يتسم الاحتفال باليوم الدولي للمرأة هذا العام بحالة خاصة للغاية، حيث يأتي مقترناً بانطلاق «هيئة الأممالمتحدة للمرأة»، أحدث عضو في أسرة وكالات الأممالمتحدة، كما أنه يأتي في الذكرى السنوية المئة للبدء بالاحتفال بهذا اليوم الدولي في عام 1911. لكن وقبل كل شيء، يأتي الاحتفال بهذا اليوم متوجاً بالدور التاريخي والبطولي للشابات والنساء العربيات في ثورات وانتفاضات الحرية والتحرير التي اجتاحت العالم العربي ولا تزال تهب في العديد من ربوعه. لذلك يجب أن نتوجه في هذا اليوم الدولي بتحية إجلال وتقدير وأن تنحني كل القامات احتراماً وتكبيراً لشهيدات هذه الثورات ولدمائهن الزكية الطاهرة ولبطلاتها وأبطالها. لا بد عند الاحتفال بهذا اليوم الدولي التذكير بالمحاور الرئيسية للقضايا العالمية للمرأة ولما تقوم به الأممالمتحدة لمعالجة هذه القضايا والتعامل معها. هناك سبعة محاور لقضايا المرأة: تحقيق المساواة لها وإعانتها ضد الفقر وتمكينها اقتصادياً، القضاء على جميع أشكال العنف ضدها، تمكينها من المشاركة في الحياة السياسية وصنع القرار، مساندتها وحمايتها في حالات الصراع، ضمان وحماية حقوقها وتنفيذ الاتفاقات الدولية المبرمة لذلك، دعمها في مواجهة مرض الإيدز، وأخيراً دعم الدول في تحقيق الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية المرتبطة جميعها بتنمية المرأة والنهوض بها. 70 في المئة من فقراء العالم أولاً، التمكين الاقتصادي للمرأة. تفيد بعض التقديرات بأن النساء يمثلن 70 في المئة من فقراء العالم وغالباً ما يتلقين أجوراً أقل من الرجال. وتقول تقارير وإحصائيات الأممالمتحدة إن النساء معرضات للفقر والجوع أكثر من الرجال بسب التمييز المنهجي ضدهن في التعليم والرعاية الصحية والتوظيف والتحكم في الأصول. وتقول إن الفقر يحرم الكثير من النساء حتى من أبسط الحقوق، مثل الحصول على مياه الشرب والصرف الصحي والرعاية الطبية والوظائف اللائقة، بل وقد يعني الفقر أيضاً الافتقار للحماية من العنف ولأي دور في صنع القرار. لذلك تعمل الأممالمتحدة على تعزيز وحماية الأمن الاقتصادي للمرأة وحقوقها الاقتصادية، مثل حق التملك والحصول على الائتمانات والوظائف اللائقة وغير ذلك. كما أنها تدعم جهود تحسين أحوال العاملات المهاجرات نظراً لأعدادهن الهائلة وأهمية الدخول والتحويلات الواردة منهن لمجتمعاتهن. كذلك تساعد المنظمة الحكومات على تعميم منظور المساواة بين الجنسين في جميع أطر التخطيط والموازنات. لقد برهنت دراسات عدة على أن توفير الخيارات الاقتصادية للمرأة يعزز بدوره الاقتصادات الوطنية، وأن زيادة مشاركة المرأة في العمل تعني مباشرة زيادة النمو، وأن إزاحة الحواجز المعيقة لاستفادة المرأة من الفرص الاقتصادية ضرورة حتمية للتنمية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن 28 في المئة فقط من نساء العالم العربي يشاركن في القوى العاملة. في هذا الصدد، تعمل الأممالمتحدة منذ سنوات في الدول العربية والآسيوية المصدرة للعاملات والمستقبلة لها من أجل حماية حقوقهن. ففي الأردن، على سبيل المثال، أفضت هذه الجهود إلى اعتماد عقود عمل ملائمة للمهاجرات وتضمن حقوقهن الشاملة للحق في الرعاية الطبية وأيام الراحة ودفع الأجور في الوقت المناسب وغير ذلك. كما دفعت المنظمة مكاتب تشغيل المهاجرات في تسعة بلدان آسيوية حتى الآن إلى اعتماد «عهد السلوك الأخلاقي والممارسات الرشيدة» الذي يلزمها بتوعية العاملات المهاجرات وأرباب عملهن ببرامج الضمان والتأمينات الاجتماعية الحامية للعاملات وبإنشاء مراكز موارد وخدمات في البلدان المستقبلة للعاملات. العنف وجرائم «الشرف» ثانياً، العنف ضد المرأة. لا تزال هذه الظاهرة المؤلمة تقض مضجع ملايين