مليلترات من الدم تختزل لترات من الألم والمرارة. يجهل غالبية ذوي فصيلة الدم «-O»، التي يطلق عليها طبياً في العالم مسمى «الدم الكريم» أو «الوحدة الذهبية» كما تسمى أحياناً «الفصيلة صفر»، وذلك بسبب قدرتها على التبرع لأي فئة أخرى، لكنها لا تقبل أن تأخذ إلا من فصيلتها وحدها، ليصبح أصحاب هذه الفصيلة قادرين على إنقاذ أرواح أشخاص يهددهم المرض وتجاوزت استغاثاتهم الأقارب، وصولاً إلى الغرباء الذين تدفع بعضهم النزعة الإنسانية والمبادرة الاجتماعية للتبرع بدمهم. وتشير مواقع متخصصة إلى أن نحو 7 في المئة فقط من سكان العالم يحملون هذه الفصيلة النادرة. وفيما لا تعرف أرقام دقيقة عن عدد من يحتاجون إلى نقل دم في السعودية، تفيد التقديرات بأن عددهم يصل إلى 5 ملايين نسمة سنوياً في الولاياتالمتحدة. وتعزى أهمية الفصيلة «-O» إلى أن خلايا الدم الحمراء فيها لا تحوي أي أجسام مضادة تثير ردَّ فعل قوياً من نظام المناعة لدى متلقي الدم. ولهذا يوصف حملة هذه الفصيلة بأنهم صالحون للتبرع بدمهم لأي فصيلة أخرى، لكنهم لا يصلحون للخضوع لنقل دم إلا من متبرع من فصيلتهم نفسها. ويوصف حملة الفصيلة «-O» بأنهم - طبقاً للمعتقدات اليابانية - يولدون ليكونوا قادة، وأنهم مستقلون، وواثقون بأنفسهم، وذوو شكيمة، وأكفاء، وأوفياء لولاءاتهم. لكنهم أيضاً يتسمون بتقلب المزاج واللامبالاة والريبة وإدمان العمل. وبعد أن كانت الدوريات الأمنية، التي تقوم بدور البحث عن متبرعين، من خلال استقبال بلاغات النقص، هي المتصدر الأول في حال عجزت بنوك الدم عن توفير متبرعين للمريض، تحولت عملية البحث إلى عملية «تكنولوجية»، إذ يلجأ أقارب المرضى إلى بث نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك»، وإرفاق صورة للمريض أحياناً عبر موقع «آنستغرام»، ومواصلة البحث عبر قنوات الاتصال المتنوعة، بإرسال رسالة برودكاست عبر «الواتساب» والرسائل النصية العادية، مصحوبة برقم طبي وفصيلة الدم «-O»، ليعاد تدوير هذه الطلبات بوصفها أبسط صورة لعمل الخير ممن تصل إليهم الرسالة. وتبقى أزمة فصائل الدم النادرة قضية عالمية، فعلى رغم ثورة التصنيع التي طاولت كل تفاصيل الحياة، وأوجدت بدائل حتى للأعضاء البشرية، لا يزال الدم المادة التي لا يمكن إنتاجها أو تصنيعها بتاتاً، ويبقى الإنسان الوحيد القادر على التبرع به، لمساعدة المصابين ب«الأنيميا» أو «الثلاسيميا» أو السرطان والأمراض المستعصية، وزراعة الأعضاء والجراحات التي يحتاج أصحابها إلى الحقن بالدم. وقال عضو مجلس الشورى استشاري أمراض الدم الدكتور مازن خياط ل«الحياة»: «إن المنظمات العالمية للدم تمنع منعاً باتاً إعطاء مقابل مادي للتبرع بالدم حتى لا يخرج من إطاره الإنساني إلى الرغبة في الحصول على المال، واستثني من هذا المنع أصحاب فصيلة الدم «-O» برغبة ملحة لهذه الفصيلة، حتى لو كلف بنوك الدم إمكان دفع الأموال لهم مقابل تبرعهم نظراً لندرة هذا الدم، وارتفاع قيمته طبياً، لتميزه بإعطاء كل الفصائل، وتوحده بعدم الأخذ إلا من الفصيلة نفسها، وهذا ما يشكل خطورة على حامل هذه الفصيلة، وفي الوقت نفسه أهمية كبيرة». وأكد خياط أن استغاثات ذوي المرضى للحصول على متبرعين من هذه الفصيلة ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار، وعدم تجاهلها، وتوعية الناس بالتبرع باستمرار لبنوك الدم، وأن إلزامية إحضار المتبرعين بالدم هي للحالات التي تنتظر الجراحات، ويتوقف عدد المتبرعين على نوع الجراحة، فهناك جراحات تحتاج إلى متبرع واحد فقط أو إلى خمسة متبرعين، وكلما زادت خطورة الجراحة تضاعف عدد المتبرعين الذين تحتاجهم. ويضيف مدير مختبرات الدم في جدة الدكتور سعيد العامودي أنه «في حال معرفة أي شخص ينتمي إلى هذه الفصيلة النادرة يجب أن يكون على علم مسبق بأن النقص فيها عالمي، وأن بيده - بعد الله - إنقاذ أرواح كثير من المرضى، وإعادة الابتسامة لأسر فقدت الأمل بالشفاء، ففي نقل الدم والتبرع به إحياء لنفس تحتاج إلى الحياة بذلك الدم الذي جعله الله حياة للجسد، وأن بإمكانه التبرع ثلاث مرات سنوياً شرط أن يتجاوز عمره 18 عاماً، وأن يتجاوز وزنه 50 كيلوغراماً، وستعود الفائدة الأولى عليه بتنشيط نخاع العظم وإنتاج الدم مجدداً. يذكر أن الجمعية الدولية لنقل الدم تعترف ب30 فصيلة، وتم اكتشاف الفصيلة «O» بشقيها السالب والموجب نحو العام 1901. وكانت فصيلة الدم تستخدم في الطب الشرعي لكشف الجرائم وتحديد فرص الإنجاب، لكنها لم تعد كذلك بعد شيوع نظام البصمة الوراثية.