كانت المخاوف من البركان السوري، فإذا بالبركان المصري يتفجر ويقذف بحممه وشظاياه في شتى الاتجاهات. وبذلك تسقط المنطقة رهينة البركانين السوري والمصري. ما زال حكم «الإخوان» في مصر والممثل بالرئيس محمد مرسي يرتكب الخطأ تلو الآخر، الأمر الذي ارغم جماهير الشباب على الزحف من جديد إلى ميدان التحرير في قلب القاهرة، وإلى منطقة «قصر الاتحادية» حيث القصر الجمهوري الذي يقيم فيه مرسي. ولم يقتصر الأمر على التعبير السلمي لمعارضة تدابير وإجراءات الرئيس المصري بل تميزت الأيام الأخيرة بسقوط المزيد من الضحايا وسيلان الكثير من الدماء على ضفاف النيل. إذ ما زال محمد مرسي يتخذ المزيد من الإجراءات التي يعتبر الكثير من المصريين أنها تشكل التحديات بالنسبة اليهم. ويمضى مرسي في اتخاذ القرارات التي تعزز سلطته وإحكام قبضته على مصر ساعياً إلى اختزال كل السلطات أو معظمها على الأقل، وهذا ما لم ولن تقبله الجماهير المصرية، ليس فقط التي تناصب العداء له بل شعر كثير من المنتمين إلى حركة «الإخوان المسلمين» بالتحدي وبعدم الرضا على ممارسات مرسي الذي يتابع مسيرة المكابرة وعدم التجاوب مع ما تطالبه به الجماهير ضارباً عرض الحائط التعددية القائمة في مصر. هذه الجماهير نفسها هي التي هتفت مع اندلاع ثورة 25 يناير الشعار الذي اصبح متداولاً وهو أن «الشعب يريد إسقاط النظام»، هي نفسها التي تردد هذا الشعار في شوارع القاهرة وفى سائر المدن والمحافظات المصرية. إن مجموعة من القرائن والشواهد تؤكد أن محمد مرسي سارع أو تسرع في اتخاذ العديد من الإجراءات التي رفضتها جماهير عريضة من أفراد الشعب المصري. وتتمثل المعارضة أو المعارضات في مصر في جبهة الإنقاذ التي تضم شخصيات بارزة كمحمد البرادعي وعمرو موسى وغيرهما اضافة إلى المواقف الصلبة التي لجأ إليها الجسم القضائي في مصر حيث تضامن القضاة كل القضاة ضد سلطة أو تسلط الرئيس محمد مرسي. وتعيش مصر حالة من القلق والتوتر المتصاعدين وسقوط العديد من ضحايا المواجهات بين المتظاهرين والمحتجين ورجال الشرطة، بخاصة وأن العلاقات بين كثير من المصريين وجهاز الشرطة يحكمها العداء منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011. ومن الأخطاء القاتلة التي يرتكبها النظام التسريع في «أخونة مصر»، ويدرك أو يجب أن يدرك الرئيس مرسي جيداً أن الملايين من المصريين حتى بعض الذين انتخبوه لا يوافقونه الرأي في قسم كبير من القرارات التي اتخذها، اضافة إلى استقالة العديد من المساعدين والمستشارين الذين عينهم من الذي أدركوا أن مسيرة «نظام الإخوان» لن تستقيم في مصر إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه. ويبقى البركان المصري في حالة غليان قد تجر إلى بعض المفاجآت غير السارة بالنسبة للفريق الذي اعتقد أن بإمكانه إخضاع مصر وجميع التيارات المصرية بالقوة ويساور فريقاً من الخبراء في الشأن المصري حالة من القلق قد تتجاوز التظاهر والاشتباكات إلى طرح الأسئلة حول مصير نظام الإخوان بكامله. ومن المتغيرات التي سجلتها بورصة الأحداث في الأيام الأخيرة الموقف الأميركي الناقد بقسوة لما يطلق عليه «الربيع العربي». فالولاياتالمتحدة التي حاولت وضع اليد على بعض الثورات العربية وإعطاء الانطباع بأنها هي ملهمة الثوار، هذا التفكير سجل تبدلاً جذرياً في مواقفها. وخلال المقابلة