عندما اتخذ مجلس الأمن الدولي قرار إرسال فريق من المراقبين الدوليين إلى سورية ساد الاعتقاد بأن هذه الخطوة قد تأتي بجديد كتطور مفصلى في مسار الأزمة، فإذا بالمراقبين يراقبون إطلاق النار وليس وقفه، الأمر الذي يؤكد مرة جديدة مدى تعقيدات الوضع في سورية، وبالتالي مدى قصور أي من الحلول التي تم تداولها حتى الآن لوقف «الحل الأمني» وتداعياته المكلفة بشرياً ومادياً والانتقال بالأزمة إلى «الحلول السياسية». وعليه، فإن القرار الدولي الآخر برفع عدد المراقبين الدوليين إلى ثلاثمئة لن يجدي نفعاً ولن يغير من المعطيات اللوجستية والميدانية التي تشهدها مختلف المدن والمحافظات السورية. وفي ظل أزمة الثقة المعدومة بين الجانبين السوري والأممي، سيبقى الوضع يراوح نفسه فيما عدّاد الموت ماضٍ في مهمته مسجلاً كل أنواع القتل والدمار. لقد حدث خطأ في الحسابات وفي تقدير الأمور منذ اندلاع الثورة في سورية من الذين راهنوا على نهاية وشيكة للنظام وأهله فإذا به «يصمد» بقطع النظر عن الأثمان الباهظة، وفي المقابل الذين راهنوا من جانب السلطة على سقوط المعارضة والثائرين بوجه النظام فإذا بالوقائع اليومية تثبت عكس ذلك على رغم استهلاك المتظاهرين للشعارات التي أطلقوها، واستهلاك النظام للطروحات والتوجهات، وبدا وبعد انقضاء كل هذا الوقت كما لو ان جميع الفرقاء «المنخرطين» بهذه المنازلة بحاجة إلى إعادة النظر في كل وسائل هذا الاشتباك، وسط بروز «العامل الروسي» كلاعب أساس في لعبة الحل. وبناءً على ما بلغته هذه الأوضاع، لا يمكن القفز فوق المعُطى الآتي: لن يستطيع النظام في سورية المضي في المعارك كما هي عليه الحال، وفي المقابل لن يكون في وسع المعارضة بل المعارضات السورية سواءً في الداخل أو في الشتات المضي في مواجهة نظام الرئيس بشار الأسد بالمعطيات نفسها التي تحكمت بهذا النزاع بعد انقضاء السنة الأولى من انفجار الأحداث، بخاصة مع ضرورة الأخذ في الاعتبار المتغيرات التي طرأت على الصعيد الدولي سواءَ في الجانب الأميركي منه والأوروبي، أو لجهة بروز روسيا والصين كلاعبين أساسيين سواءَ في حل الأزمة أو في تعقيدها إذا ما دعت الحاجة وفق المصالح الدولية المتقاطعة حيناً أو المتعارضة حيناً آخر. وفيما تمضي سورية في مواجهة قدرها وسط حديث بعض المراقبين السياسيين عن «توقع بروز بعض المفاجآت» على المسرح السوري في سائر الجبهات، مع ما اصُطلح على تسميته ب «الربيع العربي»... لا بد من المكاشفة والمصارحة مع الذات ومع الآخرين والمجاهرة بالقول إن بعض فصول هذا الربيع بدأت تظهر بعض السلبيات والتي توضح ان انجازات هذا «الربيع» لم تكن كلها إيجابيات، بل هناك الكثير من المظاهر غير الملائمة للواقع العربي المُعاش بحيث «ان كل ما جرى حتى الآن، وما يتوقع أن يحدث على المستوى الآني أو المتوسط أو البعيد المدى يُظهر غرق المنطقة بكاملها في الكثير من مستنقعات عدم الاستقرار والرمال الشديدة الحراك». ولعل ما يجري حالياً على الساحة المصرية يلقي الأضواءَ الكاشفة على «الجوانب الأخرى» من هذا الربيع والصراع الدائر حول شخص رئيس الجمهورية المصرية القادم و «هويته النضالية» يقدم الدليل على حال التخبط في مصر، إذ انتهت فترة الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية على خلافات كبيرة وعميقة حول شخصية الرئيس القادم وحركة «الإخوان المسلمين» تُمسك بالكثير من الخيوط