جدة – عامر الجفالي الشرق ناقشت قضيتها ولائحة تنظيم العدل مع حقوقيين ونفسيين. زين العابدين: عدم إلزام الزوج بإكمال الزوجة تعليمها هضم لحقها في التعليم. اللائحة لم تحدد بداية سن ما دون السادسة عشرة.. وجعلتها مفتوحة وقد تكون العاشرة. ملابسات قضية «أم عصام» فيها ظلم واضح من الزوج لعدم تحمله الرعاية والنفقة. فلاتة: أم عصام قضية رأي عام تتكرر ويتبعها أضرار كبيرة على المجتمع. جبران: زواج الفتاة دون سن 18 يُلحق بها أضراراً نفسية وأسرية واجتماعية. مازالت ظاهرة «زواج القاصرات» تتكرر وترمي بظلالها على الواقع الأسري لمجتمعنا السعودي، وأكد جمع من العلماء على أن تجريم زواج القاصرات رأي غير مقبول، بعد أن ناقشوا قضية تزويج القاصرات ضمن دورة المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي وتوصلوا إلى أن الشارع اشترط الولي لصحة الزواج، ولم يشترط سناً معينة، ويترك هذا للمصلحة التي يقدرها الولي، فهل حسمت وزارة العدل هذا الأمر بسن لائحة تنظيمية لحسم الخلاف، هذا وغيره من التفاصيل، تناقشه «الشرق» مع عدد من المختصين والحقوقيين، الذين تناولوا قضية أم عصام التي عاشت قصة مؤلمة لما يزيد على أربعة عشر عاماً بلا ذنب اقترفته سوى أنها تزوجت مبكراً، وأنجبت طفلين، وبعد ذلك تُركت لتصارع الحياة حاملة عبء تربيتهما وعبء تبعات زواج فاشل، كمثال حي لهذه القضية الشائكة والمعقدة في المجتمع السعودي، في ثنايا الأسطر التالية: رحلة عذاب أم عصام امرأة سعودية من إحدى مدن المنطقة الجنوبية تزوجت مبكراً لتنجب طفلاً، وما إن بلغ العامين حتى حملت بالآخر، وهنا نشب خلاف بينها وبين زوجها فقرر الزوج التخلي عن المرأة وطفلها وذلك الجنين الذي أصبح بعد أشهر مولوداً أنثى، وبدأت رحلة أم عصام في تربية الطفلين بعد أن انتقلت إلى أهلها ضعاف الحيلة، واضطرت للعمل (خالة) في إحدى الروضات براتب 500 ريال عدة أشهر، ثم انتقلت إلى إحدى المدارس الحكومية لتعمل في النظافة والعمل كمستخدمة براتب 800 ريال لمدة 11 عاماً عانت فيها أم عصام مرارة الحياة وصعوبة علاج الطفلين، خاصة أنهما مريضان بأمراض ملازمة، وظلت أم عصام تحت بعض المحسنين من إدارة المدرسة أو المعلمات، ولم يكلف والد الطفلين نفسه عناء السؤال على طفليه وتحمل مسؤولية مصاريف زوجته وطفليه. مقاضاة الزوج تقول أم عصام «بعد خمس سنوات من بقائي عند أهلي قررت مقاضاة زوجي لأحصل على حقوقي، ورفعت قضية في المدينة التي يسكنها الزوج في جنوب المملكة، مطالبة بالطلاق والنفقة لخمس سنوات مضت، وحكم القاضي بتطليقي، وقال في إحدى جلساته إن النفقة لخمس سنوات مضت تلزم الزوج، وأن الحضانة من حقه عند بلوغ الطفلين الثامنة، هنا استخدم زوجي حيلته لمعرفة مدى تعلقي بطفلي وعرض عليّ أن أتنازل عن النفقة للسنوات الماضية، في مقابل أن يتنازل هو عن حقه في الحضانة، ففرحت وطرت لأسجل تنازلي عن النفقة في ملف القضية بانتظار تنازل الزوج عن الحضانة، وهنا كشف عن حيلته وتراجع عن وعده وطالب بالحضانة، جن جنوني حينها، وهربت إلى مدينتي وظللت أعمل وأعيل طفليّ حتى تفاجأت في أحد الأيام وأنا أعمل في المدرسة باتصال من أمي تخبرني، بأن زوجي أتى بعد معرفته