نشرت مجلة «فورين بوليسي» مؤخرًا، ملفًا بعنوان «حروب أوباما السرية» تضمن عدة تقارير هامة حول نوعية وخصائص الحرب السرية التي بدأها أوباما فعليًا منذ توليه السلطة قبل نحو ثلاثة أعوام ونصف والتي تخرج عن إطار الحروب التقليدية التي تمت في عهد الإدارات الأمريكية السابقة التي كانت حرب أفغانستان والعراق آخرها. ويتناول الملف وبتركيز خاص، السلاح الجديد الذي استخدمته إدارة أوباما في حروبها الجديدة، وهو طائرات (الدرون)-الطائرات بدون طيار- التي تستخدم في المسح الجوي والاستطلاع والتجسس والاغتيال والعديد من الأغراض العسكرية الأخرى التي كشف عنها الملف بما في ذلك قصف الأهداف العسكرية وتزويد الطائرات بالوقود وهي في الجو وحماية الخطوط الخلفية لجنود المشاة إلى جانب الاستخدامات في المجالات الأمنية والمدنية مثل القبض على المجرمين وتتبع اللصوص والمهربين، وكشف التسلل عبر الحدود وتصوير باطن الأرض والكشف عن الآثار. وتطرق الملف إلى العديد من أنواع تلك الطائرات التي تتفاوت في أحجامها وقدراتها ومهامها، والتي يمكن توجيه بعضها بجوالات (الآي فون). 10 معلومات عن طائرات «درون» الاستطلاعية تحدث أحد التقارير عن العديد من المعلومات الهامة حول هذا النوع من الطائرات التي يجهلها الكثير من الناس، ومنها: 1- البدايات: تذكر المجلة أنه بدأ التفكير في صنع أول طائرة بدون طيار(درون) لاستخدامها في عمليات القتل عام 1998م بعد أن فشلت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في محاولتها لقتل زعيم تنظيم القاعدة في أفغانستان أسامة بن لادن باستخدام صواريخ كروز بما أسفر عن سقوط 300 ضحية، وهو ما أدى إلى تآكل الثقة في الاستخبارات الأمريكية بنسبة 50%. وكما لاحظت لجنة 9/11 ، فإن مخططي البنتاجون كثفوا جهودهم لإيجاد بديل أكثر دقة. وفي عامي 2000 و2001 اجتهد سلاح الجو الأمريكي كثيرًا لتركيب صاروخ «هيل فاير» المضاد للدبابات على طائرات الاستطلاع بدون طيار (درون) من نوع بريداتور. وفي اجتماعه قبل هجمات 11 سبتمبر أقر مجلس الأمن القومي أن طائرات «بريداتور» المزودة بهذا النوع من الصواريخ ليست جاهزة بعد من الناحية العملية من الانتشار. وفي نوفمبر 2001 بدأت أول عملية قتل بواسطة هذا النوع من الطائرات عندما استهدفت محمد عاطف أحد أبرز قادة القاعدة في أفغانستان. 2- القابلية للتحطم: في الرابع من ديسمبر الماضي تحطمت طائرة RQ-170 في إيران. وعزا مسؤول أمريكي يعمل في برنامج تطوير هذا النوع من الطائرات ذلك على فقدان (وصلة) بيانات، فيما عزا زميل آخر له ما حدث نتيجة عطل غير محدد. وبعد أسبوعين تحطمت طائرة أخرى من طراز (ريبير)، لكنها غير مسلحة عند نهاية مدرج في جزر سيشل. وأخبر مسؤول عسكري مجلة (أفياشن ويك & سبيس تكنولوجي) أن الحادث ليس مفاجئًا. واعترف بأن الولاياتالمتحدة فقدت 50 طائرة (درون). وأفادت التقارير أنه اعتبارًا من يوليو 2010 أمكن للقوات الجوية الأمريكية حصر 79 حادثًا تعرضت له تلك الطائرات التي تبلغ تكلفة الواحدة منها مليون دولار، لأسباب عدة مثل سوء الأحوال الجوية -فقدان روابط الاتصال- وعوامل الأخطاء البشرية. وذكر الجنرال دافيد ديبتولا أحد كبار مسؤولي الاستخبارات العسكرية بكل صراحة أن طائرات (الدرون) إذا ما حلقت في أجواء بيئية سيئة فإنها ستتساقط كالمطر». 3- استخداماتها في أغراض غير عسكرية: تطرح المجلة السؤال : هل ينتابك القلق إزاء العسكرة الأمريكية للفضاء الأمريكي نفسه ؟ .. يجيب التقرير عن هذا السؤال بأن استخدام تلك الطائرات لا يقتصر على الخارج فقط ، بل إنه يشمل الولاياتالمتحدة نفسها. وتوضح ذلك بأنه منذ أكتوبر الماضي تلقت هيئة الطيران الفيدرالي الأمريكي طلبات للحصول على تصريح لطائرات (درون) من عدة جهات رفضت الإعلان عنها. لكن تشير التقديرات إلى أن 35% من تلك الطلبات كانت للبنتاجون، 11% لناسا (وكالة الفضاء الأمريكية)، و5% لوزارة الأمن القومي ، فيما توزعت النسبة المتبقية على جهات أخرى من بينها مصلحة الجمارك وحرس الحدود . وبلغت تلك الجهات مجتمعة 85 جهة استخدم خلالها 82 نوعًا من هذه الطائرات. وكشف التقرير أيضًا عن قيام بعض تلك الطائرات من نوع (بريداتور) بالقيام بدوريات مسحية على الحدود الأمريكية -الكندية في يونيو الماضي، وإسهامها في تحديد مكان ثلاثة أشخاص متخصصين في سرقة قطعان الماشية في «نورث داكوتا، «وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه الطائرات في القبض على مواطنين أمريكيين»، كما كشف التقرير عن وجود لوبي (للدرون) يضم 50 عضوًا. 4- إمكانية القيام بمهمات عسكرية متعددة: اتسعت مجالات استخدام الولاياتالمتحدة لطائرات (الدرون) في المهام العسكرية على مدى السنوات العشر الماضية، لكن 75% من تلك الاستخدامات تمت في عهد الرئيس باراك أوباما. وتتراوح الاستخدامات من نوع من تلك الطائرات التي تزن 5 أرطال ويمكن لجندي المشاه حملها على ظهره لأغراض المراقبة والتي سيتم نشرها قريبًا طبقًا لما يقول مصنعوها ك «رصاصة سحرية» في المهمات الانتحارية، وبين طائرات من نوع بريداتور تستطيع إطلاق قذيفة بإمكانها إصابة باب مغلق وفتحه. وهناك نوع من تلك الطائرات يعرف باسم K-Max هليكوبتر يمكنه نقل الإمدادات للجنود وهي تستخدم فعليًا الآن في القواعد الأمريكية الأمامية في أفغانستان. كما يوجد نوع آخر يطلق من داخله عدة طائرات (درون) أخرى تحوم في المنطقة المستهدفة لجمع المعلومات. وتستخدم الخارجية الأمريكية في الوقت الراهن طائرات درون استطلاعية بغرض حماية السفارة الأمريكية في العراق. ويبدو من الواضح أنه يجري بشكل دائم المزيد من الاستخدامات الجديدة للطائرات بدون طيار. 5- الاستخدامات في المجالات المدنية: استخدم مفتشي السلامة طائرات (الدرونس) خلال أزمة مفاعل فوموشيما الياباني للوقوف على حجم الأضرار التي نجمت بعد التسونامي الكبير الذي ضرب اليابان قبل عام. واستخدم علماء الآثار الروس نوعًا صغيرًا من تلك الطائرات مزود بكاميرات ثلاثية الأبعاد لتصوير المقابر القديمة في باطن الأرض. كما يستخدم ناشطو البيئة نوعًا من تلك الطائرات يعرف باسم (أوسبري) لرصد سفن اصطياد الحيتان اليابانية. ويستخدم مصورو (الباباراتزي) المحترفون نوعًا من تلك الطائرات في التقاط صور خفية لمشاهير الممثلين والممثلات بتزويد تلك الطائرات بالكاميرات. كما سيتم استخدام طائرات (درونس) من نوع (جالي) للطيران فوق البراكين للحصول على معلومات أكثر دقة لثورة تلك البراكين. وتمكن طلبة من معهد ماساتشوسيتس من تصميم جهاز (آي-فون) باستطاعته التحكم بطائرة بدون طيار تطير على بعد 30 ألف ميل. وتمكن مهندسو جامعة ساوث هامبتون في الصيف الماضي من تصميم طائرة (درون) صامتة يمكن تجميعها باليد في غضون بضع دقائق. 6- غالبية هذه الطائرات ليست للقتل: بالرغم من استخدامها في القتل، إلا أن معظم طائرات (الدرونز) تستخدم لأغراض التتبع والرقابة والتجسس. وبوسع طائرات درونز من نوع ISR التي تستخدمها البحرية الأمريكية والتي تحلق على ارتفاعات شاهقة التقاط صور بالأبيض والأسود تغطي ما يقارب نصف منطقة الخليج. كما أن بوسع نوع آخر هو «جلوبال هوك» المزود برادار متقدم التقاط صور مفصلة للأرض ومعرفة مواقع أسلحة الدمار الشامل. وقريبًا يمكن لطائرة درون من نوع «جورجون ستير» مراقبة مدينة، بما لا يجعل البعض يشتبه في أنها تصور منطقة بعينها، لأن ما تصوره يغطي المدينة بكاملها. 