النساء والفتيات في أنحاء العالم واللائي يخضعن باستمرار لأشكال عدة من العنف والإساءة والتحرش والتعديات الجنسية، سواء في المنازل أو المدارس أو وسائل المواصلات العامة أو أثناء العمل أو على الطرق وفي مخيمات اللاجئين وساحات الصراع وغير ذلك. كما لا ننسى جرائم «الشرف» وأشكال القتل الأخرى للنساء. ولا تزال هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق المرأة وسلامتها ترتكب على نطاق واسع، وعلى رغم تفشي الظاهرة وعواقبها الوخيمة على الأسرة والمجتمع غالباً ما تتجاهلها مجتمعات عدة وقوانينها وسياساتها. وتفيد دراسة للبنك الدولي بأن العنف ضد الإناث في أعمار 16 إلى 44 سنة يشكل سبباً رئيسياً للوفاة والعجز ويفوق خطره السرطان وحوادث الطرق والحروب والملاريا. وأثبتت بحوث أن هذا العنف يعيق أيضاً الإنتاجية ويضر بقدرات الموارد البشرية ويقوض النمو الاقتصادي. لذلك ثمة حاجة ماسة إلى قوانين صارمة وفعالة ومضمونة الإنفاذ لتوفير الحماية والوقاية. ولمعالجة هذه الظاهرة بادرت الأممالمتحدة الى إطلاق «البرنامج العالمي للمدن الآمنة الخالية من العنف ضد النساء»، وهو مبادرة فريدة تركز على خفض العنف والتعديات الجنسية في الأماكن العامة بالمدن من خلال تمكين المجتمعات وعقد شراكات مع سلطاتها المحلية. كذلك أنشئ صندوق الأممالمتحدة الاستئماني لدعم الإجراءات الرامية للقضاء على العنف ضد المرأة. في السودان، على سبيل المثال، تتعاون الأممالمتحدة مع الشرطة المحلية وزعماء القبائل في دارفور لتدريب النساء في مخيمات اللاجئين على حماية أنفسهن من العنف الجنسي والبحث عن الدعم الطبي وتشجيع رجال منتقين على الإسهام في حمايتهن، وأفضت جهودها إلى إنشاء أقسام للأطفال والأسر داخل مراكز الشرطة وتعيين 500 شرطية في جنوب دارفور. الأمراض ونقص المناعة ثالثاً، قضية فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. إن الأممالمتحدة تعمل منذ سنوات على التصدي لمشاكل النساء المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، واللائي يمثلن نصف عدد المصابين عالمياً والبالغ أكثر من 30 مليوناً. إن عدم المساواة بين الجنسين وانتهاك حقوق المرأة يعرض النساء بشدة للإصابة ويجعلانهن أقل قدرة من الرجل على التحكم في أجسادهن وحياتهن. كما أن النساء عادة ما يكن أقل دراية بتفاصيل هذا المرض الفتاك ويملكن موارد أقل للإنفاق على الوقاية. كذلك فإن تبعيتهن الاقتصادية واختلال ميزان القوى في علاقتهن بالرجال وافتقارهن إلى القدرة على التحكم في الممارسات الجنسية الآمنة وتعرضهن للتعديات والإساءات الجنسية كلها عوامل تسهم في تفاقم المشكلة. وتطمح الأممالمتحدة أيضاً في معالجة مشكلات وصمة العار والإقصاء وما تواجهه أرامل الإيدز أو المصابات به من صعوبات في العلاقات الاجتماعية وتأمين الحقوق ونزاعات الملكية مع الأقارب وغير ذلك. ولقد بادرت الأممالمتحدة بدعم شبكة من منظمات نسائية حقوقية غير حكومية في المغرب لإدخال الشواغل المتعلقة بمكافحة الفيروس والإيدز في خطط عملها وبرامجها للتوعية. وبفضل هذا التدخل، تدعم الآن وزارة الصحة المغربية هذه الشبكة في تنفيذ برنامج عملها. المشاركة في الحياة السياسية رابعاً، تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية واتخاذ القرار. حتى تكتمل حقوق المرأة وإسهاماتها في مجتمعاتها وتنميتها، تدرك المنظمة العالمية مدى أهمية تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية وجميع عمليات صنع الاستراتيجيات والسياسات والتشريعات والقرارات. ومرة أخرى تبرهن الدراسات والبحوث على أن زيادة أعداد النساء في البرلمانات والمجالس النيابية والتشريعية تسهم بصفة عامة في معالجة قضايا المرأة وأن هذه المشاركة