بمكان المنزل وأخذ الطفلين مستغلاً غيابي في العمل وسافر إلى منطقته، سافرت وراءه واستعنت بالشرطة التي تدخلت لترد الطفلين وتحذر الأب من أخذهما إلا بموجب حكم قضائي، ولم أعد أحضر الجلسات القضائية، واستطاع زوجي الحصول على بلاغ ليعمم عليّ في جميع أقسام الشرط بأني هاربة من تسليم الطفلين لأبيهما، وكأن حناني وإعالتي لطفليّ كل هذه السنين جريمة عليّ دفع ثمنها». تكرار المأساة وتضيف أم عصام «بعدها أصبت بالرعب وقررت الهروب إلى وجهة غير معلومة متخفية في مدينة بعيدة لكي لا يعلم طليقي مكاني، وتكمل «أنا التي ولدت وتربيت وعملت في الخدمة في الروضات والمدارس وصرفت كل ما أتحصل عليه لقمة في فم طفليَّ، رُميت عند أهلى شابة في مقتبل العمر بعد أن حطمت أحلامي فلا أمل لي باستكمال حياتي والزواج من جديد خوفاً من فقد طفليَّ، فلمَنْ كنت سأتركهما؟ الآن وبعد أربعة عشر عاماً من رحلة الألم والخوف والعناء ما زلت شابة في الثلاثينيات من عمري ولا أستطيع الزواج حتى الآن، فمعنى هذا حرماني من الطفلين، وأتساءل الآن لماذا يبحث زوجي عن حقه في الحضانة وهو الذي قد تزوج وأنجب وأصبحت له حياته؟ أين هو حينما كانا قطعتي لحم في حاجة لمَنْ يغذيهما ويعالجهما، أما أنا فأعرف الجواب، وهو أن ابنتي بلغت 13 عاماً، وفي منطقتنا مشهور لدينا تزويج البنت في مثل هذا العمر من أجل المال لأي شخص، مسناً كان العريس أم عاطلاً أو أياً كان، ولكنني لن أسمح بتكرار مأساتي مع ابنتي فسأعمل على إكمال دراستها وحفظها من كل بأس وتزويجها في السن المناسبة والرجل المناسب». ظلم واضح د. سهيلة زين العابدين وعلقت الناشطة والحقوقية د. سهيلة زين العابدين حماد حول قضية أم عصام قائلة: «إن ملابسات هذه القضية توحي بالظلم الواضح من الزوج ووالد الطفلين، ويتجلى ذلك في تركه لأسرته دون تحمل مسؤولياته في الرعاية والنفقة، فإذا ثبت عدم تحمله لنفقة طفليه وزوجته لفترة طويلة، فهذا محل إجماع الفقهاء على سقوط حقه في الحضانة، وانتقال هذا الحق للأم التي تحملت مسؤولية الأطفال، وعلى هذا أتساءل: كيف يقول القاضي ناظر القضية لهذه الأم بأن حق الحضانة لوالد الطفلين، كيف له حق الحضانة بعد أن تبين القاضي عدم تحمله مسؤوليات ونفقة الأسرة، فهذه المرأة لم يكن لها أن تخاف وتهرب لأن الحق معها والحضانة لها بلا شك». لائحة تنظيمية وانتقدت زين العابدين بشدة اللائحة التنظيمية التي أصدرتها وزارة العدل في تنظيم زواج الصغيرات (القاصرات)، حيث قالت: إن هذا المشروع لم يحدد بداية سن ما دون السادسة عشرة؛ إذ جعلها مفتوحة فقد تكون العاشرة أو غيرها، وعد المشروع ضمن لائحته سن 16 هي الحد الأدنى لزواج الفتاة ولوليها أن يقدم استثناءً للمحكمة في حال أراد تزويج وليته في سن دون ذلك وفق شروط معينة تتلخص في تقديم تقرير طبي من لجنة مكونة من اختصاصية نساء وولادة واختصاصية نفسية واختصاصية اجتماعية يُثبت اكتمال الصغيرة من الناحية الجسمية والعقلية، وأنّ زواجها لا يشكل خطراً عليها، واشترط المشروع موافقة الأم والفتاة على الزواج، وأكّد على ولي الفتاة بعدم إتمام زواجها بعد عقد قرانها مباشرة، وإنّما تعطى الفرصة الكافية لتهيئتها من الناحية