرانس برس» إلى ناطقة باسم رئاسة الحكومة البريطانية، أن «المحادثات في جنيف بلغت مرحلة مهمة»، فيما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون إنه والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «متفقان على أن محادثات بنّاءة في جنيف، تتيح فرصة لإحراز تقدّم حقيقي». ونقلت وكالة «فارس» عن «مصدر ديبلوماسي» ترجيحه تمديد جولة المفاوضات إلى اليوم، فيما أفادت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا) بأن ظريف وآشتون ناقشا أمس «حصيلة المفاوضات التي انتهت في جنيف»، مضيفة أن الوزير الإيراني التقى أيضاً ممثلي روسيا والصين، ل «إعداد نص مشترك لاتفاق إطار» حول الملف النووي. واعتبر رئيس الوفد الإيراني نائب وزير الخارجية عباس عراقجي أن المحادثات «بلغت مرحلة حساسة ومعقدة»، معتبراً أن «اللقاءات على مستوى بارز باتت ضرورية». وكرّر إصرار طهران على حقها في تخصيب اليورانيوم، مستدركا أنها مستعدة ل»التفاوض على حجمه ونوعه ونسبته». وتزامنت تطورات المحادثات في جنيف مع إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مديرها العام يوكيا أمانو سيزور طهران بعد غد، حيث سيلتقي «مسؤولين بارزين» لتعزيز «الحوار والتعاون»، كما سيجتمع خبراء من إيران والوكالة، ل «مناقشة مسائل تقنية».