في المعركة الدائرة، ليس بين «إخوان» مصر والآخرين، بل بينهم وسائر المرشحين غير المنضوين إلى تيار سياسي محدد، حيث طرح فريق منهم شعار «الإسلام هو الحل». وقد أثار الدفع بهذا الشعار الآن إلى بعض الحساسيات في الداخل المصري، بعد ان تعهد فريق من الإخوان بعدم خوض معركة رئاسة الجمهورية، وعندما نعلم ان مجموع ما حصل عليه تيار الإخوان المسلمين مع التيارات السلفية الأخرى أكثر من سبعين في المئة من أصوات مجلس الشعب في الانتخابات الأخيرة. تتضح لنا الصورة التي تطرح الإشكالية الجديدة في مصر وبخاصة في ضوء معلومات موثقة بأن عمر سلمان لعب دوراً مخابراتياً كبيراً في «إبعاد» اثنين من المرشحين لمنصب الرئاسة عبر قرار اللجنة الدستورية التي عُهد إليها التدقيق في الشخصيات التي ترشحت، فانتهى الأمر باستبعاد اثنين ينتمان إلى الإخوان المسلمين، إضافة إلى خسارة سليمان نفسه للترشح. وحول ما جرى في هذا الصدد، يقول المتابعون عن قرب للأجواء المصرية، إن من الخطأ اعتبار جهاز المخابرات السابق لم يعد قائماً مع تولي المجلس العسكري للسلطة موقتاً، كذلك يراهن البعض على ان انتخابات الرئاسة في مصر قد تتأجل ب «فعل فاعل»! في اللحظات الأخيرة! ثم ان شعار «الإسلام هو الحل» سوف يثير الكثير من الخلافات. وهناك مؤشرات لا توحي بالارتياح، ومنها إصدار حكم بحق الممثل عادل أمام يقضي بسجنه ثلاثة أشهر بتهمة «الإساءة إلى الاسلاميين». وبعد... في سورية: صوت مجلس الأمن – بالاجماع - على إيفاد 300 عنصر ينتمون إلى جنسيات مختلفة، وحتى إشعار آخر ستكون مهمة هؤلاء الإشراف على وقف إطلاق النار، في حال التوصل إليه وإلا سيكون دور هؤلاء الإشراف على استمرار إطلاق النار بانتظار «أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً». أما «المشهدية السورية» بوجه الإجمال فهي تنبئ بتطورات آتية ما قد تخرج الوضع مما هو فيه وعليه حتى لا يسيطر عليه «الجمود المتكرر» والمدمر حين تصبح المواجهات العسكرية يومية روتينية وكأن شيئاً لم يكن. وبانتظار «مفاجآت الأجواء السورية» تتوالى فصول «الربيع العربي» من كل حدب وصوب، منها الإيجابي ومنها السلبي، ونخطئ عندما نتصور ان هذه التسمية «الدخيلة» بعض الشيء على الواقع العربي أنها سترسل «المن والسلوى» للشعوب العربية اللاهثة وراء التغيير على غير صعيد من دون إدراك ماهية هذا التغيير وما إذا كانت الأجواء العامة ملائمة أم لا. أم ان المواطن العربي اعتاد على آفة «استيراد وتصدير» الشعارات بقطع النظر عن التدقيق فيها أو التأكد من جديتها ومن صوابيتها. ان للأزمة السورية «روافد» عدة، ويجب الحذر منها والتنبه اليها... وفي هذا المجال فإن من اختار شعار «عدم النأي بالنفس» لما يجري فإن هذا الشعار لا يكفي لتجنب شظايا البركان السوري، بخاصة إذا كان هناك من «وجد لسياسة النأي بالنفس» بعض التفسيرات الخاصة. ولكنْ الأهم من أخبار سياسة النأي بالذات وفي ما يتصل بسورية فإن رفع هذا الشعار لا يكفي إذا كان هناك من يؤمن فعلاً بالبقاء على الحياد لتجنب شظايا البركان السوري، لأن موقف النأي بالنفس يتطلب السير في اتجاهين متكافئين حتى لا يكون التصرف من جانب واحد. ان سياسة «النأي بالنفس» هي فن الممكن وسط السباحة في خضم الأنواء والأعاصير التي تهب على المنطقة، ألم تسمعوا بكلام الآباء والأجداد القدامى: «عند تغيير الدول إحفظ رأسك». * إعلامي لبناني