التلفزيونية التي ظهر فيها الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون، والتي كانت مقابلة الوداع مع قرب مغادرتها وزارة الخارجية، تطرق الحديث إلى الأوضاع السائدة في العالم العربي ووصفت كلينتون، ووافقها أوباما، التالي: «إن ما عرف بثورات «الربيع العربي» لم ينتج سوى الوجوه التي تفتقد إلى التجربة، أي كأنها تريد القول إن ما أفرزته انتفاضات «الربيع العربي» لم يكن سوى الإتيان بمراهقين في السياسة!. وبدأ يسقط «الربيع العربي» في الامتحان الأميركي. ونتجه قليلاً نحو البركان الآخر: البركان السوري وقد تحولت الأحداث الدامية التي تشهدها سورية يومياً إلى «فيروس» خطير يخشى معه انتقال العدوى إلى دول الجوار السوري وفي الطليعة لبنان والأردن. وفي هذا السياق يقول وزير الداخلية اللبناني العميد مروان شربل: «إن خوفي الأكبر على لبنان يبدأ في الوقت الذي تتوقف فيه الأحداث في سورية». وهذا كلام ينطوي على خطورة واضحة وكأن الوزير شربل أراد أن يقول إلى أي اتجاه يأخذ مسار الأحداث في سورية (النظام أو الثائرين عليه) فإن لبنان سيكون شديد التأثر والأضرار من تداعيات الأحداث السورية على الداخل اللبناني، ومن هنا تنطلق بعض الدعوات التي تطالب بوقف هذا الفريق عن رهاناته على سقوط النظام» والفريق الآخر على انتصار النظام. ففي الوضع السوري لن يكون هناك أي مهزوم ولا منتصر فالكل يتساوى في الهزيمة ولا أبطال. لقد نجح نظام الرئيس بشار الأسد في تسويق الفكرة التالية: أنا أو الإرهاب القاعدي!. وفي هذا السياق يلاحظ بوضوح وجود انحسار في اندفاعات مواقف الغرب الأميركي منه والأوروبي والمطالبة الملحة بغياب بشار الأسد عن المسرح، بل إن الجهود الدولية وبعض الإقليمية تتركز حالياً على «الحل السياسي» ووقف الأعمال العسكرية تمهيداً لتطبيق آلية الحوار بين النظام ومعارضيه. وسجل خلال الساعات القليلة الماضية بعض التطورات في موقف المعارضة السورية أو بعض فصائلها حيث اعلن رئيس الائتلاف السوري احمد معاذ الخطيب عن «استعداده للحوار مع نظام الرئيس بشار الأسد، وهو الموقف الذي أدى إلى قيام إشكالية كبيرة داخل أعضاء الائتلاف السوري، وبالتالي الأمر الذي ارغم معه الخطيب على القول إن ما صرح به يمثل «وجهة نظر شخصية». وبقطع النظر عما يمكن أن يفضي إليه هذا الموقف المتطور من اتجاه الوضع السوري في مسار جديد، فبعد انقضاء اكثر من سنتين على اندلاع شرارة الأحداث لم يتمكن النظام من حسم الأمر لصالحه عسكرياً، وكذلك لم تنجح المعارضة أو بعضها على الأقل، في تحقيق إنجازات واضحة على الأرض، لذا كان لا بد من التوجه نحو «الحل السياسي». كذلك لا بد من التوقف عند التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف واتهم فيها الرئيس الأسد بارتكاب «خطأ قاتل بعدم التسريع في إجراء الإصلاحات التي وعد بها»، وكان لا بد من طرح السؤال: هل هذا بداية تحول في الموقف الروسي، بعد ما قدم الكثير من مواقف الدعم للنظام السوري، وتعرضت روسيا جراء ذلك إلى العديد من الانتقادات من جانب الولاياتالمتحدة وسائر الدول الغربية. ويعطف على كل ذلك ما أدلى به المبعوث العربي- الدولي الأخضر الإبراهيمي ل «الحياة» والذي تحدث عن وجود «فتحه صغيرة... صغيرة بين أميركا وروسيا»!. وسط كل هذه البلبلة خرج الرئيس بشار الأسد أو انه أخرج نفسه من الصراع وطرح