تسربت حالة التصدع السياسي إلى أورقة الأحزاب الإسلامية استمراراً للحالة العامة التي تمر بها القوى السياسية الباحثة عما هو مختلَف حوله أكثر من التواصل في شأن ما هو متفق عليه، سعياً للوصول إلى التوافق، إذ اندلعت أخيراً أزمة بين مؤسسة الرئاسة في مصر وحزب «النور» السلفي على خلفية إقالة الدكتور خالد علم الدين المستشار السلفي لشؤون البيئة، علماً أن الرئاسة أكدت أن الأمر ليس له أسباب سياسية، في حين اعتبر حزب «النور» أن السبب سياسي، خصوصاً أن الحزب توجه نحو جبهة الإنقاذ وتبنى بعض مطالبها، ومنها إقالة حكومة الدكتور هشام قنديل. وهذا ما أعطى رسائل سلبية لجماعة الإخوان المسلمين. وإذا كانت الأزمة جسدتها طبيعة تكوين مؤسسة الرئاسة، إلا أن لها أسباباً تتعلق بالخلفية الفكرية بين «النور» من جهة و «الحرية والعدالة» من جهة مقابلة، فمؤسسة الرئاسة سعت إلى تكوين فريق رئاسي من مجموعة من المساعدين والمستشارين على قاعدة التوافق الوطني ومراعاة الأوزان النسبية للقوى السياسية والبحث عن الشخصيات التي تتمتع بقبول شعبي. في حين أن الفريق المعاون لرئيس الجمهورية من المفترض أن يجمع أفراداً من أصحاب الفكر الذي ينتمي إليه الرئيس حتى يمكن تفهم توجهاته ومسار عمله، باعتبار أن الدور الموكل إلى هذا الفريق هو المساعدة في صنع القرار عن طريق تسهيل قرارات الرئيس على كل الأصعدة الداخلية والخارجية، ومن ثم يحتاج إلى شركاء المشروع لا فرقاء التوجه. يضاف إلى ذلك، أن الاختلاف المنهجي ينعكس على المواقف السياسية، فعلى رغم أن حزبي «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، و«النور»، الذراع السياسية للدعوة السلفية، ينتميان إلى مرجعية فكرية واحدة، فإن ثمة اختلافاً في المنهج من حيث أسلوب الدعوة وطريقة التفكير وبنية الأولويات، وهذا الاختلاف المنهجي ينعكس بالطبع على الرؤية السياسية التي تنطلق منه. فالنموذج الدعوي هو النموذج الفكري العام الذي عندما يتفاعل مع الواقع الاجتماعي والبيئي ما يلبث أن يتفرع إلى رؤى فكرية عدة، كل منها ترى في نفسها تعبيراً عن الفكرة الأم، وهذا ما نلمحه في التعامل مع أفكار مثل العلمانية والديموقراطية والليبرالية، سواء على مستوى نموذج الحضارة الغربية التي شهدت نماذج عدة للفكرة الواحدة في دول مختلفة أو على مستوى الدولة الواحدة، فالفكر الليبرالي يشهد تنوعاً في الولاياتالمتحدة مثلاً، حيث نجد أن الليبرالية المحافظة التي يمثلها الحزب الجمهوري أو المحافظون الجدد لديها اقتناعات ليبرالية على المستوى الاقتصادي، إلا أنها تملك رؤية محافظة في المجال الاجتماعي والديني، بما يخالف رؤية الحزب الديموقراطي الذي يريد تعميماً أكثر للقيم الليبرالية في كل المجالات. بيد أن الاختلاف في النماذج المعرفية هو الذي ولّد حالة من الحذر والريبة التي صاحبت نشأة حزب «النور» منذ بداية مولده السياسي تجاه جماعة الإخوان، وهي نابعة من التخوف من فكرة الذوبان في ركب جماعة الإخوان المسلمين لأن الدعوة السلفية ليس لديها ما لدى جماعة الإخوان من خبرة تاريخية في الشأن السياسي، اكتسبتها نتيجة ما مرت به من منعطفات وأزمات، تنوعت ما بين محاولة إقصاء وتدمير في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وشرعية ضمنية في عهد الرئيس أنور السادات ومطاردات أمنية في عهد الرئيس حسني مبارك. وإذا كانت المعارضة تتخوّف من مصطلح الأخونة نتيجة سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل الدولة ومؤسساتها، فإن الأمر لدى حزب «النور» يتجاوز الأخونة السياسية إلى التخوف من تداعيات ما يمكن أن يطلق عليه الأخونة الدعوية أو الفكرية على التيارات الإسلامية الأخرى، وبالأخص على التيار السلفي. فالأخونة الفكرية تعني إحلال القيم الإخوانية محل القيم السلفية ومن ثم تمكين مشروعهم الفكري. مهما يكن من أمر، فإن حالة الارتياب والتوجس تسير تصاعدياً في المجتمع المصري، وهو أمر يكرّس الانقسام المفضي إلى النزاع المعطل لمسيرة المجتمع نحو تحقيق أهدافه، وهو أمر يضع مسؤولية تجاوز هذا المنعطف للسير نحو التنمية على كل الأطراف. * كاتب مصري