الإخوان المسلمون لم يستوعبوا بعد تلك الحشود الضخمة من المصريين التي ملأت الشوارع والميادين في كل مصر تطالب بإسقاطهم؛ فكيف يُطالب شعبٌ مسلم بإسقاط حكام مسلمين، أتوا -كما يدعون- للدفاع عن الهوية الإسلامية، ولتحكيم الشريعة، والأهم أن تكون مصر منطلق (دولة الخلافة) التي يحلم بها المسلمون، لتصبح الأوطان مجرد (أقاليم)، تدار من عاصمة الخلافة، التي يصر بعضهم على أن تكون (القدس) بعد تحريرها طبعاً، في حين يرى آخرون من منظري الإخوان أن ذلك حلم سيتحقق بلا شك، ولكن من متطلبات (الموضوعية) أن يقبلوا (مضطرين) بأن تكون (القاهرة) الآن عاصمة الخلافة، و(المرشد) هو الخليفة، وبعد تحرير فلسطين من الاحتلال لا مانع من نقلها مستقبلاً إلى (القدس). الشيخ محمد العريفي أشار في خطبته الأخيرة في مسجد «عمرو بن العاص» في القاهرة إلى حلم دولة الخلافة، وصرح على رؤوس الأشهاد أنهم ينتظرونها، حين قال بالنص: (نحن ننتظر الخلافة الإسلامية.. وأقسم بالله الخلافة الإسلامية قادمة، وكأني أنظر إليها بعيني الآن، وما يحدث اليوم في البلاد الإسلامية الآن من اتحاد لعلماء الأمة وأحداث يؤكد أن الخلافة الإسلامية قادمة). وهذا ما يسعى إليه الإخوان، وما يعمل لتحقيقه (التنظيم الدولي للإخوان)، وهو ما تتوق إليه -أيضاً- (يرقاتهم) المحلية التي بذروها أينما وجدَ لهم تنظيم سواء ظهر فوق الأرض وأعلن عن نفسه، أو بقي تحت الأرض يعمل في الخفاء لتحقيق ما يصبو إليه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؛ فالوطن بالنسبة (للإخواني) يجب ألا يتعدى كونه مجرد (إقليم)، أو كما يُسمونه (قُطراً)، يتبع لعاصمة الخلافة، ويأتمر أهله بالأوامر الصادرة من عاصمة الخلافة، وتؤول إليها ثرواته؛ ومن رأى أن الوطن والدفاع عنه وعن حدوده (غاية) فقد أخَلَّ بفرض من فروض الإسلام، وهو ما أشار إليه منشور وزِّعَ بعد خطبة العريفي المذكورة آنفاً في القاهرة بعنوان (دولة الخلافة وجوب أو اختيار؟) جاء فيه بالنص: (والقيام بهذا الفرض -(أي دولة الخلافة)- هو كالقيام بأي فرض من الفروض التي فرضها الله على المسلمين، وهو أمر محتم لا تخيير فيه، ولا هوادة في شأنه، والتقصير بالقيام به معصية من أعظم المعاصي). وقد أصل المنشور لكون (دولة الخلافة) فرضاً كبقية فروض الإسلام بآيات وأحاديث تنتهي إلى أنها واجبة التطبيق؛ وصورة هذا المنشور موجودة بالصورة في موقع «اليوتيوب» على الإنترنت لمن أراد أن يتأكد منها بنفسه على هذا الرابط http://www.nmisr.com/vb/showthread.php?t=450361 وكان المرشد السابق للإخوان مهدي عاكف -(مهنته مدرس رياضة بالمناسبة)- قد أكد أن الأوطان لا قيمة لها في النظرية السياسية الإخوانية، حين نشرت مجلة «روز اليوسف» حواراً صحفياً معه قبل سنوات، وسأله الصحفي الذي كان يحاوره: هل صحيح أنكم لا تُمانعون من أن يحكم مصر غير مصري طالما كان مسلماً، فأجابه عاكف مؤكداً على ذلك بقوله: (طز في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر..)؛ وقد أثار تصريحه حينها صخباً وجَلبة أحرجت الإخوان آنذاك كثيراً. ومن المعروف أن جماعة الإخوان لا تهتم كثيراً بقضايا العقيدة، إلا بالقدر الذي يخدم أهدافها السياسية، فهم يرون أن إثارة قضايا العقيدة من شأنها أن تعيق مشروعهم السياسي؛ فالسياسة تأتي في أولوياتهم قبل العقيدة؛ بل لا مانع من تجاوزها، والضرب بها عرض الحائط، إذا كان من شأنها أن تُعيق الهدف السياسي للجماعة، وهو (دولة الخلافة). كل ما أريد أن أقوله هنا: إن هذه الحركة (الأممية) حركة محض سياسية، تسعى إلى إلغاء الأوطان، كما أن الدين، وتحكيم الشريعة مجرد مطية أو وسيلة ليس إلا، أما الهدف والغاية فهو (الحكم)، وما تبقى مجرد شعارات لا قيمة لها عند التطبيق؛ وهذا ما تأكد جلياً حين ألغى الإخواني (راشد الغنوشي) في تونس أي ذكر (للشريعة) في دستور تونس الجديد، مدعياً أن الشريعة هي (قيم وأخلاقيات) وليست نصوصاً مقدسة. إلى اللقاء،،،