خريطة الطريق التي ستؤدي إلى تطبيق الحل السياسي، والصورة لم تتبدل بالنسبة إليه: اتخاذ المسار السياسي نهائياً والإشراف على كل المراحل من عقد جلسات الحوار مع المعارضين إلى تشكيل حكومة ائتلافية وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية في العام القادم 2014، وهو يصر على ترشيح نفسه وأبلغ الأسد الإبراهيمي: «تتحدثون عن الديموقراطية. هذه هي الديموقراطية... ومن يحصل على غالبية أصوات الشعب السوري يكون هو الفائز». وبعد وإذا ما جاز الإيجاز نسجل ما يلي: ارتفعت أصوات المعارضة السورية احتجاجاً «على تخاذل الموقف الأميركي» كما اسمي لجهة الالتزام بالوعود التي قطعتها واشنطن على نفسها من حيث تزويد «الجيش السوري الحر» وسائر مقاتلي النظام بالمال والسلاح. وفي احد اللقاءات المتلفزه حيث التالي: المذيع: من تتهمون بالتراجع عن دعمكم؟ المعارض السوري: حتماً روسيا التي دعمت نظام بشار الأسد بلا حساب وعرقله كل خططنا ومشاريعنا. المذيع (معقباً): ولماذا لا تتهم الولاياتالمتحدة بالتراجع؟ المعارض السوري (مفكراً):نعم... صحيح... صحيح. وهكذا تتساوى روسيا مع الولاياتالمتحدة بالنسبة للمعارضين السوريين أو بعض فصائلهم. ومع تولي الرئيس باراك أوباما رسمياً ولايته الثانية لاحظ كل الذين تحدثوا إليه حول إرباكات الوضع السوري انه قطع الشك باليقين مستبعداً «مجرد التفكير في أي تدخل عسكري في سورية». وفي معرض اختصار مواقف الدول الغربية على الناحية المالية فقد شكى بعض الدول من عدم وجود آلية محددة لكيفية تزويد المعارضة (وأي فصيل منها) بالمال. لكن الدول الداعمة برنامج إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وهي تستبدل المال بالسلاح فهي تساهم بشكل أو آخر في إطالة أمد الحرب في الداخل السوري، أي زيادة التمويل لإلحاق اكبر قدر ممكن من الدمار الذي لحق بمختلف أرجاء سورية. رغم المخاطر المحيطة بالوضع اللبناني والواردة إليه من خلف الحدود، فإن «فيروس» الانتخابات النيابية هو السائد هذه الأيام. وفي هذا السياق استقبلت باريس خلال الأيام القليلة الماضية بعض الأقطاب اللبنانيين ومنهم الرئيس أمين الجميل والأستاذ وليد جنبلاط الذي شدد فور خروجه من اللقاء مع الرئيس فرنسوا هولند على «أهمية استقرار لبنان وعلى الحوار وعدم نقل الأزمة السورية إلى لبنان»، مضيفاً «إذا فكر احد انه يستطيع الغلبة على فريق آخر في الانتخابات فهذا خطأ». ودعا جنبلاط إلى «موقف أوروبي واضح وأن تقوم أوروبا بتحرك سياسي موحد تجاه سورية». وكان جنبلاط زار موسكو وعقد لقاء مطولاً مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، وأيقن زعيم جبهة النضال الوطني أن الموقف الروسي على ثباته «وأن التركيز يجب أن يكون على الحل السياسي». وفي التحليل الأخير فإن الأحداث أكدت وجود المعادلة التالية: «السوريون يأكلون الحصرم واللبنانيون يضرسون». وسيرتكب أي طرف لبناني خطأ قاتلاً إذا لم يقرأ جيداً الموقفين الإقليمي والدولي، وانعكاسات ذلك على لبنان، الذي يبقى الحلقة الأضعف وسط صراع الجبابرة وحتى صراع البقاء بين الأقزام. إن ما حدث صباح الأربعاء الفائت لجهة إقدام 16 طائرة إسرائيلية بالإغارة على «قافلة تحمل أسلحة»، ما زال يكتنفها بعض الغموض، لكنها تطرح السؤال: هل قررت إسرائيل تغيير قواعد الاشتباك مع سورية؟ * إعلامي لبناني