مع أن الرئيس المكلف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة سعد الحريري تحدث بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن صعوبات ما زالت تعترض التأليف من دون أن يدخل في تفاصيلها، فإن مصادر سياسية مواكبة لما آلت إليه المشاورات في شأن تشكيل الحكومة، رأت أن العقدة الرئيسة التي تعترض تسريع ولادتها تكمن في مطالبة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد عون ب5 حقائب وزارية واحدة منها سيادية وعدم استعداده لتعديل موقفه، خصوصاً بعد الدعم الذي لقيه من «حزب الله» بالنيابة عن قوى المعارضة. وقالت المصادر نفسها ل «الحياة» أن رمي المسؤولية على عاتق الأطراف المسيحيين في قوى 14 آذار وتحميلهم مسؤولية إعاقة تأليف الحكومة ليس إلا محاولة مكشوفة للهروب الى أمام لصرف الأنظار عن السؤال عن مصير الجهود التي تعهد «حزب الله» القيام بها لدى عون للمساعدة على تخطي بعض مطالبه التي تعتبر تعجيزية. ولفتت المصادر عينها الى ان من الخطأ المساواة بين التنافس القائم في داخل الأطراف المسيحيين في قوى 14 آذار في شأن التوزير وبين العقدة المستعصية التي اسمها عون، وعزت السبب الى إمكان إيجاد تسوية بين قوى الأكثرية تساعد على وضع حد للمنافسة خصوصاً بين حزبي «الكتائب» و «القوات اللبنانية» باعتبارها لا تطيح القواعد المتفق عليها لتأليف الحكومة خلافاً لموقف «تكتل التغيير» الذي يسعى لإطاحتها، وهو حاول الإفادة من التوتر الطارئ الذي ساد علاقة الرئيس المكلف برئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط قبل أن يصار الى محاصرته على أساس العودة بهذه العلاقة الى ما كانت عليه حتى مساء السبت في الأول من آب (أغسطس)، الذي كان مناسبة لرئيس «التقدمي» ليطلق مجموعة من المواقف الاعتراضية. واعتبرت أن لقاء المصارحة والمصالحة الذي عقد بين الحريري وجنبلاط أدى الى قطع الطريق على عون للانقلاب على المبادئ المتفق عليها لتأليف الحكومة، لا سيما أن نواباً في «تكتل التغيير» سارعوا الى الترويج لإعادة النظر فيها بذريعة أن المواقف الجديدة لجنبلاط دفعت بهذا الاتجاه. وتابعت هذه المصادر أن قوى 14 آذار قادرة على إنهاء المنافسة بين «الكتائب» و «القوات» من دون إحداث أي تغيير في الصيغة المتفق عليها والخاصة بتوزيع الوزراء على الأكثرية والأقلية في البرلمان إضافة الى الحصة الوزارية الوازنة لرئيس الجمهورية. لكن استعداد الأكثرية لوضع حد للمنافسة بين قواها يستدعي من المعارضة وتحديداً «حزب الله» أن يترجم تعهداته بالمساعدة من أجل التغلب على الشروط الموضوعة من عون الى خطوات ملموسة. ورأت أن حصر مسألة المساعدة لإقناع عون بتعديل موقفه لتسهيل تأليف الحكومة العتيدة ب «حزب الله» وليس بالمعارضة لا ينطلق من الهواء وإنما له ما يبرره باعتبار أن من غير الجائز القول أن المعارضة مجتمعة داعمة لعون ما يتناقض كلياً وموقف حركة «أمل» برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري التي لم تتعهد يوماً بأن تكون طرفاً الى جانب الحزب في مساعيه لدى عون. فالعلاقة بين بري وعون عادية خلافاً لعلاقة الأخير ب «حزب الله»، إن لم نقل إن «الكيمياء السياسية» بينهما ليست على أحسن ما يرام وكانت هكذا قبل الاختلاف على تركيب لائحة ائتلافية في جزين فكيف بها الآن في ضوء رفض الجنرال التعاون مع مرشح كتلة «التنمية والتحرير» سمير عازار الذي رسب في الانتخابات النيابية؟ كما أن العلاقة بين عون ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال ارسلان تمر في حال من الفتور على خلفية اعتراض الأول على توزير الثاني من ضمن الحصة الوزارية المقررة للأقلية ما اضطره الى التنويه بموقف جنبلاط من توزيره ووضع اللوم على «الجنرال» لموقفه منه. ناهيك بأن الأطراف الآخرين في المعارضة لم يحركوا ساكناً لجهة تبنيهم شروط عون لتأليف الحكومة وهذا ما ينطبق على الفريق السنّي فيها، إضافة الى بعض الأحزاب المستبعدة من الحكومة الجديدة بعدما تمثلت في الحكومة الحالية من حصة «حزب الله». أما القول، والكلام للمصادر نفسها، إن أحداً لا يمون على عون لدفعه الى تطرية مواقفه من تأليف الحكومة فيتعارض مع محطات سابقة كانت أبرزها استجابته لمساعي «حزب الله» مدعوماً من سورية التي أدت الى اقتناعه بسحب اعتراضه على ترشح رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان عن المقعد الأرثوذكسي في قضاء مرجعيون - حاصبيا، والنائب في الحزب مروان فارس عن المقعد الكاثوليكي في بعلبك - الهرمل. إن تجاوب عون، كما تقول المصادر، مع مسعى الحزب أسقط النظرية القائلة إن أحداً لا يستطيع إقناعه بتغيير موقفه أو تليين شروطه بعدما صرف النظر عن ترشيح القيادي في «التيار الوطني الحر» نائب رئيس الحكومة الحالي اللواء عصام أبو جمرا عن المقعد الأرثوذكسي في مرجعيون ونقل ترشحه الى الأشرفية ليرسب في المنافسة مع النائب نايلة جبران تويني. لذلك فإن اقناع عون بتعديل موقفه بات «حصرياً» بيد «حزب الله»، في ضوء تقدير الجميع لحدود المساعدة التي يقدمها الرئيس بري في هذا الشأن مع أن بعض النواب في «أمل» يعترفون في مجالسهم الخاصة أن تأثيرهم عليه محدود جداً وأن دورهم يمكن أن يقتصر على إيجاد المناخ من خلال تقديم النصائح اليه لإنجاح الحزب في مهمته. وفي هذا السياق سألت المصادر هل ان حل عقدة عون يتوقف على مسألة توزير صهره وزير الاتصالات جبران باسيل أم ان الإصرار على توزيره يأتي لحجب الأنظار على ما هو أبعد من إعادته الى الحكومة؟ كما سألت ما إذا كان إصرار عون على توزيره يعود الى انتقاد «التيار الوطني» للكفاءات التي يتمتع بها باسيل ليأتي ببديل منه الى الحكومة، أم انه يعتبر التمسك به من باب قبوله للتحدي المفروض عليه والناجم عن توافق رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف على استبعاد الراسبين في الانتخابات من الوزارة. وقالت إن هناك صعوبة في الإجابة على السؤال في حال كان الإصرار على توزير باسيل يشكل واحدة من العقد التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة، سائلة هل ان ضمانه لحقوق المسيحيين يتوقف على الإصرار على توزيره في وجه الحملات التي تحاول استبعاده؟ وكشفت المصادر ان مسألة توزير باسيل ليست إلا واحدة من العقد في ظل وجود عقد من نوع آخر وعلى رأسها إصرار عون على حقيبة سيادية تضاف الى حقيبة سيادية أخرى من حصة حلفائه في المعارضة والمقصود بها الخارجية في مقابل التسليم بحقيبتين سياديتين من حصة رئيس الجمهورية. وقالت إن التسليم بذلك يعني حرمان «14 آذار» من حقيبة سيادية أو دفعها للدخول في مواجهة مع رئيس الجمهورية عنوانها انتزاع حقيبة سيادية من حصته. مع انها تعتقد بأن الأكثرية ليست في وارد التسليم مهما كانت الاعتبارات بحقيبتين سياديتين للمعارضة لما يشكله هذا الأمر من خلل في توزيع الحقائب، إضافة الى ان إصرار عون على ان يتمثل وحلفاءه ب5 حقائب سيؤدي الى المساواة بين المعارضة والأكثرية والتعامل مع الأخيرة وكأنها خسرت الانتخابات. كما