دين، سياسة، عنف، اغتصاب، تمكين، حمل آمن، حرية، قدرة على التعبير، تحرش سياسي، تمكين اجتماعي، حرمان من التعليم، استثمار... وفرص ضائعة وأخرى «تتلألأ» في الأفق. قد يبدو ما سبق قضايا مبعثرة لا علاقة في ما بينها، لكن ما يجمع بينها هو النساء والبنات، وهي القضايا التي تجمّع من أجلها آلاف من المسؤولين والخبراء والمهمومين بوضع المرأة في 150 دولة تمثل أرجاء المعمورة. المثير للدهشة هو أن مؤتمر «النساء ينجبن»، الذي يعد أكبر تجمع أممي عن النساء ولهن، والذي استضافته العاصمة الماليزية كوالالمبور قبل أيام، انشغل كثيراً بإناث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خصوصاً في دول الربيع العربي. نظرياً، كان يفترض أن تدور جلسات المنطقة عن دور نساء الربيع العربي في إشعال الثورات وتغيير الأنظمة وأثر هذه المشاركة على حياتهن العامة والخاصة واستكمال مساراتهن في الحصول على ما تبقى من حقوق صحية وسياسية ومعيشية وتعليمية... وغيرها. لكن ما حدث كان بكاء على حقوق ضاعت وأخرى في الطريق إلى الضياع، في ظل تحوّل الكثير من الدول إلى حكم تيارات الإسلام السياسي التي تنظر إلى المرأة نظرة «مختلفة». وإذا كان الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، فإن الاختلاف حول حق المرأة في أن تكون كائناً يتمتع بحقوق وواجبات مساوية لتلك التي يتمتع بها الرجل، لمجرد اختلاف الكروموسومات يفسد للود كل قضية. نساء العالم الذين ملأن مركز مؤتمرات كوالالمبور الشاهق على مدى أربعة أيام جاؤوا لبحث ما أنجز للنساء والفتيات، وما أخفق فيه العالم، وما ينبغي العمل عليه لتحقيق محور التنمية لأهداف الألفية وما بعد العام 2015. تحدث العالم عن سبل غير تقليدية لتضييق الخناق على ختان الإناث في دول مازالت تصر عليه، والتفكير خارج الصندوق في ما يختص بإتاحة سبل تنظيم الأسرة، والتأكد من أن كل بنت تضمن حقها في تعليم جيد، وكل امرأة قادرة على التحكم في حياتها من خلال تعليم جيد ورعاية صحية آدمية والحصول على المعلومات التي تحتاجها لتكون مواطناً كامل الأهلية! رئيسة مؤسسة «النساء ينجبن» السيدة جيل شفيلد رأت أنه لا سبيل للوصول إلى أهداف الألفية وما بعدها إلا بالاستثمار في الفتيات والنساء، «لأنه حين يبقين على قيد الحياة وفي صحة جيدة وبعقول صحيحة، ينعم الجميع بحياة رغدة»! وتبدو كلمة «رغدة» بعيدة تماماً عن مجريات المرأة في المنطقة! فعلى رغم الشحنة الإيجابية التي حاولت شفيلد أن تبثها من خلال التأكيد أن دولاً في المنطقة حققت إنجازاً وأخرى كان يتوقع منها المزيد، فإن القادمات من المنطقة بثثن شحنات أخرى من وحي ما يعشنه يومياً. «تطورات الأوضاع الخاصة بالنساء في ما بعد ثورات الربيع العربي ألقت بأحمال ثقيلة عليهن، وإن كان هذا لا يعني أنهن كن يعشن حياة عامرة بالحقوق قبل رياح الثورات وما أسفرت عنه من صعود الإسلام السياسي إلى سدة الحكم»، كما تقول العضو المؤسس ل «الاتحاد الديموقراطي للنساء المغربيات». وهي تنتقد محاولات تقييم أوضاع المرأة في المنطقة العربية بمعزل عن الأوضاع برمتها، ما يعد تقييماً ناقصاً، «وعلينا تغيير لغة الخطاب الخاص بقضايا المرأة والفتيات لأنهن بتن جزءاً وأحياناً قلب التغيير»! وليس هناك أدل على أن نساء الربيع العربي وفتياته قلب التغيير، من أن المعركة من أجل الديموقراطية والحرية ومقاومتهما تجري على أجسادهن. أستاذة الأدب الإنكليزي المقارن والناشطة النسوية الدكتورة هدى الصدة ترى أن المعركة الجارية رحاها حالياً بين الإسلاميين وغير الإسلاميين محورها المرأة باعتبارها رمزاً وأداة للتغيير، إما بالرجوع إلى الخلف أو التقدم إلى الأمام! وسواء كان ما يحدث في شأن المرأة في مرحلة ما بعد الربيع تقدماً أو تقهقراً، فإن رئيسة «المجلس القومي للمرأة» في مصر السفيرة ميرفت تلاوي ترى أن ما يحدث «شيء لم نعهده أو نراه على مدى الأربعين سنة الأخيرة» تقول: «إن ما يحدث في شأن تعليم المرأة وصحتها، وهما من بديهيات الحقوق، وراء الخيال! فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك منشور رسمي صادر عن وزارة الصحة (المصرية) يطالب بإزالة صفحات في منهج العلوم تتناول وسائل تنظيم الأسرة، ناهيك بعودة انتشار ختان الفتيات وزواج الفتيات الصغيرات»! وعلى رغم المناقشات العلمية والحوارات اللوجستية التي ملأت أرجاء المؤتمر الأممي في هذه الشؤون وغيرها من قضايا تمس صميم صحة الأنثى، بالإضافة إلى سبل علاجها، فإن كل ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ونسائها وبناتها طغت عليه لكنة السياسة، وألقى عليه العنف الذي تموج به المنطقة ظلالاً ثقيلة. هذه الظلال الثقيلة وصفتها الأستاذة في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة تمار كباكيان خاشوشليان بأنها «صراعات حالية تهدد حقوق النساء وتقيد حصولهن على الخدمات الصحية الضرورية. كما أن حال العنف العام تجعل النساء في المنطقة العربية معرضات للعنف الممارس على أساس النوع ويضعف من سبل تحسين وضعية النساء». وترى خاشوشليان أن النساء العربيات يعانين عموماً من نوعية أو جودة مستوى الخدمات الصحية الموجهة لهن، وهي النوعية التي تزداد سوءاً وتندر مع اتساع رقعة الصراعات ووطأتها! أروقة المؤتمر ودهاليزه تنضح بمئات الأركان وآلاف الحالمين والداعمين للمرأة والفتاة، «ينبغي ألا تموت امرأة بسبب سرطان الرحم»! «بنات صحيحات = نساء صحيحات»، «الإيدز هو الخاسر»، «كل فتاة وامرأة يحق لها أن تقرر مستقبلها»، «الفتيات قادمات»، «إنقاذ حياة الأطفال يبدأ بالإبقاء على الأمهات على قيد الحياة»، «مكنوا النساء اقتصادياً»، «تنظيم الأسرة حق للجميع»، «الحمل الآمن يبدأ من المعلومة الصحيحة والخدمة الصحية المضمونة»! ويرى شفيلد، ان إغلاق الهوة المميتة بين ما نعرفه وما نفعله يبدأ من الاستثمار في الفتاة والمرأة. فمتى نبدأ! مرة أخرى يعود السؤال إلى نساء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اللواتي بتن يصارعن طواحين الهواء، فمن صراع من أجل الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية المتاحة للمرأة، إلى صراع من أجل الاحتفاظ بما أنجزته على مدى سنوات طويلة مضت. ومحاولات التمكين الاقتصادي والترشح السياسي والمشاركة المجتمعية. وها هي تعود بعد أكثر من عقد من الألفية الثالثة لتصارع من أجل منع الختان، وحظر زواج الطفلة، والسماح لها بالذهاب إلى المدرسة، وتمكينها من تنظيم الأسرة، والحصول على خدمات صحية إنجابية معقولة. أبرز نساء العالم اتفقن على حتمية الاستثمار الأممي في الفتاة والمرأة، من الرئيسة المشاركة في «مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية» ميليندا غيتس، إلى أميرة الدنمارك الأميرة ماري، إلى مديرة برنامج الأممالمتحدة الإنمائي السيدة هيلين كلارك... وغيرهن كثيرات. الجميع يطالب ويعمل على وضع النساء ليس فقط في القلب، ولكن على رأس قائمة أولويات العالم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. فهل يفعلها الربيع العربي؟ الديموقراطية بلا نساء «ادعم النساء اللواتي يدعمن الديموقراطية»، هو عنوان الحملة التي ستهدف إلى رفع الوعي حول العالم بأن الديموقراطية لن يصل إليها أحد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو غيرها من مناطق العالم، من دون مشاركة كاملة من المرأة التي تشكل نصف تعداد السكان. الحملة التي تنظمها «مبادرة تعليم النساء»، وهي منظمة دولية غير حكومية تعنى بتمكين النساء وتدريبهن على القيادة، تجمع تحت مظلتها كل من يؤمن بأن الديموقراطية من دون حقوق النساء والفتيات والأقليات ليست ديموقراطية حقيقية. وهي تدعو الجميع إلى دعم كل امرأة وفتاة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تناضل من أجل أن تكون جزءاً من الأنظمة السياسية الوليدة في أوطانها.