لا تعيد هذه الرواية، التي تعد الأولى عربياً في تصديها لكتابة سيرة واحد من أكثر رجالات القرن إثارة، أسامة بن لادن إلى الواجهة السياسية، فهو لم يبارحها يوماً، حتى بعد مقتله، بيد أنها تقتحم ما يشبه المحظور، وتلامس مناطق شائكة آثر روائيون وكتاب كثر، عالجوا قضايا الإرهاب والتطرف من ناحية أدبية، الابتعاد عنها. تضيء رواية «أساطير رجل الثلثاء» للكاتب المصري صبحي موسى، (صدرت عن سلسلة كتابات جديدة - الهيئة المصرية العامة للكتاب)، محطات من حياة بن لادن، بقيت غامضة ويكتنفها المجهول، وتسلّط ضوءاً على التحولات التي خاضها، وأضحى بسببها أشهر شخصية عربية وإسلامية في العالم، لما تثيره من مخاوف على الأمن الدولي، بخاصة بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، وتحكي المآل المأسوي لشخصية بقيت مطلوبة للعدالة الدولية أعواماً طويلة. تسرد الرواية، التي كتبت بلغة بعيدة من الإنشاء، وتذهب مباشرة إلى هدفها، حياة اللهو التي عاشها بن لادن ردحاً طويلاً في أوروبا وأميركا، قبل أن يتحول إلى رقم صعب في الجهاد ضد الشيوعية. من شاب يلهو ويعبث إلى مجاهد يقود الآلاف إلى مصير مجهول، مغيراً الصورة النمطية عن المجاهدين العرب بصفتهم «هواة» مشغولين بالطعام ومغازلة النساء، كما في المخيلة الأفغانية، وليس لهم جلد على المعارك، التي تتطلب شراسة وروحاً قتالية. تحكي الرواية كيف تأسست إمبراطورية بن لادن الأب، وكيف قضى في جبال الجنوب السعودي بتحطم طائرته، وتحكي أيضاً الخلافات التي دبت في الأسرة من أجل الميراث. كما تفرد مساحة واسعة لخال أسامة والتأثير القوي الذي مارسه عليه، والتغير الجذري الذي أحدثه في حياته. وتلمح الرواية إلى أن تفجير البرجين الشهيرين، جزء من خطة أعدتها قوى دولية تعادي أميركا، وأن بن لادن خدع من هؤلاء، الذين هم أول من تخلوا عنه. لم يسعَ صبحي موسى إلى تمجيد أسامة بن لادن، ولا إلى إدانته طبعاً، إنما جهد في تقديمه كشخصية روائية، تؤثر وتتأثر، قوية ولا تخلو من لحظات ضعف، وتعاني الوهن والتخبط حيناً، والغرور والصلف حيناً آخر، بخاصة بعد أن انتهى القتال في أفغانستان وخرج الروس، ولم يجد أتباعه المجاهدون من عمل سوى زراعة الحشيش وبيعه إلى الكفار، قبل أن يأخذ الجهاد محطة أخرى، ستؤلّب العالم كله على بن لادن وأتباعه، وتفتح نيران جهنم في وجوههم جميعاً. تراوح الرواية، التي تميزت بالتشويق واستدراج القارئ، من خلال الحكايات والتفاصيل، لالتهام صفحاتها ال 380 من القطع المتوسط، بين أكثر من زمن، وتلتقط خيوط الأحداث وتنميها في أمكنة كثيرة. تصور الرواية، التي تمسّكت حتى آخر لحظة بالطابع التخييلي، ابن لادن أشبه بشهاب منفلت من مساره إلى قدره المكتوب، وتظهره ضحية في أواخر حياته للكوابيس ولنوبات الفزع، التي تغذيها صور التعذيب والقتل التي تعرّض لها أصحابه. وينتهي إلى شخص يروي شذرات من تاريخه على خادمه، تاريخ تختلط فيه شطحاته وحياته، وتمتزج فيه الحقائق بالأوهام.