ولت أيام كان المصريون يصولون ويجولون في فتاوى حول شرعية عمليات التجميل وتحليلات عن أهمية ال «نيو لوك» وتنظيرات في شأن الآثار المترتبة على تغيير الشكل وتجديد الملامح وهيكلة المعالم. وحل محلها واقع أعجب من الخيال يقف المصريون فيه شهود عيان ليراقبوا تغير الحال لجماعة «الإخوان المسلمين» ولسان حالهم يقول «سبحان مغير الأحوال» و «سبحان من له الدوام». ولأن دوام الحال من المحال، فقد تغيرت الجماعة وتحولت العشيرة في نظر كثيرين من «ناس بتوع ربنا يحملون الخير لمصر» ويؤكدون بحديثهم أن «النهضة إرادة شعب» إلى «ناس بتوع عنف يحملون الخراب لمصر» ويؤكدون بأفعالهم أن «الوكسة إرادة شعب». هذا ال «نيو لوك» الذي خضعت له الجماعة أذهل كثيرين ممن تشبثوا بحبال آمال أن تكون الجماعة وأنصارها يدعمون الشرعية فعلياً ويؤيدون الشريعة حصرياً من دون عنف أو دمار أو انتقام. لكن مع تطور الأوضاع وتغير الأحوال، سقطت أقنعة عدة وانقشعت غمامات كثيرة. فمن كان يشد من أزر معتصمي «رابعة العدوية» قبل أيام مؤكداً أن مرسي عائد لا محالة، وأنه سيصلي يوم الأحد العصر في القصر، وأنه سيتناول إفطار رمضان مع الآنام في يوم من الأيام، وأن أول رئيس مدني منتخب سيتذوق الكعك المخبوز في ربوع الاعتصام لمناسبة عيد الفطر الذي انتهى قبل نحو أسبوعين، بات اليوم من أوائل الفارين. «والله صدقتهم، رغم يقيني بأن الجماعة وأنصارها حادت عن الطريق وتشبثت بالعصبية والانحياز إلى مصالح غير وطنية، لكنني ظننت أن بعضاً ممن اعتلوا منصة رابعة أقدموا على ذلك عن قناعة بأنهم يناصرون الإسلام وسيبقون في مقدمة الصفوف، فإذ بهم يرابطون في مقدمة صفوف المسافرين والفارين إلى الخارج»، يقول «عم محمد» الستيني صاحب الكشك القريب من محيط الاعتصام: «حاجة تكسف تلك اللحية المصبوغة والمحلوقة كممثلي السينما». ليس ممثلاً سينمائياً بل ممثلاً عن «تحالف دعم الشرعية». ال «لوك» المفاجأة الذي ظهر به أحد أشهر وجوه «رابعة» صفوت حجازي الملقب أمس ب «صفوت كونري» قلب الدنيا رأساً على عقب. قدم حجازي ترجمة عملية لنظرية النشوء والارتقاء التي مر بها من «داعية» مرتبط بالفنانين إلى «ثورجي» عتيد في ميدان التحرير ومنها إلى شرطي أخلاق عنيد بتلويح عن «شقة العجوزة» حيث «تمارس الدعارة وتزاول الرذيلة» من قبل شباب الثورة، ومن العجوزة إلى الفضائيات يميناً ويساراً مدلياً بدلوه في شؤون السياسة والترشح والانتخاب والمصالحة الوطنية والفتنة الطائفية، ومنها إلى «ثوار أحرار هنكمل المشوار» تارة إلى ميدان التحرير في مليونيات قندهار أو صوب القدس شهداء بالملايين وتارة من القدس إلى «رابعة» التي استهلها ب «اللي هيرش مرسي بالمياه هنرشه بالدم» وجملها ب «نحن أشرف وأطهر من على هذه الأرض» وأنهاها بأن «الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً على أعلى مستوى لا يتخيله أحد»، وأخيراً إلى واحة سيوة في صحراء مصر الغربية حيث ألقي القبض عليه بينما كان في طريقه إلى ليبيا مخلفاً وراءه أنصار «الشرعية والشريعة» والجموع التي أقنعها برش الدماء رداً على رش المياه وما تبقى من لحيته وبقايا صبغته. وإذا كان «لوك كونري» (نسبة إلى الممثل شون كونري بلحيته الشهيرة) الذي انتهجه حجازي على سبيل التمويه نتج منه تخلصه من جانب من لحيته، فقد تخلص رمز آخر من رموز الجماعة من كل لحيته قبل أن يتوجه إلى مطار القاهرة الدولي في طريقه إلى إيطاليا هو الناطق باسم حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية للجماعة، مراد علي الذي ظهر ب «لوك» مغاير تماماً بعدما حلق لحيته كلها وارتدى ملابس «كاجوال» بدل البذلة ورابطة العنق. ليس هذا فقط، بل كلل ال «لوك» الجديد بعد القبض عليه بالإشارة للكاميرات بالعلامة التي ابتدعها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ملوحاً بأربعة أصابع من يده في إشارة إلى اعتصام «رابعة»، وهي العلامة التي تناقلها أنصار الجماعة، لا سيما الشباب الذين غزوا بها أثير «فايسبوك» و «تويتر». وبما أن عصر تقنية المعلومات والشبكات العنكبوتية يجعل تغيير ال «لوك» الافتراضي على متن صفحات التواصل الاجتماعي مساوياً لتغيير ال «لوك» الفعلي من لحية وجلباب إلى ربع لحية وصبغة أو من دون لحية وكاجوال، تحول «فايسبوك» إلى اللون الأصفر من قبل شباب داعمين للجماعة ومتعاطفين معها اتفقوا في ما بينهم على تحويل صور ال «بروفايل» إلى علامة «أربعة» الأردوغانية على خلفية صفراء لتصبح بمثابة رسالة صفراء بأصابع مرفوعة موجهة إلى العالم تضامناً مع «رابعة». ولا يخلو ال «لوك» الجديد الذي طرق أبواب مراكز التجميل ومكاتب مصممي الشعارات المسايرة لروح العصر والمتزامنة والانقلاب الكلي الذي تعيشه الجماعة من مؤثرات صوتية وموسيقى عصرية تواكب ما يجري. أغان شبابية ذات دقات عصرية يبثها أنصار «الشرعية والشريعة» على أثير ما تيسر من شبكة عنبكوتية وما تبقى من محطات تلفزيونية تنجو من براثن التشويش. أغان تستخدم الموسيقى وتلعب بالنغمات وتتغنى بحلاوة الثورة الأصلية ونقمة الانقلاب الدموي تظهر بين الحين والآخر بدل أنشودة «مصر إسلامية» وأهزوجة «ارحل يا سيسي مرسي رئيسي». ومع تغيير «لوك» رموز الجماعة وضخ دماء محملة بكرات ليبرالية حمراء ونغمات موسيقية وألوان علمانية من أصفر يساعد على توضيح الفكر المرتبك ويؤدي مع طول الاستخدام إلى الاكتئاب والانعزال، تظل الجماعة بعيدة كل البعد عن الاستفادة من تقنيات تغيير ال «لوك» وسبل تحديث التقنيات وتعديل الأدوات إما لتهريب القيادات أو تثبيت القواعد أو نشر الخراب والدمار من أجل عودة مرسي إلى القصر، عبر إخضاع منهجها وتعديل فكرها اللذين باتا قاب قوسين أو أدنى من الاندثار بعد كمال الانتحار. الجماعة في حاجة إلى جردة عاجلة.