لا يجمع العائلة العراقية شيء في رمضان مثلما يجمعها الفطور الجماعي وجهاز التلفزيون الذي تمضي أمامه العائلات ساعات طويلة تشاهد فيها المسلسلات والفوازير والبرامج المنوعة. فبعد وجبة الفطور، تتوزع الأسر على جهازي تلفزيون أو ثلاثة داخل المنزل، وفق المسلسلات والبرامج التي اتفقت على مشاهدتها في شكل جماعي، وتستمر السهرة حتى السحور، فضلاً عن متابعة المسلسلات التي تعُاد في اليوم الثاني لقتل النهار الطويل ونسيان ساعات الصيام في فصل الصيف. وتبدو الأسر الكبيرة أكثر ميلاً إلى التوزع على أجهزة التلفزيون بسبب اختلاف ميول شبابها من الجنسين عن ميول الشيوخ وما يتابعونه. لذلك يُخصص جهاز تلفزيون واحد للأبوين، فيما يجتمع بقية أفراد الأسرة على جهاز آخر، أو يجلس من ينامون مبكراً أمام جهاز، والراغبون في السهر حتى السحور أمام جهاز آخر. أما الأسر الصغيرة فلا تحتاج إلى مثل هذا التوزيع. قتل الوقت تقول إخلاص محسن إن «متابعة التلفزيون أثناء رمضان تقتل الوقت، فبسبب الصيام ليس لدينا الاندفاع لعمل شيء آخر يحتاج إلى جهد فكري، مثل اللعب مثلاً أو غيرها، فضلاً عن أن التلفزيون يصبح مصدراً رئيساً لتسلية العائلة وجمع شملها ساعات طويلة». وتقارن إخلاص بين برامج التلفزيون، بالقول: «كانت غالبية المسلسلات الرمضانية سابقاً ذات طابع تاريخي أو ديني. أما اليوم، فالمسلسلات متنوعة وتتناول قضايا مختلفة في الحياة غالبيتها مستنبطة من الواقع وبعضها يتناول موضوعات مرت عائلات بظروف مشابهة لتلك التي يمرّ بها أبطال المسلسل، فيما بعضها الآخر غريب تماماً عن الواقع» وتضيف: «وحدها والدتي تتابع مثل تلك المسلسلات، إذ خصصنا لها جهاز تلفزيون، أما نحن فنجلس جميعنا لمشاهدة البرامج على جهاز واحد. أنا أعتبر الأمر نعمة في رمضان، ففي الأيام العادية لا نجتمع بسهولة كعائلة مثلما تجمعنا الدراما في رمضان». نسرين جمال تتابع التلفزيون بشغف في رمضان مع عائلتها، وترى أن الدراما الرمضانية مميّزة، فهي تستقي قصصها من الواقع، خصوصاً المصرية منها التي تتابعها بشغف كبير. رمضان يجمع التنوع الكبير في البرامج يمنح جهاز التلفزيون تأثيراً سحرياً في العائلة في رمضان. فمثلما لا تجتمع العائلات العراقية على وجبة الغداء إلا يوم الجمعة، فإنها لا تجتمع في مكان واحد إلا في رمضان أمام شاشة التلفزيون. ويرى محمد سمير المعموري، المتخصص في علم الاجتماع في الجامعة المستنصرية، أن الدراما الرمضانية سيف ذو حدين في تأثيرها في العائلة، فهي تقوي أواصر الترابط الأسري بين أفراد العائلة الواحدة وتجمعهم ساعات طويلة أمام جهاز التلفزيون في مشهد لا يمكن أن يتكرر خارج رمضان، كما أنها تقلل من إدمان الشباب على الإنترنت لأنها تحِّول اهتماماتهم إلى التلفزيون، وبالتالي يمضون مدة أطول مع عائلاتهم. أما الجانب السلبي، كما يراه المعموري، فيتمثل في احتواء الدراما الرمضانية على الكثير من مشاهد العنف التي تؤثر في الأطفال والمراهقين عموماً. ويضيف: «مشكلة العائلة العراقية أنها تسمح للأطفال والمراهقين بمشاهدة كل البرامج التلفزيونية في رمضان، ولا تضع الممنوعات أمام الصغار، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر في تكوين شخصيتهم مستقبلاً، ويعزز جانب الميل نحو العنف».