ضعف الوعي الاستثماري لدى شريحة كبيرة من المستثمرين الأردنيين، أدى إلى إطلاق مصطلح الأسهم الرخيصة على أسهم الشركات التي انخفضت أسعارها بنسبة كبيرة وأصبحت تتداول بالقروش لا بالدنانير. مع العلم ان القيمة الإسمية أو التأسيسية لأسهم الشركات المدرجة تبلغ ديناراً واحداً، من دون الالتفات إلى الأسباب التي أدت إلى هذا الانخفاض. وهذا المصطلح يحمل في طياته تضليلاً لصغار المستثمرين باعتبار أن الأسهم الرخيصة فعلياً هي التي تتداول أسهمها في السوق بأقل من قيمتها العادلة، حتى لو كان سعرها في السوق 10 دنانير أو 5. هناك مؤشرات مالية واستثمارية متعارف عليها، توضح الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة والتي يستند إليها الاستثمار المؤسسي والاستثمار الطويل الأجل، في اتخاذ قراراته الاستثمارية سواء بالبيع أو الشراء. بينما في المقابل لا يهتم المضاربون بالأسعار العادلة بقدر اهتمامهم بتحركات الأسعار والاعتماد على التحليل الفني، من دون الاهتمام بالأساسيات الاقتصادية والمالية للشركات التي يتداولون أسهمها أو أساسيات الاقتصاد. والسبب في ذلك، أن فترة احتفاظهم بالأسهم قصيره جداً وقد تصل في بعض الحالات إلى أيام أو ساعات معدودة. ان مكاسب المضاربين تأتي من فرق سعري الشراء والبيع، بينما مكاسب المستثمرين على الأجل الطويل فمصدرها الأرباح السنوية التي توزعها الشركات على مساهميها، اضافة إلى الأسهم المجانية التي توزع على المساهمين كل فترة (سنوات) أضافة الى المكاسب الرأسمالية الناتجة من ارتفاع الأسعار. وكلما ارتفعت مدة الاحتفاظ كلما ارتفع مستوى العائد وتراجع مستوى الأخطار. لا شك أن الأزمات المالية والاقتصادية والجيوسياسية والمصرفية العالمية والإقليمية والمحلية، ساهمت في خلق فرص استثمارية مهمة، باعتبار أن الفرص تولد من رحم الأزمات. والفرص الاستثمارية في سوق عمان المالية، ساهمت بها عوامل كثيرة، في مقدمها انحسار الثقة نتيجة الفترة الزمنية الطويلة لتراجع مؤشرات السوق. وبما ان الأخيرة مازالت، للسنة الخامسة على التوالي، تعيش موجة تراجع قاسية أدت إلى خسارة نسبة مهمة من مدخرات المستثمرين وأصولهم، أضافة إلى الانخفاض الكبير في سيولة السوق الناتجة عن ضعف الثقة وارتفاع الأخطار. تضاف إلى ذلك، ضبابية التوقعات سواء بالنسبة لأداء الشركات أو الاقتصاد، باعتبار أن إيجابية التوقعات تعزز الطلب والتداول والثقة بالاستثمار، بينما تؤدي سلبيتها الى عكس ذلك. لاحظنا خلال فترة انتعاش السوق خلال الأعوام 2005 - 2008، ونتيجة ايجابية التوقعات وارتفاع المعنويات، تجاهل المستثمرين الأخطار والإقبال الكبير على الاستثمار، ما أدى الى ارتفاع سيولة السوق إلى مستويات قياسية، وتحسن كبير في مؤشرات أدائها. ونتيجة لذلك، تدفقت استثمارات أجنبية ضخمة للاستفادة من فرص نمو مؤشرات السوق، بعكس ما يحدث حالياً من تراجع كبير في تدفقات الاستثمار الأجنبي، نتيجة حالة الخوف والحذر والترقب التي تسيطر على قرارات المستثمرين وعدم الإقبال على الفرص الاستثمارية المتوافرة والنشرات التي تصدرها سوق عمان المالية. تضاف اليها النشرات التي تصدرها الجهات الاستثمارية المتخصصة والتي تتضمن مؤشرات جاذبية الأسعار ومنها مضاعف الأسعار(ربح السهم مقسوماً على سعره في السوق)، وريع الأسهم (الربح الموزع للسهم مقسوماً على سعره في السوق مضروباً ب100)، وكذلك سعر السهم في السوق مقسوماً على قيمته الدفترية. استناداً إلى هذه المؤشرات، نلاحظ فرصاً جيدة في السوق للمستثمرين في الأجل الطويل، أصحاب القلوب القوية وبخاصة في أسهم الشركات المتميزة والتي تحمل سجلاً حافلاً بالإنجازات وإدارة كفؤة ومتميزة. وتبين ان التوزيعات النقدية السنوية مجزية هنا، وتدفقاتها النقدية ومؤشرات سيولتها متميزة، إضافة إلى تميز مؤشرات نموها وانخفاض مديونيتها. وملفت أن نسبة مهمة من المستثمرين في السوق، لا تلجأ إلى المتخصصين في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية، ما ينعكس سلباً على نضج قرارات الشراء والبيع. وفي المقابل تعتمد نسبة مهمة من المستثمرين على الأصدقاء والوسطاء في الشراء والبيع، ونسبة مهمة من الوسطاء تشجع المضاربة في السوق أي البيع والشراء السريعين، على رغم ارتفاع أخطارها بهدف الحصول على عمولات كبيره وإيرادات سريعة، من دون الالتفات إلى مصالح زبائنها أو الالتزام بأخلاق المهنة. وهذا يؤدي بالتالي إلى انخفاض كفاءة السوق وارتفاع أخطارها نتيجه التقلبات المستمرة في مؤشراتها، في ظل ضعف الاستثمار المؤسسي وقوه الاستثمار المضاربي وغياب صانعي السوق. مستشار أسواق المال في «بنك أبوظبي الوطني»