النفسية وتدريبها لمتطلبات الحياة الأسرية. تحديد السن واستغربت زين العابدين تحديد 16 سنة كحد أدنى للزواج ، رغم أن هذه السن لا تتحمل فيها الفتاة أعباء الزوجية والحمل والولادة لعدم اكتمال نموها الجسدي الذي لا يكتمل إلا في سن 18، وهذه هي سن الرشد المقر في المملكة، وهناك قرار لمجلس الشورى يعتمد لسن 18 سنة، كسن للرشد، كما قالت «عند تأمل قول الله تعالى: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) نجد أنّ الآية تُقرّر أنّه لا يحق للإنسان التصرّف في ماله إلّا إذا كان بالغاً رشيداً، فمِن باب أولى أنّ يكون الزوجان بالغيْن رشيديْن ليقررا تكوين أسرة، كما قالت إنها أثبتت في دراسة سابقة كانت قد نشرتها بأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها وهي في سن 19، وليس بسن التاسعة كما يشاع». هضم حقوق وانتقدت زين العابدين عدم تحديد المشروع للحالات التي يطلب فيها ولي الفتاة استثناء ابنته من السن المحددة ككبر سنه وعدم وجود مَنْ يرعاها، أو خوفه عليها من بعده، كما قالت إن هذا المشروع لم يحدد بداية سن ما دون 16، إذ جعلها مفتوحة، فقد تكون التاسعة مثلاً، كما انتقدت زين العابدين عدم إلزامية المشروع الزوج إكمال الزوجة تعليمها، وهنا هضم لحقها في فريضة التعليم. ومن أهم مآخذ زين العابدين على المشروع هو إعطاء ولي الفتاة حق إحضار التقرير الطبي الذي يثبت أهليتها الجسدية والنفسية والاجتماعية لتحمل مسؤولية الزواج والحمل والإنجاب وهذا لا يحفظ حقها، فلربما أحضر الولي تقريراً مزوراً، أو غير مطابق، وطالبت بأن ينص المشروع على تكوين لجنة مختصة من المحكمة ناظرة الطلب، ومن الانتقادات المهمة التي وجهتها زين العابدين عدم وضع ضوابط للتأكد من هوية الأم والفتاة عند أخذ موافقتهما على الزواج، كما انتقدت تجاهل المشروع تحديد فرق السن بين الزوجين، مذكرة باعتذار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما عن تزويجهما بابنته فاطمة رضي الله عنها لفارق السن فيما بينها وبينهما، وتزويجها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لتقارب السن بينهما، كما انتقدت غياب حفظ حق الفتاة في الاحتفاظ بمهرها بجعله خالصا لها، كما انتقدت عدم تضمين المشروع أية عقوبات على الولي إن خالف ضوابطه، وكذلك شأن مأذون الأنكحة عند مخالفته، حيث يكتفى بمساءلته دون حرمانه من ممارسة المهنة. قضية رأي ومن جانب آخر، أكد المحامي عامر فلاتة أن قضية أم عصام هي قضية رأي عام نظراً لتكرار مثل هذه الحالات، وما يتبعها من أضرار على الأسرة والأبناء والمجتمع، وقال «لا بد لهذه المرأة أن تفصح عن نفسها للجهات التنفيذية لكي لا يكون هناك تضليل للعدالة، ولكي لا تدين نفسها، وأنصحها بأن تترك القضاء يقول كلمته لأن هروبها ليس حلاً، بل ستتفاقم الأمور كلما كبر الأولاد»، وتساءل المحامي فلاتة عن سبب تنازل الأم عن النفقة، وتمنى أن تكون قد اطلعت أم عصام القاضي على الاتفاق بينهما، مؤكداً أن النفقة حق وواجب للأبناء وليس للأم التنازل عنها لمصلحة مرجوة ولا للأب التنصل منها لغاية معدومة، كما أن للابن بعد العاشرة الخيار بين أمه وأبيه، وبقاء البنت مع أبيها