ترجح مصادر رسمية متصلة بالرئيس اللبناني ميشال سليمان أن يتطلب الخروج من مأزق الفراغ الحكومي الراهن في لبنان، ومن احتمال حصول الفراغ الرئاسي في الربيع المقبل، الذي يلوح في الأفق، البحث عن تسوية من الأزمة السياسية تشمل أموراً عدة في وقت واحد، أبرزها صيغة تأليف الحكومة والاستحقاق الرئاسي وتدخل «حزب الله» في سورية ومسألة السلاح على غرار تسوية اتفاق الدوحة التي أدت إلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان وتأليف الحكومة في حينه والاتفاق على قانون الانتخاب. وترى هذه المصادر أن آفاق الحلحلة في ما يخص تأليف الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس المكلف تمام سلام تبدو مسدودة بفعل العقبات القائمة أمام ولادتها والشروط التي تتوالد في هذا الشأن، لارتباط الوضع اللبناني بالصراع الإقليمي القائم. وتقول هذه المصادر إن شروط التمديد للرئيس سليمان غير متوافرة، ومع استمرار مراهنة بعض الأطراف على أن يعود سليمان عن رفضه لهذا الخيار، فإن هذه الفرضية لا تبدو قابلة للتطبيق لأن قوى 8 آذار بدورها حاسمة في معارضتها بقاء سليمان في سدة الرئاسة إما لأن لديها مرشحين للمنصب في إطار سعيها إلى إعادة تشكيل السلطة في البلد وفقاً لنظرتها إلى مستقبل الوضع الإقليمي وبالتالي الداخلي، وإما لأن أطرافاً فيها مثل زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية كانا حاسمين في معارضة هذا الخيار، وإما لأن السياسة التي يتبعها الرئيس الحالي تعاكس توجهات «حزب الله» الإقليمية ودوره منذ فترة. وتضيف المصادر أنه مع تحذير الجميع من استمرار الفراغ الحكومي ومن الفراغ الرئاسي المقبل، فإن أياً من الأطراف لا يقترح حلولاً لمعالجة ذلك، في وقت فتحت معركة الرئاسة الأولى، عبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في 1 أيلول (سبتمبر) الماضي حين تحدث عن مواصفات الرئيس، ثم عبر تكتل عون النيابي يوم الجمعة الماضي، إضافة إلى تصريحات رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط في هذا الصدد. غياب الرعاية الإقليمية وتقول مصادر سياسية معنية بجهود حلحلة العقد أمام تأليف الحكومة إن الخيارات المطروحة هي التي تبقي على عوامل الأزمة قائمة ومنها ما طرحه النائب جنبلاط في تصريحاته لجريدة «السفير» الأسبوع الماضي عن أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي يمكنها أن تحكم وتناط بها صلاحيات الرئاسة ولأن حكومة أخرى يرفضها «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري ستكون غير ميثاقية كما أبلغه بري. لكن أوساطاً سياسية متعددة ترى أن تسوية مثل اتفاق الدوحة غير واردة في هذه الظروف لأن الرعاية الإقليمية والدولية لها غير متوافرة لانشغال القوى الكبرى الإقليمية والدولية بالأزمة السورية وبالتطورات المتعلقة بالانفتاح الأميركي - الإيراني. وفي وقت يقول الرئيس سلام إن دعوته إلى تسهيل قيام الحكومة مع الرئيس سليمان، تهدف إلى تمهيد الطريق لتفادي الفراغ الرئاسي المقبل، لأن ولادتها تعني أن باستطاعة الفرقاء التوافق على انتخاب رئيس جديد، فإن العقبات نفسها ما زالت قائمة أمام التأليف. وتشير المصادر السياسية إلى أن المطروح عكس ذلك أي قيام حكومة تملأ الفراغ في الرئاسة، إذا بلغنا الاستحقاق من دون انتخاب رئيس جديد وأن استعجال سليمان الحكومة هدفه قيام حكومة غير الحالية، التي لا تصلح لتسلّم سلطات الرئاسة الأولى لأن فريقاً أساسياً مبعد عنها، والأفضل أن تتسلم سلطات الرئاسة حكومة غير منحازة أو تضم جميع الفرقاء تمهيداً لانتخاب رئيس جديد. وترى المصادر أنه بعد رفض قوى 8 آذار صيغة 8+8+8 للحكومة وإعلان جنبلاط سقوطها تدور الخيارات بين إعلان جنبلاط تأييده لصيغة 9+9+6، التي تلبي شرط 8 آذار الحصول على الثلث المعطل، مع إعطاء هذا الحق ل 14 آذار أيضاً، وبين عودة قيادات قوى 14 آذار إلى اقتراح قيام الحكومة الحيادية، بعدما كانت قبلت ضمناً التخلي عنها لمصلحة الثلاث ثمانيات، إثر