تتعامل قيادات بارزة في قوى 14 آذار مع التقرير الديبلوماسي المنسوب إلى سفير الولاياتالمتحدة الأميركية في لبنان ديفيد هيل وفيه أنه يدعم تشكيل حكومة جديدة بنسبة 9+9+6 على أنه محاولة «لتهبيط الحيطان» لدفعها إلى التسليم بهذه الصيغة وعدم اللجوء إلى مقاومتها أو الاعتراض عليها. وتعزو السبب إلى أن هيل لا علم له بذلك «التقرير» وهذا ما تبلغته منه في عشاء عمل جمعه منذ أيام برئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والنائب مروان حماده وآخرين في حضور سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان انجيلينا ايخهورست والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في بيروت ديريك بلامبللي. وتؤكد مصادر مقربة من هذه القيادات ل «الحياة» بأن هيل سارع فور الترويج لتأييده هذه الصيغة إلى الاتصال بالرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة تمام سلام وآخرين نافياً ما أشيع عن لسانه لجهة تأييدها. أميركا والأرقام وتنقل المصادر عن هيل قوله إن بلاده لا تتدخل بلعبة الأرقام في توزيع المقاعد الوزارية على الكتل النيابية، وإن ما يهمها هو السعي الحثيث لتشكيل الحكومة لقطع الطريق على إحداث فراغ في المؤسسات الدستورية في حال تعذر انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للرئيس الحالي ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في 25 أيار (مايو) المقبل. وتضيف بأن هيل أبلغ من يعنيهم الأمر بأن بلاده لا تعترض على تمثيل الجناح المدني في «حزب الله» في الحكومة، باعتبار أنها بالتفاهم مع دول الاتحاد الأوروبي، تميز بين الجناح «المدني» والآخر «العسكري» في الحزب، وأن ما يهمها الموقف السياسي للحكومة وبيانها الوزاري بسبب وجود حاجة ماسة لقيام هذه الحكومة كشرط لتستأنف مساعداتها العسكرية للجيش اللبناني. وتسأل المصادر، مع أنها تعتقد بأن كل ما نسب إلى هيل في خصوص تشكيل الحكومة العتيدة لا يمت للحقيقة بصلة، ما الذي تغير حتى تبادر بعض الأطراف الرئيسة في «قوى 8 آذار» للاستقواء بالموقف الأميركي على شريكها في الوطن وكانت تنظر إليه قبل معاودة المفاوضات بين واشنطن وطهران على أنه «الشيطان الأكبر»؟ وإذ تعترف مصادر مقربة من مصدر القرار في قوى 14 آذار بأن معاودة المفاوضات الأميركية - الإيرانية تسببت بإرباك إدارة الرئيس باراك أوباما تؤكد في المقابل بأن هذا الإرباك تلمسه من خلال اللقاءات التي تعقد بين قيادات لبنانية من جهة وبين السفير هيل وعدد من سفراء الاتحاد الأوروبي في لبنان. وتتابع المصادر نفسها بأن هيل وعدداً من السفراء الأوروبيين باتوا على علم بأن قوى 14 آذار لن تستسلم للأمر الواقع ولن يكون في مقدور أحد أن ينتزع منها توقيعها على حكومة يمكن أن تشكل استمراراً للوضع الراهن، وبالتالي ستلجأ إلى المقاومة المدنية في تصديها لكل المحاولات الرامية إلى فرض صيغة حكومية لا تنسجم مع تمسكها بإعلان بعبدا وبخروج «حزب الله» من معادلة القتال الدائر في سورية. وتضيف: مع أن هيل أكد بأن بلاده ليست طرفاً في لعبة الأرقام أو في توزيع الحصص الوزارية على الأطراف السياسيين باعتبار أنها مسألة داخلية بامتياز، فإن قيادات 14 آذار جددت رفضها الانجرار إلى أي بحث في مسألة توزيع المقاعد الوزارية أو الدخول في الحسابات الرقمية ما لم يسبقها تفاهم على الإطار السياسي العام للحكومة ودورها في المرحلة الراهنة وإلا سينتقل الاشتباك السياسي إلى داخلها. توافق على البيان الوزاري وتؤكد بأن الدور السياسي المطلوب من الحكومة لا يمكن التفاهم عليه إلا من خلال التوافق على البيان الوزاري لأنه وحده يشكل الضمانة لإعادة الهدوء إلى البلد ويفتح الباب أمام الحفاظ على الاستقرار العام ويقطع الطريق على لجوء أي طرف متضرر إلى تهديده للعودة بلبنان إلى الوراء. وتسأل المصادر كيف يمكن أن نعيد الاستقرار إلى لبنان في ظل تعذر التفاهم على البيان السياسي، وتقول: «إذا كانت بعض الأطراف الرئيسة في قوى 8 آذار هي الآن في مرحلة إعادة النظر بموقفها من الولاياتالمتحدة على خلفية فتح قنوات الاتصال بين الأخيرة والجمهورية الإسلامية في إيران فلماذا لا تستغل