يدور أحمد (9 سنوات) على المتسوّقات في أحد المجمعات التجارية في الخبر (شرق السعودية) ليعرض عليهن ميزانه مصحوباً بسؤال: «هل تريدين أن تزني نفسك؟». تجد فاطمة محمد التي يلامس وزنها المئة كيلوغرام السؤال «مستفزاً» لأنه يذكرها بوزنها «الزائد». لكن زوج فاطمة الذي يرافقها في جولة التسوق يرى في عرض أحمد الميزان على زوجته «تسولاً مستتراً»، لا بل يذهب إلى أبعد من ذلك، واصفاً الأمر بأنه «جريمة تعاقب عليها القوانين والأنظمة في السعودية. فما يحدث هو تشغيل أطفال دون سن العمل، ويفترض أن يكون مكانهم في المدارس، لا الأسواق، كباحثين عن مصدر رزق». غير أن ذلك غير مهم في نظر أحمد وشقيقه الذي يصغره بعامين ويرافقه في السوق كظله، فكل ما يعنيهما هما «الريالان» (نصف دولار) اللذان لم تدفعهما فاطمة. لكن الطفلين لا يبديان «حسرة كبيرة» على ما لم تدفعه السيدة وزوجها. فأحمد يؤكد أن «مهنته» هذه، التي يعمل فيها منذ 6 أشهر، تدرُّ عليه وعلى أسرته دخلاً جيداً، مشيراً إلى أنه أصبح قادراً على شراء كل يتمناه من حاجات. ويوضح أنه غالباً ما يتجول مع شقيقه في المجمّع التجاري، «وكل واحد منا يحصل على الزبائن بجهده»، مستدركاً: «ولكننا غرباء عند الحساب، فلكل منا ميزانه، ويبحث عن رزقه، ويحاول بنفسه إقناع الرجال والنساء، غير أن الأخيرات يرفضن الفكرة، ويبادرن إلى تقديم مبلغ مادي بسيط». وعلى غرار أحمد وشقيقه، ثمة أطفال آخرون «يتسوّلون» تحت ستار بيع باقات ورد على المتسوقين داخل المجمعات التجارية... أو غيرها من «المهن الوضيعة». الأطفال ونظام العمل يشترط نظام وزارة العمل السعودية لعمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة موافقة وزير العمل، على أن يكون العمل «بسيطاً ولا يحمل أي خطر، أو ضرر نفسي أو جسدي، ولا يؤثر في دراسة الطفل، ووفق ساعات محددة، لا تتجاوز الست». كما يشترط «ألا يكون العمل في الفترة المسائية». ومنع النظام عمل من هم دون سن ال 13 «في شكل قطعي». ونصت المادة ال162 من نظام العمل، على أنه «لا يجوز تشغيل أي شخص لم يُتم ال15 سنة، ولا يجوز دخوله مكان العمل الذي يتضمن مواد أو أعمالاً خطرة في شكل نهائي». وتطالب عضو «الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان» الدكتورة سهيلة زين العابدين بضرورة فتح ملفات عدة في حال فتح ملف عمالة الأطفال في السعودية، والذي تراه «شائكاً ومرتبطاً بقضايا عدة، منها: النفقة، والحضانة، وحق تعليم الطفل»، معتبرة القضاء «أحد الأسباب الرئيسة في زيادة عمالة الأطفال، لعدم سرعة البت في قضايا النفقة والطلاق، وغيرها من المطالبات الحقوقية، فيكون الطفل هو المتضرر، وقد يلجأ إلى العمل، إما هروباً من واقعه، أو بسبب الحاجة المادية. والأهم هو الفقر الذي يعتبر سبباً رئيساً لعمالة الأطفال». وتشير زين العابدين إلى استراتيجية مكافحة الفقر التي «لم نعد نسمع عنها شيئاً، ولم نرَ آثارها»، متسائلة عن الدور الذي تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية في «مكافحة الفقر». وتلفت إلى أن «معونة الضمان الاجتماعي لا تزال 850 ريالاً (227 دولاراً) شهرياً، والحد الأدنى للأجور في المملكة 3 آلاف ريال (800 دولار)، مشددة على ضرورة «التسريع في حل القضايا التي تتكدس في المحاكم، لأن المتضرر هو الطفل، فكم من قضية نفقة وحضانة تحولت إلى خلع، أي تتنازل المرأة عن حقوقها في مقابل تطليقها، والضحايا هم الأطفال الذين لا توجد لديهم نفقة، ما يضطرهم إلى العمل لإعالة أهلهم أو أنفسهم».