أن التسليم، بحسب المصادر، بمطالب عون سيفتح الباب أمام السؤال عن حصة المعارضة من وزراء الدولة ومدى استعداد «14 آذار» للتساهل في حصرهم في حصتها الى جانب حصة رئيس الجمهورية، خصوصاً أن عددهم في حكومة من ثلاثين وزيراً سيكون 8 وزراء دولة. وعليه فإن المصادر تحاول أن تجد تفسيراً لما يسمى بعقدة عون التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة على رغم الصمت المطبق للرئيس المكلف الذي يمارسه منذ اليوم الأول لتكليفه. واعتبرت أن سياسة الصمت التي يتبعها الحريري لا تقف حائلاً دون السؤال عن التسهيلات التي قدمها «حزب الله» لاقناع عون بتعديل موقفه بعدما قرر تبني موقفه بالكامل، مشيرة الى أن جنبلاط توقف أمام هذه المسألة لدى استقباله أخيراً لوفد من «حزب الله» برئاسة رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد مع انه لم يطرحها في سياق السؤال وإنما جاءت في معرض تأكيده مواصلة العمل وبخطوات ملموسة لتنفيس الاحتقان بين الشيعة والسنّة وتوفير كل الشروط للإسراع بتشكيل الحكومة والمساعدة لحل عقدة عون. كما توقف عدد من قادة «14 آذار» وفي مجالسهم الخاصة أمام الأسباب التي تؤخر حل عقدة عون على رغم أن الحريري وافق على الصيغة المتبعة لتأليف الحكومة لجهة تمثيل الأكثرية ب15 وزيراً في مقابل 10 وزراء للأقلية وخمسة لرئيس الجمهورية ليكون في وسعه القيام بدوره الوازن في مجلس الوزراء؟ ورأى هؤلاء ان التساهل الذي أبداه الحريري في هذا الشأن يجب أن يوظف في الإسراع في تأليف الحكومة، مع أنه يعتبر سلفاً أن هذه الصيغة تتيح للمعارضة الحصول على الثلث «الضامن» فيها من خلال الوزير الشيعي الذي سيسميه رئيس الجمهورية. وتابعوا إن المعارضة حصلت بطريقة أو بأخرى على الثلث «الضامن» بعد التطمينات التي سمعها شخصياً الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله من الحريري في شأن سلاح المقاومة وآلية التصويت على القرارات الكبرى في مجلس الوزراء مع انه قال أخيراً إن الحزب ليس في حاجة الى تطمينات بالنسبة الى سلاحه! واعتبر قادة «14 آذار» ان الفريق الآخر وتحديداً عون و «حزب الله» لم يبادرا الى تسليف الحريري موقفاً يسهل عليه تأليف الحكومة، وأكدوا أن إصراره على الصمت لا يعني أن ليس لديه ما يقوله في الوقت المناسب في حال لم تؤد الاتصالات الى حلحلة العقد، لكن على قاعدة أن لا مجال للاعتذار عن التأليف وأنه لن يتوقف عن بذل الجهود للوصول بتأليف الحكومة الى بر الأمان على رغم المرارة التي يشعر بها. ومع أنهم لا يملكون أجوبة صريحة تتعلق بالدوافع التي تملي على عون التصلب في موقفه، فإنهم في المقابل يطرحون مجموعة من الأسئلة يتركون للرأي العام التمعن فيها والإجابة عليها ومن أبرزها: - ما مدى صحة ما أخذ يتردد عن أن هناك من يعترض على التوافق السوري - السعودي في شأن لبنان بدءاً بتسهيل تأليف الحكومة؟ - أين يقف بعض المعارضة من الرأي القائل إن البعض الآخر فيها مصمم من خلال عدم تسهيل مهمة الرئيس المكلف على إلغاء مفاعيل نتائج الانتخابات النيابية وصولاً الى الضغط عليه للاعتذار، خصوصاً ان الإشارة في هذا الشأن جاءت هذه المرة من عون شخصياً من دون أي مواربة؟ - هل ان للتصلب الذي يبديه عون علاقة بما يشاع في أوساط مقربة من «التيار الوطني» عن أنه يرغب في تمرير رسالة لمن يعنيهم الأمر بأن لا مجال لولادة أي حكومة على أساس أن المعارضة خسرت الانتخابات وأن رصيده في الشارع المسيحي سجل تراجعاً في الانتخابات النيابية؟