تفجيري الضاحية الجنوبية وطرابلس في آب (أغسطس) الماضي. وتضيف المصادر: «لا هذه ولا تلك تحوز التأييد أو قابلة للتطبيق، وإذا كان جنبلاط طرح 9+9+6 فلاعتقاده أن أي حكومة أفضل من الفراغ بالنسبة لقوى 14 آذار التي اتهمها بعرقلة عمل المؤسسات». انعطافة لا انعطافة وفي وقت تقول أوساط جنبلاط إن جل ما أراده من تصريحاته الأخيرة هو الضغط للخروج من الفراغ لأنه قاتل، فإن ردود فعل 14 آذار على تصريحاته توزعت بين اتجاهين، الأول يعتبر أنه أراد من مخاوفه الدائمة من التطورات الإقليمية التأسيس لانعطافة جديدة تتلاءم مع تقويمه لانعكاسات الاتفاق الروسي - الأميركي على التخلص من السلاح الكيماوي في سورية وللانفتاح الأميركي - الإيراني، في الساحة اللبنانية، لمصلحة المحور السوري - الإيراني، وأنه أراد بمواقفه ضد 14 آذار، وتلميحاته حيال القوى الإقليمية التي تتحالف معها، وتوقعه إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد، توجيه رسائل إلى «حزب الله» وحلفائه بأنه يحتاط لاحتمالات الانقلاب في موازين القوى الإقليمية ويستعد للتكيّف مع ذلك بتبني صيغة 9+9+6 الحكومية. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه مع تبني جنبلاط لكل مواقف 8 آذار حيال 14 آذار، وإذا صح أنه يمهد لتحوّل جديد نتيجة مخاوفه من تبدل الرياح الإقليمية، فإن طرحه الحكومي يجب أن يؤدي إلى احتساب حصته الحكومية من التسعة المخصصة لقوى 8 آذار في هذه الحال. إلا أن اتجاهاً ثانياً في قوى 14 آذار يدعو إلى الأخذ بتفسيرات محيط جنبلاط والتصريحات التي أعقبت كلامه من قياديين في الحزب التقدمي الاشتراكي نافية أي نية لديه بالانعطاف حيال الأزمة السورية والوضع الإقليمي، ويرى الأخذ بالتفسير الذي يقول إن هاجسه ملء الفراغ الحكومي، ويعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن جنبلاط أحرق مراكبه مع النظام السوري وأن فريق 8 آذار لن يثق بانعطافه المفترض. خصوصاً أن ما يجري إقليمياً أكبر من كل القوى المحلية، مهما كانت وجهته، وبالتالي أكبر من قدرته ومن قدرة «حزب الله» و14 آذار على ادعاء الأهلية التي تمكن هذه الأطراف من أن تكون شريكاً في ما يرسم، إذا صح أننا وصلنا إلى هذه المرحلة، فالظروف الدولية والإقليمية ما زالت غامضة وستأخذ وقتاً طويلاً قبل أن تتبلور. وحتى «حزب الله» الذي لديه ما يعطيه في هذا السياق قراره ليس في يده بل في يد إيران كما قال جنبلاط (الانسحاب من سورية). 9 +9+ 6 و الحيادية ومن أصحاب هذه القراءة من دعا إلى عدم الدخول في سجال مع جنبلاط رداً على اتهاماته ل 14 آذار ومنهم قيادة تيار «المستقبل» الذي عممت قيادته على رموزه ونواب كتلته، بعدم التعليق على الاتهامات التي تضمنها كلامه لأن «لا مصلحة في تعميق شقة التباين معه». ويعتبر من يدعو إلى حصر البحث مع جنبلاط باقتراحه الحكومي أنه سيكتشف هو كغيره بأنه حتى لو وافقت 14 آذار على هذه الصيغة فإن العرقلة في تأليف الحكومة ستستمر لأن الهدف إبقاء الفراغ الحكومي، وستكون الوسيلة التنازع على الحقائب والأسماء واشتراط صيغة البيان الوزاري قبل التأليف، وقبول خصوم الحزب بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» ورفض العماد عون المداورة في الحقائب... الخ. وبينما تدعو أوساط جنبلاط 14 آذار إلى القبول ب 9+9+6 لكشف عرقلة فريق 8 آذار عملية التأليف، فإن مصادر الأولى ترفض أخذها إلى التنازل تلو الآخر في وقت تقوم سياسة 8 آذار على انتظار انقشاع التطورات الإقليمية وإبقاء البلد معلقاً إلى حينها. وفي المقابل، فإن الأوساط الحريصة على ملء الفراغ الحكومي ترى أن تجديد رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة اقتراحه العودة إلى صيغة الحكومة الحيادية، في لقائه الأخير مع الرئيس سليمان، لا يبدو قابلاً للتوافق عليه، أو حتى لإقدام الأخير مع الرئيس سلام عليه بإصدار مراسيم حكومة من هذا النوع ووضع الأطراف أمام مسؤولياتهم، مخافة رد فعل الحزب وقوى 8 آذار في الشارع.