استبعد محللون صحافيون أن تنشط "القاعدة" ثأراً لمقتل زعيمها أسامة بن لادن على يد فرقة تابعة للجيش الأمريكي، مرجعين ذلك إلى أن الثورات الشعبية العربية في الشرق جعلت هناك بديلاً للعنف والإرهاب وغيرت المفاهيم الخاطئة وجعلت من السلم حلاً لما فشل الإرهاب في حله وأطفأت بذلك جذوة فكر بن لادن. جاء ذلك خلال حوارهم ل"العربية" مع الزميل محمود الورواري، الاثنين 2-5-2011، وتطرق الحوار أيضاً إلى نشأة بن لادن وفكره والمحطات الفارقة في حياته. وعن نشأة بن لادن وتطور شخصيته في مراحل حياته قال خالد باطرفي الكاتب الصحافي إنه لاشك أن هناك أشياء استمرت مع أسامة وربما أثرت على شخصيته التي انتهينا إليها اليوم، لكن ليست كل الأمور تنتهي إلى نفس النهاية المتوقعة. وكان بن لادن - بحسب باطرفي - في طفولته مسالماً وانتهى عدوانياً كما كان لطيفاً يتباعد عن الإشكالات والخلافات والآن أصبح في عمقها، ولكن الشيء الذي استمر وأثر فيه هو تدينه وفكره الذي كان ينتقد الغرب وأمريكا وينتقد الحملات الصليبية، الفكر الذي ربما هو منتشر في العالم الإسلامي، هذا الأمر الذي نما معه وزاد وأخذ منحى يميل إلى العنف والانتقام وخرج أكثر فأصبح لا يحارب الجيوش والدول فحسب ولكن يقتل المدنيين، فهذا الانحراف في الفكر نما أخيراً لكن الجذور والبذور كانت موجودة منذ البداية وهي موجودة ومنتشرة في معظم العالم الإسلامي. وعن المحطات الفارقة في حياة بن لادن قال باطرفي إن أولى مراحل حياته بدأت عندما انتقل إلى أفغانستان لتوفير بنية تحتية للمجاهدين وخدمات إنسانية، وتطورت شخصيته في هذه المحطة - كما لاحظتها - في زياراته للمملكة ليصبح حريصاً على المشاركة الفعلية، وبدأ التدرب على السلاح ثم أصبح زعيم المجاهدين العرب في أفغانستان، هذه بلا شك أثرت على شخصيته فحوّلته من الشخصية المسالمة إلى شخصية قتالية واجهت الموت وقاتلت وطُوردت وتعرضت للغازات السامة الروسية، وهذه المرحلة شهدت بريق البطولة والإنجاز، وكان يأتي إلى بلاده والبلاد العربية والإسلامية وكان محبوباً حتى من الغرب. والمرحلة الثانية كانت عندما انتهى الجهاد وأصبح المجاهدون العرب محط شك وريبة الكثير من البلاد؛ لأن بعضهم عاد وتورط في عمليات إرهابية في بعض البلدان، ومنها مصر، فأصبح هؤلاء المسمون الأفغان العرب في موقع الريبة والتحقيقات المستمرة والمتابعة، وبعد أن كان بن لادن محبوباً ومرغوباً أصبح منبوذاً نوعاً ما آنذاك، وهذه المرحلة تطورت إلى مرحلة أخرى عندما خرج من السعودية للمرة الأخيرة ليشارك في مفاوضات للإصلاح بين الفرقاء الأفغان ولم يعد إلى المملكة ولكن عاد إلى اليمن ومنها عاد بدعوة من حسن الترابي إلى السودان وأقام مشاريع زراعية واستثمارات، ولكن في نفس الوقت قام بتدريب الأفغان العرب في السودان، ومن هنا بدأ الخلاف بينه وبين الحكومة وتم سحب الجنسية منه لرفضه التوقف عن هذا النشاط الذي اشتكت منه مصر تحديداً وكذلك الأمريكان وغيرهم. أما المرحلة الأخيرة في حياة بن لادن والتي كوّنت شخصيته الغاضبة الانتقامية فكانت عندما اتفق السودانيون على بيعه لإدارة كلينتون والتخلص منه، ثم أجبر على الخروج من السودان وتم الاستيلاء على