الحدث: ترفض روسيا صدور أي قرار عن مجلس الأمن يتضمن إيقاع عقوبات على النظام السوري جراء أعمال القمع المنهجي للتظاهرات المناهضة له، بذريعة عدم فتح الباب أمام تدخل خارجي وفق السيناريو الليبي. حتى مشروع القرار العربي الغربي المشترك والذي قدمته المغرب مؤخرا ويتضمن الخطة العربية الصادرة عن الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، رفضته روسيا بحجة أنه يتضمن طلبا ضمنيا للرئيس بشار الأسد بالتنحي، تحت عنوان منح نائب الرئيس الصلاحيات الكاملة الكفيلة بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإدارة المرحلة الانتقالية، رغم أن مشروع القرار يطلب من جميع الأطراف في سورية وقف أعمال العنف، وهو بذلك يقترب كثيرا من مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن، والذي ووجه باعتراضات الدول الغربية. الفيتو الروسي .. عندما يكون الدب دبّا إن الموقف الروسي إزاء الأزمة المستفحلة في سورية والمتواصلة منذ أحد عشر شهرا، يفتقد إلى التأييد الشعبي الداخلي والخارجي، وهو في نهاية الأمر موقف ضعيف ربما تستفيد منه روسيا في حال حدثت معجزة وبقي نظام الرئيس بشار الأسد، وفق ما توحي به التصريحات المتتالية للمسؤولين الروس، وكأن بقاء الأسد على رأس النظام هو ضرورة ملحة لإجراء الإصلاحات السياسية المطلوبة، بغض النظر عن الأحداث الدموية الجارية حاليا. لكن حتى ولو بقي الرئيس بشار الأسد وضمن صيغة المبادرة العربية الأخيرة التي يتم تسويقها الآن، أي مع إعطاء نائبه فاروق الشرع الصلاحيات الدستورية الكاملة لتولي تنفيذ بنود الخطة العربية، فإنه لن يكون وحده صاحب قرار في التعامل مع القضايا الدولية، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى ما تتضمنه الخطة، إذ ستكون هناك أطراف في حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها شخص مقبول من كافة الأطراف، ومؤسسات الدولة عموما التي ستقول لا نحن سنتخذ موقفا متوازنا بالنسبة للعلاقات الدولية، وليس على طريقة رد الجميل إلى روسيا المتضامنة حتى النهاية مع النظام السوري، وهذا إذا استمر الموقف الروسي إلى آخر الطريق. لكن تقديري أن روسيا ستتراجع عن الدعم المطلق للنظام حتى لا تقع في عزلة داخل المجتمع الدولي، ويضاف إلى ذلك أن المرشح الرئاسي ورئيس الحكومة الحالية فلاديمير بوتين أمام انتخابات خلال فترة قصيرة فهو يريد أن لا يفتح المجتمع الدولي بعض الأبواب التي تنفذ منها العواصف إلى داخل روسيا، ومن السهل على الدول الغربية والأوروبية بالذات أن تسهم في تحريك الأنظمة المجاورة والمعادية للنظام الروسي مثل دول القوقاز والشيشان، فالموقف الروسي الحالي يفتقد أيضا إلى الاحترام خصوصا وأنه لا يأخذ في الاعتبار الجانب المأساوي في موضوع سورية حيث هناك مطاردات يومية للمعارضين وسقوط ضحايا. وبرأيي فإن الموقف الروسي سيعود في نهاية الأمر إلى صيغة لا يبدو فيها ضعيفا إلى أقصى الحدود ولا يبدو فيها أنه صاحب رهان فاشل كما كان رهانه في بداية الثورة على نظام القذافي. هذا إلى جانب أن روسيا تتطلع إلى أن تكون لها حصة في المياه الدافئة في البحر المتوسط، بعد أن خسرت ليبيا والعراق، ومصر أصلا خسرتها منذ زمن طويل ولبنان ليس لها، وحتى أن النائب وليد جنبلاط يحدثها بطريقة لا ترضيها، ويقول للمسؤولين الروس إنه يجب الوقوف مع المعارضة السورية فهي تتمنى أن يكون لها موطئ قدم في سورية خاصة وأنها المركز الأخير لروسيا في المنطقة لكن روسيا الآن غير مرغوبة شعبيا، ولا تستطيع أن تفعل شيئا إضافة إلى أن تاريخ التعامل الروسي مع القضايا العربية الصعبة منذ حرب 1967 ليس جيدا، فالاتحاد السوفياتي بعظمته وشأنه الكبير خذل عبد الناصر وكان باستطاعته أن يتخذ وقفة جيدة معه ولكنه لم يفعل، وهذا الموقف يمكن رؤيته وترجمته بالشعبية التي حصل عليها الرئيس أنور السادات عندما اتخذ قرارا بإلغاء المعاهدة مع الاتحاد السوفياتي وطرد الخبراء السوفيات ثم جاء بعد ذلك العراق وألغى المعاهدة. الآن كل طرف يبحث عن حفظ ماء الوجه، فالنظام في سورية يريد حفظ ماء الوجه والدول العربية قررت أن السقف هي المبادرة التي طرحتها، وهذه المبادرة إذا صدر الفيتو الروسي فسيخسر النظام في سورية هذا القرار، وستخسر روسيا معه السمعة. تحليل فؤاد مطر