شرط أساسي للمساواة بين الجنسين وتحقيق الديموقراطية الناجعة. كذلك تطالب الأممالمتحدة بإجراء إصلاحات تجعل الإدارة السياسية أكثر مراعاة لمقتضيات المساواة بين الجنسين على صعيدي صنع السياسات وتنفيذها. ولا شك في أن مشاركة المرأة السياسية اليوم قد ازدادت كثيراً عن الماضي، فنسبة البرلمانيات قد ازدادت 8 في المئة بين عامي 1998 و 2008 لتصل إلى 18.4 في المئة (لكنها مجرد 8 في المئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا). إلا أن هذه النسبة لا تزال غير كافية وتضعنا أمام مهام كبيرة لتصحيح هذا الخلل والوصول إلى نسبة التوازن المرجوة والبالغة 40-60 في المئة. إن نسبة الرجال إلى النساء في المجالس النيابية عالمياً لا تزال 4 إلى 1، وفي عام 2009 لم تكن هناك سوى 14 رئيسة دولة أو حكومة في العالم. وتجد الأممالمتحدة أن الأحزاب السياسية في العالم لا تزال تتباطأ في التجاوب مع مصالح المرأة وتظل الاستثمارات في حملات النساء الانتخابية دون المستوى، كما أن الحواجز الثقافية والتضارب بين مهام المرشحات ومسؤولياتهن الأسرية والاجتماعية تعيق تعظيم هذه المشاركة. وللإسهام في التصدي لمشاكل المشاركة، أطلقت الأممالمتحدة عدداً من البرامج العالمية، من بينها برنامج «إنجاح العمل السياسي مع المرأة» وبرنامج «الإدارة بالمساواة والديموقراطية»، حيث يهدف الأول إلى دعم جهود زيادة نفوذ الناخبات وتشجيعهن على وضع برامج سياسية نسائية لعرضها على الأحزاب السياسية أثناء الانتخابات ودعم جماعات رقابية للسياسات تبني قدرات النساء في رصد أداء الساسة لمساءلتهم على تحقيق وعودهم الانتخابية. ويهدف البرنامج الثاني إلى دعم تعميم منظور المساواة بين الجنسين في الإصلاحات الجارية حالياً لتحقيق الحكم الرشيد ويكون من أهدافه توفير خدمات نسائية عامة أفضل جودة وأكثر عدالة في التوزيع. ففي مصر، على سبيل المثال، دعمت الأممالمتحدة إنشاء «محفل البرلمانيات» لتدريب عضوات المجالس النيابية وتعزيز دورهن في الهياكل والإصلاحات الإدارية السياسية. وساهمت المنظمة العالمية أيضاً من خلال برنامج برلمانيات العالم العربي في طائفة من التدريبات وورش العمل على شتى أشكال المشاركة وتعزيزها إلى جانب السعي حالياً مع جامعة الدول العربية لإنشاء لجنة دعم إقليمي لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة من أجل حشد التأييد والفهم الجماهيري للاتفاقية ووضع خطط عمل فعالة لتطبيقها. وللتدليل على أهمية هذه البرامج، كانت 17 امرأة سورية ممن فزن للمرة الأولى في الانتخابات البرلمانية عام 2007 قد شاركن في برنامج برلمانيات العالم العربي الذي تنفذه الأممالمتحدة مع هيئات سورية. أغلب ضحايا الحروب نساء وأطفال خامساً، دعم المرأة في حالات الصراع. لقد أخذت الأممالمتحدة على عاتقها ولسنوات مهمة مؤازرة المرأة في الصراعات والحروب انطلاقاً من قناعة راسخة بأن النساء يتعرضن في شكل متزايد لأكبر قدر من خسائر وأضرار الحروب والصراعات. وحيث أن 90 في المئة من الخسائر البشرية للصراعات المعاصرة من المدنيين، فأغلبهم من النساء والأطفال. وقد تتعرض نساء المجتمعات المبتلية بالحروب لأشكال مأسوية للعنف الجنسي والتي ترتكب أحياناً في شكل منهجي ومتعمد لتحقيق أغراض عسكرية أو سياسية وتخلف عواقب مادية ونفسية وصحية واجتماعية وخيمة على المرأة. من ناحية أخرى، لا يزال تمثيل المرأة هزيلاً في عمليات السلام الرسمية على رغم إسهامها بطرق غير رسمية في حل الصراعات، وغالباً ما يفضي هذا الإقصاء إلى الإخفاق في المعالجة السليمة لشواغل ومشاكل المرأة في حالات الصراع. ولمعالجة هذه القضية، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره التاريخي 1325 في عام 2000 لينص