يتذكر نسيم معلوف أن سكان قريته في جبال لبنان كانوا يقولون له قبل 40 سنة، إنه يعزف الألحان التقليدية بطريقة خاطئة على آلة الترومبيت... كان ذلك قبل التعديل الذي أدخله على هذه الآلة بحيث أصبحت قادرة على عزف المقامات الشرقية. وقدم معلوف برفقة نجله طرب، أمسية مساء أول من أمس في قصر المنزه العثماني في الجزائر، تخللتها جمل موسيقية شرقية في إطار من موسيقى الباروك الأوروبية. ويتحدر نسيم معلوف من قرية كفرعقاب في جبل لبنان، وهو ابن عم الكاتب أمين معلوف عضو الأكاديمية الفرنسية. نشأ في بيئة ريفية، وفي العام 1976 أضاف إلى آلة الترومبيت صماماً رابعاً يمكّنه من عزف «أرباع الصوت»، النغمات الموجودة حصراً في الموسيقى الشرقية التي تضفي عليها مزاج التطريب. ولاقى معلوف ونجله ترحيب الجمهور في أمسية المنزه. وكان من بين الحضور في القصر العريق عميدة مدينة الجزائر وردية حمادو البالغة من العمر مئة عام وأربعة أشهر، مرتدية لباس الحايك الجزائري التقليدي الأبيض. يقول معلوف: «أود نقل هذا التراث الموسيقي من خلال آلة غربية». وزار الموسيقي اللبناني المعهد العالي للموسيقى في الجزائر لمناقشة الطلاب حول «حلمه القديم»، وهو تأسيس فصل دراسي لآلة الترومبيت العربية. وينقل معلوف عن عازف الترومبيت الفرنسي الشهير موريس أندريه قوله إن اختراع الترومبيت ذات ربع الصوت كان سابقاً لعصره بنصف قرن. وشارك معلوف وأندريه في برنامج تلفزيوني في ثمانينات القرن الماضي، كان الهدف منه تعريف المشاهدين على آلة الترومبيت ذات الصمامات الأربعة والقادرة على أداء الأنغام الشرقية. لكن النجاح الذي حققه الفنان اللبناني لم يكن بالأمر اليسير، فقد سافر إلى فرنسا في العام 1964 وليس في جيبه قرش واحد، ومن دون معرفة باللغة الفرنسية أو شهادة علمية سوى الشهادة الابتدائية، وكان هدفه من باريس تعلم الموسيقى. ويروي أن والديه كفا عن إرساله إلى المدرسة بسبب الفقر، وأراد عمه أن يخفف عنه حزنه فأهداه آلة عود، ثم اكتشف آلة الترومبيت في المعهد العالي للموسيقى في بيروت. وفي سن الثالثة والعشرين، تلقى دروسه الموسيقية على يد موريس اندريه الذي كان ينصحه بعدم الابتعاد عن الموسيقى الأوروبية دون نسيان ثقافته الأصلية. بعد ذلك عاد نسيم معلوف إلى لبنان، لكنه غادره في السبعينات، فيما كان البلد يغرق في حرب أهلية طويلة. يواصل معلوف مهمته في تعريب الآلات النحاسية من خلال إضافة صمام رابع اليها، ويهدف بذلك إلى إيجاد «نمط جديد وخاص»، وفق ما يقول. يبلغ معلوف اليوم 73 سنة، ويقر بأنه فقد شيئاً من حماسته، لكنه يبدي في المقابل ثقته بمستقبل آلة الترومبيت العربية، إذ أن أولاده إبراهيم وطرب وموال وترتيل، يسيرون على خطاه.