موازنة ثقيلة وطلبات لا تنتهي قبل حلول العيد، هكذا يبدو شهر رمضان في العراق الذي يعيش ظرفاً خاصاً وطقوساً مميزة في الشهر الفضيل. العائلات العراقية تخصص موازنة مالية قد تصل إلى ثلاثة أضعاف مصروفها الشهري لشهر رمضان، يُصرف معظمها في إعداد الولائم العائلية ودفع فواتير إضافية للمولدات الخاصة في أحياء بغداد لضمان استمرار التيار الكهربائي ساعات أطول في شهر الصيام الذي يتزامن مع موسم الصيف الحار. تقول فاطمة محمد محسن إن زوجها يدفع 75 دولاراً شهرياً لتغذية المنزل بالكهرباء من الساعة السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً مع ساعتين إضافيتين أثناء النهار. أما في شهر رمضان، فاشتركت في خط خاص تم التسجيل عليه قبل حلول الشهر الفضيل بأسبوعين. وهذا الخط الذي يسمّيه السكان بالخط الذهبي يوفر الكهرباء طوال النهار من دون انقطاع. تضيف فاطمة: «لن نستطيع الصيام في هذه الأجواء الحارة والمتربة من دون توفير الكهرباء داخل المنزل. كما خصصنا موازنة أخرى لوجبات رمضان والولائم التي سنقيمها في شكل مشترك مع عائلتي وعائلة زوجي وبعض الأصدقاء». أجواء رمضان بدأت تظهر مبكراً في الشوارع من خلال الاستعدادات التي تقوم بها المطاعم والمحال التجارية والإعلانات التي تنتشر في شوارع بغداد للترحيب برمضان وتحض الناس على الصيام. يقول سعد شكري، صاحب مطعم في حي الكرادة: «غيّرنا ساعات العمل لتتناسب مع شهر رمضان، وسنقوم بإعداد وجبات خاصة مع الحلويات التي اعتاد العراقيون على تناولها في هذا الشهر». ويؤكد شكري أن مطعمه سيفتح من الساعة 12 ظهراً لغير الصائمين، ثم يعد وجبات خاصة للإفطار، ويستمر في العمل حتى السحور، على رغم حظر التجول الذي يبدأ في الواحدة ليلاً. ويضيف: «لن يلتزم أحد نظام حظر التجول. فالعائلات العراقية تقضي غالبية أوقاتها خارج المنزل في رمضان لتستمتع بالأجواء الخاصة بالشهر». في المقابل، ثمة عائلات كثيرة لا تستهويها المطاعم، تعدّ وجباتها الرمضانية بنفسها في شكل يومي، ولا تخرج إلى المطاعم إلا نادراً. لكن ما يميِّز وجباتها البيتية أنها تبدأ بوليمة كبيرة في الفطور ثم وجبتين أو ثلاث خفيفة قبل السحور، ثم وجبة السحور التي تختلف العائلات العراقية في اختيار مكوناتها. لكنها تتشابه في شيء واحد أنها لا تنسى استخدام الهاتف النقال لإيقاظ النائمين من الأقارب. فالخدمات المجانية التي تقدِّمها شركات الهاتف النقال من الساعة 12 ليلاً وحتى السحور تتيح استخدام الهاتف ساعات في مقابل نفقات أقّل. البرامج التلفزيونية الخاصة برمضان هي الأخرى لها طعم خاص وتحظى باهتمام كبير من العائلات العراقية، لكن المشكلة تكمن في تنوّع الأذواق. فمن النادر أن تجتمع العائلة على أكثر من برنامجين أو مسلسلين تلفزيونيين. فالاجتماع الى مائدة الطعام ينتهي بعد تناول الفطور، لتتفرق العائلة على جهازين أو ثلاثة من أجهزة التلفاز لمشاهدة البرامج الرمضانية طبقاً لاهتمامات أفرادها. تقول سعاد جودت إنها تتابع مع زوجها البرامج ذاتها في رمضان، فيما يختار أولادها برامج أخرى وينقسمون إلى مجموعتين. وتضيف: «لدينا ثلاثة أجهزة تلفزيون في المنزل. ولذلك لا نعاني من أية مشكلات في مشاهدة البرامج الرمضانية، على عكس بعض جيراننا الذين يتنافسون للحصول على جهاز الريموت كونترول، ما يضطر بعضهم إلى متابعة البرامج في الأماكن العامة خصوصاً الشباب الذين تستهويهم مباريات كرة القدم أكثر من البرامج التقليدية في رمضان». العراقيون يعيشون رمضان في طقوس خاصة، بعضها يتكرر سنوياً وبعضها الآخر يطرأ بحسب الموسم، لكن رمضان الصيفي قد يحمل مفاجآت كثيرة غير متوقّعة.