مرهون بعدم وجود مانع يراه القاضي، فيقرر انتقال حق الإقامة للأم من أجل المصلحة، وخلص المحامي فلاتة إلى أن القضاء عادة ما يراعي مصلحة الأبناء، خصوصاً إذا تبين عدم صلاحية الأب، مطمئناً أم عصام بأن هناك إجراءات قضائية استئنافية في حال حكم القاضي بإقامة الأبناء مع الأب، تقدم الأم من خلالها ما يثبت سلامة موقفها وإعالتها لأطفالها طوال هذه السنين، والعبرة في المصلحة التي يقدرها القاضي ناظر القضية. مطلب شرعي وأبدى فلاتة رأيه حول مشروع وزارة العدل في ضوابط زواج القاصرات وما يعتريه من ثغرات قائلاً: «أرى أن مسألة المنع ليست محلاً للطرح طالما أن المسألة محسومة شرعاً، ولكن قد يحتاج الأمر إلى تنظيم لا سيما أنَّ إذن الفتاة في الزواج مطلب شرعي، وكثير من هذه الزيجات تتم جبراً ولتحقيق مصلحة لجهة ما، كما أن الفتاة التي تأذن بذلك صراحة أو ضمناً (سكوتاً) لا بد أن تتمتع بالمعرفة الكافية التي تمكنها من الإذن أو الرفض، وبالتالي، فإن وجود جهة رسمية تنظر في المسألة من ناحية توافر المصلحة والمعرفة الكافية للفتاة أمر مطلوب للحد من الآثار السلبية التي تنتجها بعض هذه الزيجات. الإرث الثقافي وقال الاختصاصي النفسي الدكتور جبران يحيى «إن عمر القاصر من الناحية النفسية مرتبط بسن الطفولة وحدده بسن 18، زواج الفتاة دون هذه السن ملحقاً بالأضرار النفسية والأسرية والاجتماعية لها». وأرجع أسباب نشوء هذه الظاهرة إلى عدة عوامل أهمها الإرث الثقافي الخاطئ المتمثل في ازدراء المرأة، والتعامل معها على أساس أنها لا تملك تقرير مصيرها، كما أن الفقر والأمية والمجتمعات الريفية من أهم الأسباب لشيوعها. أيضاً طمع بعض الآباء والأولياء في العائد المالي، وكذلك ضعف الوعي المجتمعي بحقوق الإنسان، كما أضاف أنَّ اضطراب الشخصية لكبار السن قد يدفعهم للزواج من صغيرات. اكتمال النضج عامر فلاتة وعن الأضرار النفسية والاجتماعية لمثل هذه الزيجات، قال د. جبران «قد يعود عدم اكتمال النضج العقلي والنفسي والعقلي للفتاة الصغيرة بالفشل والإحباط، وقد يعود الزواج المبكر لها بالحرمان من حقها في التعليم والخبرات الحياتية ما يسهم في حرمانها من تحقيق ذاتها، كما أن إقحامها في مسؤوليات لا تناسب سن الطفولة يفوت عليها نسبة النمو السوي واكتمال مرحلة الطفولة، أيضاً الضغوط الزوجية قد تؤدي إلى أمراض نفسية قد تتعرض لها الفتاة». وعزا كثيراً من الأمراض النسائية النفسية كاكتئاب ما بعد الولادة والخوف من العلاقات الجنسية إلى مثل هذه الزيجات، معدداً الأضرار الأسرية والاجتماعية لها، ومبيناً أن هذه الزيجات في الغالب مصيرها الفشل والطلاق وما يتبع ذلك من أطفال وتفكك أسري. انعدام الكفاءة د. جبران يحيى أكد د. جبران أن القاصر لا تملك أبجديات التعامل مع الأطفال، فضلاً عن أن تستطيع الوصول إلى حد الكفاءة في التربية، وذلك لاتسام الفتاة في مثل هذا العمر بالشخصية الطفلية الاندفاعية. كما أن الأطفال في سن 18 يتميزون بالخيال والأحلام غير الواقعية ما يضعف قوة تحملهم للضغوطات الزوجية ومساندة الشريك الأسري، وأبرز د. جبران حجم المشكلة من زواج القاصرات لكبار السن ما ينتج عن ذلك من مشكلات عاطفية وجنسية.