تبنى قرارات الاستثمار في الأسواق المالية، عادة على توقعات، سواء عن أداء الشركات أو الاقتصاد في شكل عام، أم عن تحركات الأسعار أو غيرها. واختلاف التوقعات بين المستثمرين يؤدي إلى حركة البيع والشراء في الأسواق لناحية توقعات إيجابية لدى بعضهم تؤدي الى الشراء. وفي المقابل، هناك توقعات سلبية تؤدي الى البيع. والأخيرة تؤدي عادة الى عمليات بيع مكشوف تقوم بها بعض الجهات المتخصصة. وارتفاع مستوى الإفصاح والشفافية، يساهم في نضوج التوقعات فلا يعتمد المستثمرون في اتخاذ القرارات الاستثمارية سواء بالبيع أم الشراء، على الإشاعات والتخمينات. وكلما ارتفع مستوى الوعي الاستثماري، كلما كانت التوقعات أقرب الى الدقة والصواب. والتراجع الكبير في أسعار أسهم الشركات المدرجة في الأسواق المالية في المنطقة منذ بداية التأثيرات السلبية لأزمة المال العالمية قبل نحو ثلاث سنوات، إضافة إلى التأثيرات السلبية للعوامل الجيوسياسية في المنطقة خلال العام الجاري، يعود إلى تفوق حجم عروض البيع على حجم طلبات الشراء، وبالتالي تفوق التوقعات المتشائمة والحذرة على التوقعات الإيجابية لحركة الاقتصاد وأداء الشركات والأسواق. وأدى ذلك إلى تراجع الثقة في معظم أسواق المنطقة. والثقة هي التي تحرك السيولة نتيجة ارتفاع مستوى معنويات المستثمرين. ولا شك في أن الفترة الزمنية الطويلة لدورة هبوط الأسواق، ساهمت في التراجع الكبير لمستوى الثقة، وبالتالي التخوف من استمرار ارتفاع مستوى الأخطار، ما أدى الى تقليص قيمة التداولات في الأسواق بنسبة كبيرة وتحول عدد كبير من أصحاب المدخرات الى الأدوات الاستثمارية الأقل مخاطرة أو العديمة الأخطار، في مقدمها الودائع التي ارتفع حجمها بنسبة كبيرة خلال هذا العام والعام الماضي. وإذا كانت التأثيرات السلبية لأزمة المال العالمية أدت الى تراجع أسعار أسهم كل الشركات المدرجة في الأسواق المالية بنسب متفاوتة وبما يتناسب مع تعرضها لتأثيرات الأزمة، فإن شركات كثيرة مدرجة كانت خسائرها التشغيلية أو الاستثمارية خلال السنوات الثلاث الماضية فادحة سواء لأسباب إدارية أو متعلقة بالإفراط في الديون، أو لصعوبة الحصول على تمويل من البنوك، أو نتيجة تراجع التدفقات النقدية أو انخفاض كبير في قيمة الأصول أو تعثر بعض المدينين، أو غيرها من الأسباب المتعلقة بضعف كفاءة الإدارة أو فسادها وعدم مهنيتها. فالانخفاض في أسعار أسهم هذه الشركات يعكس بخاصة واقع أدائها والإفصاح الدوري كل ثلاثة شهور، والذي تفرضه هيئات الأوراق المالية ويساهم في معرفة تطورات أداء الشركات، وبالتالي في ترشيد قرارات المستثمرين سواء بالبيع أو الشراء وبما يتناسب وتطورات الأداء. وبالتالي لا تعتبر أسعار أسهم بعض الشركات التي تعرضت لخسائر تشغيلية أو استثمارية فادحة وانخفضت أسعارها السوقية أكثر من 50 في المئة أو 70 في المئة من قيمتها الاسمية، رخيصة، لأن مؤشرات الرخص أو الغلاء مرتبطة بالكثير من المعايير وفي مقدمها الأرباح أو الخسائر المحققة أو المتوقعة. وفي المقابل، فإننا نعتبر أن الأسعار المتداولة لأسهم بعض الشركات عند مستوى سبعة أو ثمانية أضعاف قيمتها الأسمية أو التأسيسية، رخيصة إذا أخذنا في الاعتبار قوة هذه الشركات ونمو ربحيتها ونسب الأرباح الموزعة على المساهمين، وانخفاض مؤشر القيمة السوقية قياساً الى القيمة الدفترية. بينما نعتبر في المقابل، أن الارتفاع أو المبالغة في أسعار أسهم بعض الشركات التي تتداول بنصف أو ربع قيمتها الاسمية، إذا أخذنا في الاعتبار أيضاً الخسائر المتراكمة وضبابية توقعات الأداء في المستقبل القريب وتعرضها لمشكلات تمويلية ومالية مختلفة، قد تؤدي إلى تعثرها أو إفلاسها، ونشير بالتالي الى أخطار الاستثمار في أسهم هذه الشركات. ولا شك في أن الأسعار المتداولة لأسهم الشركات المدرجة، تعكس كل المعلومات المتوافرة والتوقعات المستقبلية لمختلف شرائح المستثمرين ومُضاعف الأسعار، وريع الأسهم أو نسبة القيمة السوقية إلى القيمة الدفترية، وهي مؤشرات يعتمد عليها الاستثمار المؤسسي في اتخاذ القرارات، وبالتالي فإن الاصطلاح على أن «الأسهم الرخيصة» هي التي يقل سعرها السوقي عن دينار أو درهم، غير دقيق ويحمل نوعاً من التضليل. والمستثمرون الأذكياء قادرون على اقتناص الفرص التي توفرها الأسواق على المديين المتوسط والطويل نتيجة كثير من العوامل غير المرتبطة بأداء الشركات، وفي مقدمها ضعف الثقة ونقص السيولة. * مستشار الأسواق المالية في «بنك أبو ظبي الوطني»