حض جورج بيلنغر الحكومة والكونغرس الأميركيَّيْن على الانتباه عندما يصل الأمر إلى الضربات القاتلة التي توجهها الطائرات من دون طيار (الدرون)، ذلك أن «المرق الذي تُطبخ فيه الأوزة، يُطبخ فيه ذكرها أيضاً»، بعدما أمضى بيلنغر ثمانية أعوام محامياً للحكومة مسؤولاً عن شرح حرب بوش العالمية على الإرهاب للحلفاء. روسيا والصين قوتان بين القوى التي قد تطلق قريباً أسرابها من الطائرات من دون طيار، ضد من تشتبه في أنهم أعداؤها. وليس عسيراً جداً تخيُّل مستقبل قريب تستهدف فيه طائرات روسية من دون طيار متشدداً شيشانياً متمركزاً في جورجيا المجاورة، على سبيل المثال، بدا أن لا سبيل لإلقاء القبض عليه فيما يخطط لهجوم وشيك على أهداف روسية. وحذّر خبراء مثل بيلنغر الكونغرس من أنه ما لم تحدد أميركا تحديداً واضحاً قواعد مقبولة دولياً لهجمات طائراتها من دون طيار، فلن تكون لإدانتها عمليات القتل الروسية أو الصينية أي صدقية. تردد صدى النصيحة هذه عند دبلوماسيي بعض أقرب شركاء أميركا، الذين شعروا بالقلق إزاء الضوابط القانونية التي وضعها باراك أوباما في الحرب على الإرهاب. مرَّر الكونغرس بعد أيام على هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، بضع عبارات كانت كافية لمنح الرئيس سلطات واسعة لشن الحرب باسم الدفاع عن النفس. الحلفاء ليسوا قلقين فقط من قدرة اوباما على التغاضي عن القوى الصاعدة بسرعة والتي تثير القلق، كالصين. السبب الآخر هو أنهم يريدونه أن يعيد أميركا إلى مستوى أخلاقي رفيع، كما لو انهم يخافون على سمعتهم إذا ساعدوا في هجمات طائرات من دون طيار. بل إن الحكومات المساندة له تواجه بعض الخيارات الصعبة في نقل المعلومات الاستخباراتية إلى أميركا عندما تلي ذلك ضربات ب «الدرون» قد تضع العملاء في مواجهة الغضب العام، وربما في مواجهة القضاء. في الثالث والعشرين من أيار (مايو)، انتقل أوباما إلى الرد على النقاد العدائيين والأصدقاء القلقين، وأعلن في خطاب استمر ساعة فرض ضوابط صارمة على ضربات «الدرون» الأميركية القاتلة. رحب مساعدوه بالقرار باعتباره لحظة تحول جاءت بعد عامين من النزاع بين الوكالات الحكومية وتفكير القائد العام (أوباما). أوضح الرئيس أن ضربات طائرات من دون طيار ستستمر(أُفيد في 29 أيار إن طائرة أميركية من دون طيار قتلت الرجل الثاني في حركة طالبان باكستان). لكنه أشار إلى قواعد جديدة تقيد حكومته والرؤساء المقبلين. وجادل أوباما، أن ضربات «الدرون»، السرية والدقيقة، تقلص خطر وقوع إصابات بين المدنيين والاحتجاجات الديبلوماسية مقارنة بعمليات الطائرات التقليدية أو القوات الخاصة. لذلك، تثير المهمات هذه مقداراً من الاعتراض العام أقل من إرسال قوات وراء البحار، ويمكن أن «تحمل رئيساً على تصور ضربات الطائرات من دون طيار علاجاً شاملاً للإرهاب». قد يذكر خطاب أوباما على المدى البعيد، لتأثيراته التي تتجاوز واشنطن، وفي صميمه توجد معايير اللجوء إلى ضربات «الدرون» القاتلة (ما زالت مصنفة سرية). ووفق الخطاب، تعمل أميركا الآن فقط «ضد الإرهابيين الذين يشكلون تهديداً مستمراً ومباشراً للشعب الأميركي، وحيث لا تكون الحكومات الأخرى قادرة على المواجهة الفاعلة للخطر. وقبل الضربة، ينبغي أن يكون من المؤكد تقريباً أن لا مدنيين سيقتلون أو يصابون- على أعلى معدل يمكننا وضعه-». وفي تحول يؤيده بعض مساعدي أوباما، مثل جون برينان المسؤول السابق في البيت الأبيض عن مكافحة الإرهاب، والذي عين أخيراً لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إي»، ستفضل الحكومة الابتعاد عن ضربات «سي آي إي» (السرية والتي يمكن إنكارها) والاتجاه نحو هجمات الطائرات من دون طيار التي تسيطر عليها القوات المسلحة (ستكون أكثر شفافية). والى جانب إشراف الكونغرس، اقترح أوباما أدوات سيطرة جديدة: ربما إنشاء محكمة خاصة مخولة سلطات الترخيص بالقتل أو مشرف مستقل داخل الجناح التنفيذي. ترك أوباما لنفسه هامش مناورة في كيفية تعريف الخطر الداهم، على سبيل المثال. لقد لحقت أضرار جسيمة بالموقف الديبلوماسي الأميركي على امتداد العالم وبصورة الولاياتالمتحدة لدى المسلمين، ولكن في حال ألزمت نفسها بمعايير أعلى، سيساعد ذلك الدول الأخرى على تبني المعايير اللازمة لعمل الطائرات من دون طيار، وسيكون لهذا معنى ما. ويرمي أوباما إلى تحقيق أهداف عدة، كما يقول نائب مستشار الأمن القومي بنجامين رودز الذي كتب خطاب الرئيس. وبما أن الحرب على الإرهاب استمرت مدة طويلة من دون ظهور إشارات إلى قرب انتهائها، آن الأوان لشرح قواعد عمل الطائرات من دون طيار للجمهور الأميركي. ويؤمن الانتشار السريع للتكنولوجيا حافزاً إضافياً. ستمتلك البلدان الأخرى قريباً طائرات قاتلة من دون طيار. وفي حال تمكنت أميركا من تحديد الإطار القانوني الدولي لضرباتها «بدقة»، سيكون ذلك وحده قادراً على رسم القوانين الجديدة للحرب. * افتتاحية، عن «ذي ايكونوميست» البريطانية، 1/6/2013، إعداد حسام عيتاني