7- تحتاج إلى فريق تشغيل كبير: لا تحتاج الغالبية العظمى من طائرات الدرونز العسكرية إلى طيار فقط يعمل في قاعدة على الأرض، وإنما أيضًا إلى مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين يقومون بتحليل المعلومات (19محلل تقريبًا لكل طائرة) إلى جانب المساعدين وموظفي الصيانة. وفي العموم تحتاج كل طائرة إلى 168 شخصًا لجعل طائرة «بريداتور» تحلق، فيما تحتاج ابنة عمها الأكبر «ريبير» إلى 180 شخص مقارنة ل100 شخص تحتاجها طائرة إف- 16 المقاتلة. وهو ما دفع سلاح الجو الأمريكي إلى تدريب طواقم من مشغلي طائرات (الدرونز) أكثر من الطيارين العاديين خلال السنتين الماضيتين. وعلى الرغم من أن تلك الطائرات تقل بتكلفتها عن الطائرات الحربية التقليدية، إذ تكلف طائرة درون من نوع جلوبال هوك 15 مليون دولار بالمقارنة مع 55 مليون دولار هي تكلفة إنتاج طائرة من نوع إف- 16 ، إلا أن طواقم التشغيل والقابلية للتحطم تقلصان إلى حد كبير من فارق التكلفة. 8- غياب المسؤولية الأخلاقية: أمكن تسجيل 300 حالة استخدمت فيها تلك الطائرات للقتل خارج ساحات القتل في العراق من ضمنها أفغانستان وليبيا. لكن 95% من تلك الهجمات وقعت في باكستان، والبقية وقعت في اليمن والصومال، وأدت جميعها إلى قتل ما يقارب 2000 مشتبه وعدد غير محدود من الضحايا المدنيين. ورغم اعتراف الرئيس أوباما مؤخرًا بأن العديد من تلك الضربات وقعت في منطقة القبائل الباكستانية، إلا أنه يتعذر معرفة أهدافها أوالجهات التي أمرت بها إلا من خلال بعض الخطب والتصريحات المتفرقة من قبل بعض مسؤولي الإدارة. ويعتقد أنه توجد العديد من قوائم القتل التي سيتم تنفيذها بواسطة طائرات الدرونز. وقد كشف كتاب «توب سيكريت أميركا» عن ثلاث قوائم قتل لأشخاص واحدة لدى مجلس الأمن القومي، وأخرى لدى السي آي إيه ، والثالثة القيادة العسكرية المشتركة -العمليات الخاصة. ويعتبر البنتاجون المسؤول عن بعض عمليات طائرات الدرونز في اليمن، فيما تعتبر السي آي إيه مسؤولة عن العمليات الأخرى. 9- انضمام دول أخرى إلى هذا الركب: رغم أن الولاياتالمتحدة الدولة الرائدة في تقنية تطوير طائرات (الدرونز)، وتعتبر وراء 77% من أبحاث وتطوير هذا النوع من الطائرات و69% من مبيعاتها حتى نهاية هذا العقد، إلا أن هنالك 44-70 دولة حول العالم لديها برامج لبناء 680 طائرة من هذا النوع بعد أن كان هنالك 195 طائرة فقط عام 2005. وتصعد الصين برنامجها على هذا الصعيد من خلال 25 نوعًا من هذه الطائرات. كما يوجد لدى إيران برنامج آخر يشتمل على عدة أنواع من أشهرها طائرة «سفير الموت» التي وصفها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. 10- مستقبل هذه الطائرات في الولاياتالمتحدة: يبلغ أسطول الولاياتالمتحدة من هذه الطائرات الآن ما يربو على 7500 طائرة (درون) بعد أن كان 50 طائرة فقط قبل عقد مضى. وطبقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن الكونجرس، فإن الطائرات التي يقودها طيارون كانت تشكل 95% طائرة من كل الأنواع عام 2005، فأصبحت تشكل الآن 69% فقط. وخلال العقد القادم يتوقع البنتاجون أن يصل عدد طائرات (الدرونز) التي تقوم بأعمال التجسس والضرب في آن إلى 536 طائرة. وتقدر مؤسسة مجموعة «تيل» للاستشارات أن الانفاق العالمي على هذا النوع من الطائرات سيتضاعف خلال العقد القادم من9 ,5 بليون دولار إلى3 ,11 بليون دولار سنويًا. وستلعب هذه الطائرات دورًا هامًا في المستقبل على صعيد توفير الحماية خلف جنود المشاه، والليزر المحمول جوًا لاعتراض الصواريخ البالستية، وتزويد الطائرات بالوقود وهي في الجو، والقيام بمهام القصف الإستراتيجي على نطاق واسع، مع الأخذ في الاعتبار مزايا تلك الطائرات باعتبارها أرخص، وأصغر، وأسرع، مع المزايا الأخرى في التجسس والقتل والتحكم الذاتي بحيث أصبح من الصعب معرفة ما يمكن أن تفعله تلك الطائرات.