بجولة حرة في أسواق تتكدس فيها أنواع مختلفة من الأغذية والتوابل، تبدأ الأسرة العراقية رمضانها الذي تسبقه رحلة التسوق بأسبوع أو أسبوعين. أنواع التوابل والمكسرات وبعض المواد الخاصة بتحضير الحلوى، تعتبر من لوازم المائدة الرمضانية، إلى جانب الوجبة الأساسية التي تقتني فيها العائلة كميات كبيرة من الرز واللحوم والأسماك والبقوليات وغيرها من المواد. وحلول رمضان في فصل الصيف للعام الثاني على التوالي، يضع العائلة العراقية في مأزق مالي، فالمصاريف الإضافية التي اعتادت العائلة العراقية تخصيصها لهذا الشهر لضمان شراء المواد الغذائية التي تتنوع وتتزايد في شكل كبير، باتت الأسرة العراقية مضطرة لاقتطاع جزء منها لتوفير الكهرباء في المنازل أثناء الصيام. وقررت وزارة الكهرباء تخفيض أسعار الوحدات الكهربائية للمولدات الخاصة في غالبية المناطق السكنية في المدن العراقية، إلا أن القرار سمح بمنح العائلات بضع ساعات إضافية من التيار الكهربائي ليلاً، لكن نهار الصيف الحارق لا يزال يعاني انقطاعات ساعات طويلة. ويلجأ الأهالي إلى توفير خيارات أخرى، أهمها شراء مولدات صغيرة يستعينون بها لتوفير الكهرباء أثناء استراحة المولدات الكبيرة ليتمكنوا من صيام رمضان في أجواء ملائمة نسبياً. ويقول علي، الذي يقطن حي الحرية في بغداد: «هيأتُ موازنة خاصة لرمضان تتضمن شراء ساعات أكثر من المولدات الخاصة وشراء مولد صغير لاستخدامه عند الحاجة». ويضيف: «صيام رمضان هذا العام صعب، ولذلك لجأتُ إلى خيارات عدة لتخفيف عبء حرارة الصيف على عائلتي». وعمد أصحاب المحال التجارية إلى زيادة أسعار المواد وخصوصاً البقوليات والرز والزيت التي تحتل المرتبة الرئيسة في مائدة الإفطار، ومشى على خطاهم أصحاب محال القصابة الذين رفعوا أسعار اللحوم، لمعرفتهم بازدياد الإقبال عليها. ما دفع بالعائلات إلى اللجوء إلى أسواق «الجملة»، وبدء التسوّق المبكر تلافياً لارتفاع الأسعار. ويخبر سردار، سائق تاكسي، بأنه اقتنى مجموعة صغيرة من التوابل الأصلية بما يقارب 200 دولار أميركي من أجل استخدامها في مأكولات رمضان. ويعود جذور الإسراف في شراء التوابل إلى العادات الكردية، فأكراد العراق يخصصون لكل نوع من الطعام نوعاً معيناً من التوابل. وغالباً لا يؤثر ارتفاع الأسعار في رغبة العائلات العراقية في تناول بعض وجباتها خارج المنازل في المطاعم المنتشرة في بغداد، والتي غالباً ما تعد وجبات خاصة في شهر رمضان تتناسب مع أذواق العراقيين ومطبخهم. وبدأت وجبات الفطور الخاصة في المطاعم، تجتذب كثيرين ممّن كانوا يصرون على إعداد الوجبات المنزلية، وباتت المطاعم تتنافس فيما بينها في اجتذاب الصائمين بإعلانات تنافسية على واجهاتها. ويبدو شهر رمضان هذا العام أكثر هدوءاً، إذ إن بعض العادات الرمضانية الذي اختفى في سنوات العنف الطائفي، عاد ليظهر مرة أخرى بين السكان، وبدأت فرق «المحيبس» بالتحضير لسباقات يومية بين المناطق المجاورة داخل المقاهي والمتنزهات العامة. ويسعى الصائمون للتغلب على حر الصيف بنوع خاص من الرياضة، كإقامة مسابقات في السباحة في نهر دجلة، حيث يلعب الصغار والكبار ساعات داخل المياه الجارية لنسيان العطش مثلما حدث في رمضان الماضي. وتقدّم مقاهي بغداد برامج خاصة برمضان، وتستقبل الصائمين إلى ساعات متأخرة من الليل بفاعليات جميلة، تعيد إلى الذاكرة الأيام الخوالي للتقاليد الرمضانية في العاصمة العراقية. أما البغداديون الذين كانوا يعتمدون لقرون عدة على المسحراتي، فاستعاضوا عنه بالهاتف النقال الذي يحمل نغمات مختلفة للإيقاظ وقت السحور، وساعدهم في ذلك الخدمات التي تطلقها شركات الهاتف النقال في العراق والتي غالباً ما تمنح المشتركين عشرات الرسائل والمكالمات المجانية في رمضان، فيما تتقاضى أسعاراً زهيدة عن المكالمات التي تجرى بين منتصف الليل ووقت السحور. واستحوذ رمضان هذا العام في العراق على موازنة الأسرة بكاملها، بعدما اقتسمها في السنة الماضية مع حاجات المدرسة حينما تزامن مع العام الدراسي.