مثل هذا الانفتاح وتسارع إلى تشكيل حكومة أمر واقع بدعم من واشنطن ونحن من جانبنا لا يسعنا إلا «مباركة» مثل هذه الخطوة». وتعتبر المصادر عينها بأن الترويج لموقف أميركي مستجد من تشكيل الحكومة يهدف إلى أمرين الأول الضغط على رئيس الجمهورية والثاني الإمعان في التأثير على موقف رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط المؤيد لصيغة 9+9+6 التي سبق لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أن طرحها كبديل عن حكومة تتألف من 8-8-8، على رغم أنها تستبعد تأييد الرئيس ميشال سليمان لهذه الصيغة في ضوء الموقف الذي نقله إليه السنيورة لجهة تمسكه بإعلان بعبدا وخروج حزب الله من سورية كأساس للبحث في الصيغة الوزارية. وتؤكد بأن سليمان الذي كان رفض توفير الغطاء السياسي لحكومة أمر واقع يشكلها سلام حتى لو اعترض عليها فريق 8 آذار فإنه سيكرر موقفه من أي حكومة يمكن فرضها على قوى 14 آذار. تواصل الكتل إلى ذلك، تتوقف الأوساط السياسية أمام موجة التواصل التي بدأها عدد من الكتل النيابية في اتجاه الكتل الأخرى، من موقع الاختلاف بينهما حيال أبرز القضايا السياسية العالقة والتي ترفع من وتيرة الاحتقان السياسي الذي يرتد تأزماً على الجهود الرامية إلى إيجاد مخرج يؤمن التسريع في ولادة الحكومة الجديدة. وعلمت «الحياة» أن تكتل التغيير والإصلاح برئاسة العماد ميشال عون شكل وفداً نيابياً للقاء وفد من كتلة «المستقبل» يعقد الخميس المقبل في البرلمان فيما يتواصل عبر قنوات محدودة مع حزب «القوات اللبنانية» ويلتقي في حوار مع الحزب التقدمي الاشتراكي. وتسأل المصادر النيابية عن السر في تبادل «الود» المفاجئ بين معظم الكتل النيابية والذي يتمثل باندفاع «التيار الوطني الحر» في اتجاه خصومه السياسيين وأيضاً بتواصله مع زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية من خلال قنوات الاتصال المفتوحة بين الفريقين والتي لن توقفها المبارزة بينهما على معركة رئاسة الجمهورية. كما تسأل هذه المصادر عن تحرك حزب «الكتائب» في اتجاه الحزب «التقدمي» والذي يتجاوز توجيه الدعوة للأخير لحضور المهرجان الذي يقيمه في «البيال» في وسط بيروت لمناسبة عيده التأسيسي إلى التأسيس لمرحلة جديدة خصوصاً أن الوفد الكتائبي الذي شارك في اللقاء يعتبر كما نقل عنه بأن هناك مساحة مشتركة للقاء بينهما أكثر من تلك التي تجمعه بعدد من حلفائه؟ ومع أن «الكتائب» أخذ يروج لمبادرة سيطلقها رئيس الحزب، رئيس الجمهورية السابق، أمين الجميل في هذه المناسبة هناك من يعتقد بأن الأخير بات على قناعة بضرورة تمييز موقفه عن بعض حلفائه في 14 آذار وأنه يتموضع في المكان الذي يسمح لها بلعب دور في التواصل. إلا أن اللقاء المرتقب بين «تكتل التغيير» و «المستقبل» وإن كان يأتي في إطار القرار الذي اتخذه الأول بالانفتاح على جميع الأطراف فإنه يتميز بنكهة سياسية خاصة في ضوء ما يتردد من أن العماد عون يدرس الآن إمكانية إعادة تموضعه في منتصف الطريق بين الأطراف المتنازعة. ويأتي هذا اللقاء في ظل ما يشاع أخيراً من أن لعون ملاحظات على أداء بعض حلفائه الذين لم يدعموه في رفضه التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وأيضاً في التمديد للبرلمان، ولا في مطالبته بإصدار دفعة من التعيينات الإدارية التي وضعت الآن في الثلاجة بسبب استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إضافة إلى أن هناك من يصنّف هذا اللقاء في خانة إصرار «الجنرال» على توجيه إنذار لحلفائه في ضوء اتهامه لبعضهم بأن لا جاهزية لديهم الآن للانخراط في مشروع الدولة. وعليه فإن عون قرر أن يطلق إشارات سياسية في أكثر من اتجاه وهناك من يعزو السبب إلى أنه يهدد بالانفتاح احتجاجاً على ما تردد أخيراًَ من أن القوى الرئيسة في 8 آذار يمكن أن تخوض معركة الرئاسة الأولى بدعم ترشح فرنجية. وإن الانفتاح المفاجئ الذي تشهده الساحة في ظل عدم انضاج الظروف لدعوة رئيس الجمهورية لاستئناف الحوار، يمكن أن يبقى في إطار تبادل «الود» في الوقت الضائع إلا إذا كان عون يفكر في إعادة النظر في تحالفاته على رغم أنه من السابق لأوانه الخوض في هذه المسألة.