مزارعه وبيته هناك، وأصبح لأول مرة فقيراً بلا جنسية في كهف ما أو قاعدة عسكرية روسية سابقة في أفغانستان بلا موارد. منزل بن لادن والاستخبارات الباكستانية المجمّع الذي كان يقيم فيه بن لادن كما أكد الكاتب الصحافي فراج إسماعيل الذي عمل في مهام صحافية ميدانية في أفغانستان وقابل أسامة بن لادن عدة مرات، أن بن لادن في الثمانينات عندما التقاه للمرة الأولى، حيث كانت أفغانستان محتلة من الاتحاد السوفييتي، لم يكن شخصية مخططة تقود قتالاً، ولكنه كان شخصية ممولة لفكرة أن الجهاد فرض عين، وهي الفتوى التي أطلقها الشيخ عبدالله عزام وكان أيضاً شخصاً هادئاً قليل الكلام لكنه تغير بعدها، فحين التقاه عام 97 كان قد تحول للمجاهد ضد الصليبية واليهودية، وهو النهج الذي اعتمده التنظيم آنذاك. وتطرق إسماعيل إلى أن وكالة المخابرات الأمريكية كانت قد خصصت حينها وحدة خاصة داخل الCIA لملاحقة بن لادن، وكانت حادثة فريدة من نوعها في تاريخ المخابرات الأمريكية. وحول المكان الذي قتل فيه بن لادن وقربه من أكاديمية الجيش الباكستاني، بحسب الرواية الأمريكية والتي تقول إن المخابرات الباكستانية كانت تعلم بمكانه، أكد إسماعيل أن أسامة بن لادن كان معروفاً بالحرص الشديد والتوجس الأمني الشديد حتى في اختيار حراسه الشخصيين طوال تاريخ منذ انخراطه في الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي ثم بعد ذلك في إنشاء تنظيم القاعدة، ثم إن المجمع يقع في مدخل أكاديمية "كاكول" ويضم مخزناً كبيراً للذخيرة تابعة للجيش ويضم مركزاً للجنود ومن المعروف أن هذه الأماكن ترافقها وكالات استخباراتية للجيش الباكستاني، الأمر الذي يضع الجميع في حيرة ويطرح العديد من التساؤلات. وفي سياق متصل، أكد مراسل العربية بكر عيطاني أن منزل بن لادن كان يقع في منطقة سياحية واستراتيجية في آن واحد حيث تتمتع المنطقة بالطقس الرائع بالإضافة إلى وجودها على بعد أمتارا من أكاديمية الجيش الباكستاني و تحوي المركز الرئيسي ليتدريب الجنود وتوزيعهم على كافة أنحاء البلاد الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات مضيفا أن حجم المنزل كان يفوق 6 أضعاف المنازل المجاورة. وحول تهديد القاعدة بالانتقام لمقتل زعيمها وترسيخ فكرة أن بن لادن مات ولكن فكره باق، أكد محمد الجزلاني الكاتب السعودي المتابع للشأن الديني أن "الفكر لا يموت إلا بتجفيف مصادره ومعالجة أسبابه، فبن لادن حالة متكررة عبر التاريخ بدأت منذ أن بدأ فكر الخوارج والذي انطلق منذ عهد الخلفاء الراشدين وخرجت على بعضهم وقاتلتهم وكفرتهم وأخبر عنها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، فهذا فكر ممتد انتقالاً إلى حركة "جهيمان" التي حدثت في عهد الدولة السعودية الثالثة، حيث قاد بعض المغرر بهم من البسطاء واستعملت بعض الأفكار والقضايا الإسلامية لاحتلال الحرم المكي ومحاولة الانقلاب على الدولة، فهو فكر موجود ويتكرر على مر الأزمنة كما الفكر الإصلاحي أيضاً والمصلحون". وأضاف أنه "فكر خارجي متطرف بدأ منذ فجر الإسلام وبداياته وليس حكراً على بن لادن"، كما اعتبر الجزلاني بن لادن ضحية فكر معين وعوامل سياسية وظروف القهر والظلم.