يفتح الاختلاف على مشروع اللقاء الأرثوذكسي للانتخابات النيابية في لبنان الباب أمام إعادة خلط الأوراق السياسية، ولو مرحلياً، من خارج الاصطفاف المعهود بين قوى 8 آذار وقوى 14 آذار في محاولة للبحث عن بدائل تؤمن التوافق على قانون انتخاب جديد من شأنه، كما تقول مصادر وزارية، ان يمنع قيام «متاريس» بين الطوائف اللبنانية، خصوصاً أن الاجتماع الذي رعاه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في حضور رئيس الجمهورية السابق رئيس حزب الكتائب أمين الجميل ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وزعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، لم ينته الى تبني المشروع الأرثوذكسي كما أخذ يروج عدد من نواب «التيار الوطني الحر». وتقول مصادر وزارية ل «الحياة» إن موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان الرافض ل «الأرثوذكسي» كان حاضراً بامتياز على جدول أعمال المجتمعين في بكركي، لا سيما ان بعض الذين شاركوا فيه يأخذونه بعين الاعتبار وان اتهام الرئيس بالخروج عن الإجماع المسيحي ليس في محله، لأنه لم يكن يبني مواقفه من القضايا الرئيسة من منطلق طائفي. وتؤكد المصادر أن دعوة الراعي الى التوافق على قانون انتخاب جامع تعكس الاختلاف في وجهات النظر بين المجتمعين من جهة، وتكمن في رغبته بإطلاق حوار مفتوح لإيجاد قانون انتخاب بديل. وتضيف ان الراعي يتفهم موقف سليمان ولن يكون بعيداً من الاعتبارات التي أملت عليه رفض المشروع الأرثوذكسي، إضافة الى انه لن يدير ظهره لردود الفعل المعارضة له وتحديداً من المكونات الأرثوذكسية الرئيسة، أكانت روحية أو زمنية، إضافة إلى رفضه من تيار «المستقبل» و «جبهة النضال الوطني». ماذا دار في اجتماع بكركي؟ وتعتبر المصادر أن الاجتماع أدى إلى تظهير أكثر من نقطة تلاق بين الراعي والجميل الذي أبدى مرونة في الانفتاح على الآخرين وفي الوقوف الى جانب رئيس الجمهورية. وتقول إن غياب رئيس حزب «القوات» اللبنانية سمير جعجع عن الاجتماع لم يكن لسبب أمني فقط، انما لاعتبارات سياسية دفعت في اتجاه تراجع التأييد للمشروع الأرثوذكسي على قاعدة استعداده ليعيد النظر في تموضعه السياسي لأن لا مصلحة له في تعريض قوى 14 آذار إلى مزيد من التصدع وفي تهديد علاقته برئيس تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي وإن فضل عدم الدخول على خط التصادم مع حليفيه رئيسي الكتائب و «القوات»، فإنه في المقابل لا يخفي أمام زواره التعبير عن عتبه لموقفهما الذي استغله عون. وترى مصادر نيابية في 14 آذار أن حلفاء رئيسي «الكتائب» و «القوات» لا يعترضون على حقهما في تحسين شروطهما في أي قانون انتخاب جديد في حال تعذر عليهما تسويق القانون القائم على اعتماد الدوائر الصغرى في الانتخابات، لكنهم يأخذون عليهما أن عون نجح في جرِّهما ولو لفترة من الزمن إلى ملعبه الانتخابي. موقف «الطاشناق» أما في شأن موقف حزب «الطاشناق» من «الأرثوذكسي»، فكشفت مصادر نيابية وحزبية على تواصل مع قيادته، أن الحزب لا ينظر الى المشروع على أنه خياره الأمثل وان كان يفضله في غياب الخيارات الأخرى على قانون 1960. ويعزو السبب الى انه يمثل أكثر من ثمانين في المئة من الناخبين الأرمن في كل لبنان، ومع ذلك تمثَّل بمقعدين نيابيين، الأول في المتن الشمالي والثاني في دائرة بيروت الثانية بعد التوافق الذي أنتجه مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة، بينما تتمثل الأحزاب والقوى البرلمانية الأخرى ب 4 مقاعد في البرلمان. وتقول المصادر النيابية إن «الطاشناق» ما زال منسجماً مع موقفه في مجلس الوزراء الداعم للمشروع الذي أحالته الحكومة على البرلمان والقائم على اعتماد النظام النسبي، وإن المصلحة الآنية للحزب وإنْ كانت تقتضي التأييد الموقت «للأرثوذكسي» لأنه يعيد له حقه في تصحيح التمثيل الأرمني، فإنه يتخوف من أن يؤدي هذا المشروع إلى إقامة متاريس بين الطوائف وصولاً إلى عزل بعضها عن الآخر، ولهذا ليس له أي اعتراض على التوافق على قانون بديل. بري والهواجس أما بالنسبة الى موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري من «الأرثوذكسي»، فتؤكد مصادر مقربة منه أنه يتعامل معه وكأنه تعبير عن ذروة الهواجس لدى المسيحيين، خصوصاً إذا ما أخذت بعين الاعتبار مخاوفهم من كل ما يحصل الآن في الجوار، لكنه في المقابل يعتبر أن استيعاب هذه الهواجس ومنعها من أن تتفاعل على الساحة اللبنانية، لن يكون إلا بالوصول الى قانون يدعوهم الى الاطمئنان بأن هواجسهم في طريقها إلى التبديد. وتضيف المصادر أن بري كان سبق وأعلن في أكثر من مناسبة أنه يؤيد ما يُجمع