على ضرورة مشاركة النساء في جميع مستويات صنع القرار في عمليات حل الصراع وبناء السلام. وفي المنطقة العربية، على سبيل المثال، دعمت الأممالمتحدة مشاركة النساء في عملية حل الصراع المطول في السودان، وتم تشجيع النساء من شمال وجنوب السودان وإقليم دارفور على المشاركة في مؤتمرات المانحين لوضع برنامج وخطة عمل مشتركين وشاركت الأممالمتحدة مرة أخرى في دارفور مع الشرطة المحلية وزعماء القبائل لزيادة الوعي بخطر العنف الجنسي في مخيمات المشردين داخلياً وحولها. الأممالمتحدة وحماية حقوق المرأة سادساً، حقوق الإنسان للمرأة. كما تولي منظومة الأممالمتحدة أهمية قصوى لكل قضايا حقوق الإنسان، فمن من أهم محاور هذا الاهتمام تفعيل وحماية حقوق المرأة التي تواجه تحديات متعددة على صعيد المشاركة في القرارات المؤثرة في حياتها وعدم تمتعها بالتمثيل السياسي العادل، ومنعها من التعليم، وعدم تلقي الرعاية الصحية اللائقة، والتمييز ضدها في الوظائف، وحرمانها من حق التملك، وتعرضها للعنف الأسري ولممارسات تقليدية ضارة ومجحفة وغير ذلك. وهنا تبرز مرة أخرى أهمية اتفاقية الأممالمتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ولذلك تعمل الأممالمتحدة على دعم الجهات الحكومية والمجتمع المدني في جهودها لتنفيذ هذه الاتفاقية من خلال تسهيل وضع أطر وطنية مواءمة للاتفاقية، في الدساتير والقوانين والسياسات، ودعم تنفيذ أطر حقوق الإنسان القائمة، والتركيز الخاص على الفئات الضعيفة لتصبح الأطر الوطنية أكثر شمولاً لمجمل حقوق المرأة وأكثر تجاوباً معها. ولقد نجحت الأممالمتحدة، على سبيل المثال، في دعم المنظمات النسائية في المغرب في مناصرة إصلاحات مهمة في قانون الأسرة، ولا تزال المنظمة العالمية تقدم المساعدة لتعزيز قدرة محاكم الأسرة على ضمان استيعاب وتطبيق القانون في شكل كامل لتفعيل حقوق المرأة ومكافحة العنف ضدها. كذلك قامت الأممالمتحدة في مصر بتدريب شبكة من المحامين المتطوعين على الدفاع عن حقوق المرأة والذين يساعدون النساء المتضررات من التمييز القائم على عدم المساواة بين الجنسين أو من المضايقات الجنسية والعنف الأسري وغير ذلك. أهداف طموحة سابعاً وأخيراً، أهداف الإنمائية للألفية، والتي اعتمدتها دول العالم عام 2000 على أن يتم تنفيذها بحلول عام 2015. هذه الأهداف هي استئصال الفقر، تعميم التعليم الابتدائي، تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، خفض وفيات الأطفال، تحسين صحة الأمهات، مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز وأمراض أخرى، ضمان الاستدامة البيئية، توفير التمويل للتنمية. ومن الواضح أن جميع هذه الأهداف الثمانية تمس جوانب أساسية لرفاه المرأة ومصلحتها، وفي الوقت ذاته فإن تمكين المرأة أمر بالغ الأهمية لتحقيق هذه الأهداف. لذلك عملت أجهزة الأممالمتحدة المعنية بالمرأة على دفع عجلة تحقيق الأهداف عبر ثلاثة مداخل: برامج تنفيذية في جميع المناطق والمجالات تسهم في تحقيق هذه الأهداف. الرصد والتحليل، حيث تعمل المنظمة العالمية مع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني لتقييم التقدم نحو تحقيق الأهداف ورصد الفجوات القائمة في المساواة بين الجنسين. زيادة التوعية وتشجيع المشاركة في أنشطة مرتبطة بتحقيق الأهداف من خلال عدة شراكات. ختاماً، وكما قال أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون بمناسبة اليوم الدولي للمرأة، من دون مشاركة المرأة في شكل كامل وعلى قدم المساواة مع الرجل في جميع مناحي الحياة العامة والخاصة، لا أمل لنا في إقامة المجتمع الذي وعد به ميثاق الأممالمتحدة، مجتمع ينعم بالاستقرار والسلام والعدل. * مدير مركز الأممالمتحدة للإعلام في بيروت