لخّص أحد شعراء الإخوان رؤية الجماعة لمفهوم الوطن والمواطنة ببيتن من الشعر، قال فيهما: ولست أرى سوى الإسلام لي وطناً/ الشام فيه ووادي النيل سيّان وكلما ذُكر اسم الله في بلد/ عددت أرجاءه من لب أوطاني فالجماعة تستمد مواقفها الأصيلة من الوطن من فكر عرّابها وإمامها حسن البنا الذي كان يؤمن بأن العقيدة، لا الجغرافية، هي من ترسم حدود الوطن. فالوطنية في فكر البنا على درجات أربع: تنطلق بداية من القطر الخاص، ثم تمرّ بأقطار الإسلام، وبعدها تذّوب أقطار الإسلام في بوتقة دولة الخلافة كمثل تلك التي شيّدها الأسلاف، وفي النهاية يسمو وطن المسلم ليطوي تحت جناحيه كل أصقاع الأرض. ولا حاجة للقول بأن تصور البنا هذا لمفهوم الوطن يبدو رومانسياً وساذجاً أكثر من اللازم لدرجة يتعذر تحويله إلى واقع ملموس. ولم يشذ سيد قطب، الأب الروحي للإسلام الراديكالي، في موقفه من الوطنية عن سلفه البنا، فقد وضع قطب رابطة العقيدة فوق رابط الجنسية، وهو القائل: «إن المجتمع الإسلامي وحده هو المجتمع الذي تمثّل فيه العقيدة رابطة التجمع الأساسية، والذي تعتبر فيه العقيدة هي الجنسية بين الأسود والأبيض والأحمر والأصفر، والعربي والرومي والفارسي والحبشي وسائر الأرض في أمّة واحدة ربها الله...». ولم تكن نظرة قطب للوطن سوى امتداد لنظرة ملهمه ومعلمه الباكستاني أبي الأعلى المودودي والذي كان لا يرى في الوطن سوى «قطعة من طين». ألا يذكرك هذا الحط من قيمة الوطن عند المودودي بما تعارف عليه أتباع التيار الديني في بلادنا من نعت الوطن ب«الوثن»؟ وكما أخفق البنا في وضع الخطوات التفصيلية التي يمكن الاستضاءة بها في الوصول إلى هذا البناء الأممي، فقد تحاشى قطب كذلك الدخول في التفاصيل. وعلى رغم انقضاء عشرات الأعوام على رحيل البنا وقطب، إلا أن الجماعة مازالت على وفائها لأسلافها. ففي مقابلة صحافية مع مرشد الإخوان السابق مصطفى مشهور صحيفة الشرق الأوسط: «9 آب (اغسطس) 2002»، قال مشهور إن الجماعة لم تتخل يوماً عن حلمها العتيق في تطبيق الشريعة الإسلامية واستعادة أمجاد الخلافة الغابرة. وجاء من بعده المرشد مهدي عاكف والذي قال منفعلاً لمراسل مجلة روز اليوسف في عام 2006: «طز في مصر... وأبو مصر... واللي في مصر». وبعد أن أمسك الإخوان بزمام السلطة في مصر، بدأ الحديث عن الخلافة ينشط ويكثر، خصوصاً مع تلهف وتحفز الفروع والتنظيمات الإخوانية المنتشرة عبر دول الخليج وغيرها من الدول العربية للوثوب على السلطة السياسية تمهيداً لإقامة الخلافة الإخوانية الكبرى. ولهذا فلا غرابة عندما يقسم أحد الدعاة السعوديين المتأخونين حين قال: «نحن ننتظر الخلافة الإسلامية... وأقسم بالله الخلافة الإسلامية مقبلة وكأني أنظر إليها بعيني الآن...». وعلى ما يبدو فإن هذا الداعية يملك من القدرات الخارقة التي تجعله يرى ما لا نراه، فقد سبق له أن رأى الملائكة تقاتل بجانب ثوار سورية، ثم أقسم بأن المجرم بشار الأسد سينتهي مقتولاً، وها هو اليوم يرى الخلافة الإسلامية تطل برأسها من قبرها لتبسط أجنحتها على العالم الإسلامي! وكما قال مرشد الإخوان ذات مرة: «طز في مصر»، فلا عجب أن يقول أتباعه في الدول العربية مثل مقولة «البابا» في مصر، خصوصاً أن بيعتهم لمرشد الجماعة بيعة مطلقة، وهو ما يخلق تعارضاً بين ولائهم لأوطانهم وولائهم لسيدهم المطاع في القاهرة. يقول الدكتور أحمد البغدادي – رحمه الله – أن الغزو الصدامي للكويت عرّى حقيقة إخوان الكويت، حين انساقوا وراء ولائهم الأيديولوجي للجماعة المؤيدة للاحتلال العراقي على حساب ولائهم لوطنهم الأم، لدرجة أن إحدى قيادات الإخوان في الكويت وصف عملية تحرير بلاده بالجريمة الأميركية! وكما أقسم صاحبنا بأنه يرى بأم عينيه الخلافة مقبلة، فإني أقسم بأني أرى خيانة الإخوان آتية لا ريب فيها في ما لو جرى – لا سمح الله – لهذه البلاد العزيزة مكروه! [email protected]