عليه المسيحيون، مبدياً تحفظه عن أي قانون يحظى برفض من مكونات أساسية في البلد، وبالتالي عدم رغبته في دعوة الهيئة العامة في البرلمان للانعقاد من أجل النظر في قانون يغيب عنه بعض هذه المكونات. وتلحظ هذه المصادر، في تفسيرها لخلفية موقف بري، أنه لن يتحرر من تحالفه مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أو يُقدم على إطاحة الميثاقية، في إشارة الى عدم توفير ذريعة لهذا المكون أو ذاك ليرفض مشروع قانون انتخاب يدفعه الى الغياب عن الجلسات المخصصة لمناقشته. وتعتقد مصادر مواكبة لموقف بري أن الأخير يُحسن التصرف في الوقت الضائع قبل أن يطرح قانون الانتخاب على بساط البحث، وتقول ان تأييد ممثله في اللجنة الفرعية النائب علي بزي للمشروع الأرثوذكسي لا يعني أن موقفه ثابت وغير قابل للتعديل، بمقدار ما انه أراد أن يبيع «التيار الوطني الحر» هذا الموقف ليمون عليه لاحقاً في إقناعه بإعادة النظر في خياره. وتضيف ان بري لا يستطيع ان يمون على عون في حال لم يؤيد «الأرثوذكسي» ليتلاقى مع حليفه «حزب الله» في موقف موحد بدلاً من الظهور وكأنهما على تباين يدفع البعض الى استغلال هذا التناقض والبناء عليه، على رغم ان واقع الحال بينهما ليس كذلك. وتسأل المصادر عينها ما إذا كان بري سيكون طرفاً في السباق الانتخابي الى جانب عون ويستمر في موقفه حتى نقطة الوصول، أم أنه في الوقت المناسب سيكون له الموقف الاعتراضي ليلتقي في تأييده لمشروع الحكومة مع رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي، الذي ينظر الى «الأرثوذكسي» على انه سيلقى معارضة في نهاية المطاف ولن يعمِّر طويلاً، كما تقول جهات مقربة منه، لأنه يشكل طعنة للميثاق الوطني. كما أن بري يضع اللوم بالدرجة الأولى على قوى 14 آذار في إيصال النقاش حول قانون الانتخاب الى ما وصل اليه الآن، وأنها لو وافقت على النظام النسبي «لكنا في غنى عن السجال الدائر الآن»، علماً ان موقف حليفه جنبلاط منه جاء طبق الأصل لموقف المعارضة. رد «المستقبل» ويعتبر تيار «المستقبل»، بدوره، ان التذرع بموقفه من «النسبي» ليس في محله، باعتبار ان هذا المشروع يأتي في ظل استمرار السلاح وعدم وضعه تحت كنف الدولة، وبالتالي لم يأت على قياس البلد وإنما تلبية لطموحات قوى 8 آذار في السيطرة على البرلمان. وتقول مصادر في «المستقبل»: «لا نعرف لماذا يحمّلنا البعض مسؤولية اعادة الاعتبار الى المشروع لأننا نرفضه ويطلب منا ان يكون البديل التسليم له بقانون يتيح له حصد أكبر عدد من المقاعد في البرلمان». أين يقف جعجع؟ بالعودة الى موقف جعجع، لا بد من الإشارة الى أنه كان أبلغ وفد «جبهة النضال الوطني» برئاسة وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي عندما التقاه في معراب، أنه لا يتضرر من النظام النسبي في حال تعديله، لكنه يرفض أن يتسبب بتراجع نفوذ حلفائه في قوى 14 آذار في البرلمان على حساب حصوله على مقاعد إضافية. ومع أن جعجع لم يتحدث ولو لمرة واحدة أمام حلفائه عن جنوحه باتجاه تأييد «الأرثوذكسي»، فإنه اضطر للدخول في مزايدات مسيحية مع عون من دون أن يفصح عن الأسباب التي دفعته الى تعديل موقفه، على رغم ان البعض يعزو الأمر إلى انه لن يقبل بأن يتزعم «التيار الوطني» بعد الآن أكبر كتلة نيابية، وأن في وسعه أن يُحدث انقلاباً لمصلحته في معادلة التمثيل النيابي المسيحي. هل من فرصة لخلطة نيابية؟ الى ذلك، تسأل المصادر عن إمكان التوصل الى بدائل تؤدي الى سحب «الأرثوذكسي» من التداول بذريعة أنه لا يكفي رفضه من دون أن يأتي مقروناً بمشروع بديل؟ وهذا ما شدد عليه الراعي في اجتماع بكركي. وكشفت المصادر أن اللقاء الأخير الذي عقد بين رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة ووفد «جبهة النضال» برئاسة العريضي وفي حضور مسؤولين من «المستقبل»، توقّف أمام ضرورة السعي من أجل وضع تصور لقانون الانتخاب يجمع بين قانوني 1960 والدوائر الصغرى، مع ان سليمان يعارض أي خلطة انتخابية لا تنطلق من تبني النظام النسبي. عون وحلفاؤه وعليه، فإن عون، مع أن لا قيمة سياسية تنفيذية لما سيصدر عن لجنة الانتخاب الفرعي اليوم، يحاول أن يستبق الاجتماع بعقد لقاء ثلاثي يجمع «تكتل التغيير» بحليفيه «حزب الله» و «أمل»، محاولاً تجديد «البيعة» للمشروع الأرثوذكسي وقطْعَ الطريق على ما يشاع في الوسط السياسي، عن أن حليفيه لن يكملا المشوار معه حتى آخر الطريق وأنهما سيضطران للدفاع عن مشروع الحكومة، لكنهما يتريثان حالياً من أجل تهدئته، على رغم أن الحزب لا يبدو مستعجلاً لتغيير موقفه، على الأقل في المدى المنظور، لأنه لا يريد التفريط بعلاقته الاستراتيجية به.